ذكرى الحرب العالمية: الغرب يتنكّر وروسيا تشكو المظلومية

02 : 00

هي المرة الاولى التي تحيي فيها روسيا ذكرى الحرب العالمية الثانية من دون احتفالات صاخبة. جرت العادة ان يتم احياء المناسبة الاستثنائية في تاريخ الروس باحتفالات مركزية وعرض عسكري كان مقررا اقامته في الميدان الاحمر، تم الغاؤه هذا العام بسبب حظر التجوال الذي تخضع له العاصمة الروسية موسكو على خلفية جائحة كورونا. الا ان هذا لم يمنع الرئيس الروسي فلادمير بوتين من زيارة نصب "الشعلة الخالدة" في موسكو: وتوجيه خطاب رأى فيه ان الذين سقطوا في هذه الحرب انما" أنقذوا الوطن وحموا حياة أجيال المستقبل. لقد حرروا أوروبا وحموا العالم".

تشعر روسيا بالمظلومية نتيجة محاولة الغرب التنكر لدورها في الحرب العالمية الثانية التي أطلق عليها سفير روسيا في لبنان الكسندر زاسبكين تسمية "الحرب الوطنية العظمى". وفي شريط فيديو بالمناسبة دعا الى "توضيح حقائق الحرب وادانة محاولات تزويرها وفبركة تاريخ بديل".

ومع إحياء الذكرى الـ75 لانتهاء هذه الحرب أعاد تقرير لأحد المحللين العسكريين التذكير بالوقائع التاريخية التي شهدتها تلك الحرب والتصدي من خلالها "للمحاولات الاميركية تزوير التاريخ بتقليل اهمية الدور السوفيتي في هذه الحرب وتحرير المانيا تحديدا". وفي سرد تاريخي للوقائع يكتب المحلل الرواية الروسية لهذه الحرب على الشكل التالي:

كانت الحرب العالمية الثانية التي امتدت من عام 1939 ولغاية 1945 أكبر حرب شهدتها البشرية جمعاء. شاركت فيها 60 دولة وخلفت اكثر من 70 مليون ضحية. وكان من أبرز مراحل تلك الحرب اجتياح باريس صيف 1940 وبدء الهجوم على الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بعام واحد.

سبق ذلك التاريخ هجوم ألمانيا النازية على بولندا في الأول من أيلول عام 1939. وبعد 6 سنوات أي في الثاني من ايلول عام 1945 انتهت هذه الحرب بعد استسلام اليابان التي حذت حذو المانيا التي استسلمت بدورها لقوات الحلفاء في الشهر الخامس من العام ذاته. وضم معسكر الحلفاء مجموعة من الدول المناهضة للنازية الالمانية وفي مقدمتها الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية. كان الجيش الاحمر هو الفاتح الاول لألمانيا بعد ان هزم الجيش النازي الألماني انطلاقا من "ستالينغراد" وصولا الى برلين. فقد حقق الجيش الاحمر انتصارا امام اكبر جيش غاز في تاريخ الحروب والذي كان قد احتل بواسطة "الرايخ الثالث" الالماني (70.2 مليون نسمة) على النمسا (6.76 مليون نسمة)، منطقة سودات (3.64 مليون نسمة)، ممر البلطيق الذي تم الاستيلاء عليه من بولندا وبوزنان وأعلى سيليزيا (9.36 مليون نسمة) و لوكسمبورغ، لورين والألزاس (2.2 مليون نسمة)، ومنطقة كورنثيا العليا التي تم الاستيلاء عليها من قبل يوغوسلافيا هذا عدا حليفتها تشيكوسلوفاكيا والتي بدورها امدت الجيش النازي "الوحدة الخامسة" بالدبابات والمدرعات عبر مصانعها العسكرية.





لذلك استقر رأي الباحثين والمؤرخين باعتبار معركة "ستالينغراد" هي نقطة التحول الجذرية في مسار الحرب العالمية الثانية بحيث انها شكلت بداية نهاية الجيش الاسطوري النازي الالماني لأودولف هتلر. ولم يكن مستغربا ابداً ان يسمي الاتحاد السوفياتي هذه المعركة بـ"الحرب الوطنية العظمى" وذلك لأن كل فئات المجتمع شاركت بهذه الحرب. اعتبر السوفيات أنهم كانوا يدافعون عن ارضهم وبلدهم وكرامتهم، فكانت الضربات تتوالى على الجيش النازي وعلى مدى سنين وفي كل المناطق حيث بلغت تعبئة الدولة ذروتها فلم تقتصر على التجنيد الرسمي بل اصبح التطوع مصدراً مقدساً للانضمام إلى صفوف الجيش الأحمر، فنتج عن كل ذلك: الدفاع عن موسكو ولينينغراد ( 1941) ، ومعركة ستالينجراد ( 1942) ، ومعركة كورسك (1943 )، وعشر عمليات هجومية عسكرية ( (1944 ) ومهاجمة فيينا وبراغ وكينينسبرغ وبرلين (1945). أما أكثر الاشتباكات العسكرية في تاريخ البشرية فكانت بطولات وتضحيات مقاتلي الجيش الأحمر وشجاعة العمال الذين زودوا القوات بكل ما هو ضروري، وذلك يعود الى صلابة النظام الاقتصادي لإتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية الذي ارساه ستالين وخاصة القطاع الصناعي الذي تشكل في وضع "القلعة المحاصرة" والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدول. كانت تجربة إخلاء الإنتاج الى المناطق الشرقية والجنوبية من إتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفياتية، وإنشاء نظام دون إنقطاع تقريبا لتزويد الجيش بالمعدات العسكرية والذخيرة والملبوسات . كان التموين الغذائي للقوات المسلحة جيد جداوكان غالبا يأتي عبر تقليل نسبة حصة المدنيين الذين ضحوا بها بإسم الانتصار . هذا الانتصار التي تعتبر روسيا انه ما كان ليتحقق لولا هذه التضحيات الجسام لكافة شرائح المجتمع السوفياتي وعلى كامل التراب الروسي لذلك فإن حال الاراضي والمدن المحتلة من قبل النازيين لم يكن في خطر أقل مما كان عليه في الخطوط الامامية للجبهات. مئات الاف من المواطنيين حاربوا في سرايا الفدائيين مما تسبب في خسائر كبيرة للجيش الالماني . لم تكن قوة السلاح فقط في المقام الاول ولكن الروح القتالية والايمان بالعدالة في الصراع الوجودي كانا الطريق للانتصار الحتمي . كل تلك التضحيات ما زال عبقها قائما الى يومنا هذا حيث يذهب أبناء وأحفاد الشهداء من الجيش الاحمر لملاقاة احبائهم في مسيرة تسمى"مسيرة الفوج الخالد".

هذا الخلود لم ينكره قادة المانيا ما بعد هتلر حيث أحيت جمهورية المانيا الديمقراطية الناشئة في 7 أكتوبر 1949 نموذج الدولة المناهضة للفاشية. والرمز الواضح في الذكرى السنوية الرابعة لانتهاء الحرب هو النصب التذكاري الضخم في مقبرة تضم رفات أكثر من 5000 جندي من الجيش الأحمر. وفي الوسط يقف جندي يحمل على ذراعه طفلا ويدوس بحذائه الصليب النازي المعكوف. وبهذا النصب الذي يرتفع على طول 30 مترا كشف الحكام في المانيا الديمقراطية منذ اليوم الأول عن أسلوب البلاغة لديهم في إحياء ذكرى نهاية الحرب. "المحرر" هو اسم النصب التذكاري الكبير وهو رمز لانتصار الاتحاد السوفياتي على المانيا النازية. هذا اقل ما يمكن ان يعبر عن وفاء قادة المانيا الحرة للجيش الاحمر.

ويختم قائلاً "بعد كل هذه السنين وهذه التضحيات يطل علينا البنتاغون بمحاولة تزوير للتاريخ وذلك بتقليل اهمية الدور السوفيتي في انهاء الحرب العالمية الثانية وتحرير المانيا تحديدا!! يصرون بان الحرب انتهت بالثامن من ايار بدل التاسع من ايار! الا يعلم البينتاغون ان المنتصر هو من يحدد ساعة الاحتفال بالنصر ووفقا لتوقيت بلاده لا بتوقيت بلاد المهزوم او بلاد تبعد الاف الاميال عن عبق التاريخ؟ جرى استسلام المانيا في منتصف الليل من الثامن من ايار عام 1945 اي التاسع من ايار بتوقيت موسكو لذلك فان روسيا الان تحتفل وفقا لهذا التاريخ الذي كتبته بدمها والذي استنفذ قوة الاتحاد السوفيتي حينها والذي خرج منهكا جراء تضحياته لتحقيق السلام الذي لا يعرفه البينتاغون لغاية الان".

ومعروف ان روسيا تحتفل بانتهاء الحرب العالمية الثانية متأخرة بيوم عن ألمانيا، التي وقعت الاستسلام غير المشروط في الثامن من مايو عام 1945، وبسبب فرق التوقيت تزامن ذلك مع بداية يوم التاسع من مايو عند روسيا.


MISS 3