خالد أبو شقرا

إنفاقات الشهر الأول من العام الحالي "تحلّق" وترفع عجز الموازنة إلى 40 في المئة

"المصيبة" التي أُجّلت... إنفجرت

19 أيار 2020

02 : 00

أرقام "الملخص المالي" للأشهر القادمة والتي ستبدأ بالظهور تباعاً لم تؤخذ في الاعتبار عند إعداد "خطة التعافي الاقتصادية"
خلافاً للحكمة القائلة "لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد"، رحّلت الحكومة السابقة كل نفقات العام 2019 إلى العام الحالي. فضغط مؤتمر "سيدر" الذي كان يتطلب عدم تخطي نسبة العجز الى الناتج المحلي الـ 7.6 في المئة، من أجل فك أسر المساعدات المالية، دفعتها إلى كذبة سوداء. فاستبدلت الاصلاحات المطلوبة بتهريبة مالية، علّها تلاقي الحل بعد عام على طريقة "تفكير جحا بكيفية تعليم حمار الملك الكلام. إما يموت الحمار أو الملك أو يموت جحا".





ملخّص الوضع المالي للشهر الاول من العام الحالي كشف المستور، مبيناً ارتفاع عجز الموازنة بنسبة 40 في المئة. حيث وصل الفرق بين الايرادات والنفقات المحققة في شهر كانون الثاني وحده (972,813-) مليار ليرة لبنانية، في حين لم يتعدّ هذ الرقم الـ (34,271-) مليار ليرة في الفترة نفسها من العام الماضي. مسجلاً فارقاً بقيمة (938,542-) مليار ليرة.

بكلام أوضح فإن الدولة انفقت في كانون الثاني من هذا العام مبلغ 2 مليون و407 آلاف مليار ليرة، في حين لم تتجاوز النفقات في كانون الثاني من العام 2019 المليون و655 ألف مليار ليرة لبنانية.

"إنفجار" النفقات

الفرق الكبير بين النفقات والايرادات في مطلع العام بالمقارنة مع العام الماضي لا تعود إلى تراجع الاخيرة. فبالرغم من تراجع الايرادات من مليون و631 الف مليار ليرة إلى مليون و434 الف مليار هذا العام، بنسبة وصلت إلى 12 في المئة، فان النفقات زادت بنسبة كبيرة جداً، تجاوزت الـ 44.5 في المئة. وهذا ما يفسر، بحسب أحد المصادر المطلعة، البحث المضني خلال العام الماضي عن "خسائر" الدولة "المختفية". فقرار تجميد النفقات من أجل تحضير موازنة مثالية دفع الحكومة ومجلس النواب من ورائها إلى الهروب إلى الأمام وتطنيش الاستحقاقات واخفاء الارقام الفعلية، واقتصرت نفقاتها على دفع الرواتب والاجور المتضخمة أصلاً.

هذه الفرضية يعززها ما تسرب من وزارة المال من أرقام شهر شباط من العام الحالي التي لم تصدر بعد، والتي تدل بدورها على عجز قد يصل الى مليون و700 الف مليار ليرة، وهو ما يتخطى الارقام المحققة في كانون الثاني بأشواط كبيرة.

باستثناء بنود الديون الخارجية وفوائدها، التي بقيت متشابهة، فان كل بنود النفقات الأخرى حققت ارتفاعات كبيرة في بداية العامين. الملفت للنظر كان الارتفاع الكبير في بند النفقات العامة، من مليون و665 الف مليار ليرة في مطلع العام 2019 إلى مليونين و888 الف مليار هذا العام، أي بزيادة نسبتها 56.5 في المئة. أما السبب فهو ارتفاع النفقات على مؤسسة كهرباء بنسبة 188.6 في المئة، وعلى حساب موازنات سابقة لبنان بنسبة 101 في المئة.

رئيس "الجمعية الاقتصادية اللبنانية" منير راشد اعتبر ان "ارتفاع النفقات على مؤسسة كهرباء لبنان على الرغم من انخفاض أسعار الفيول على الصعيد العالمي، هو نتيجة عمليات تهريب الفيول المستورد لصالح المؤسسات اللبنانية إلى سوريا".

بالرغم من عدم التفسير الدقيق للانفاق في "الملخص"، فان بند النفقات العامة يتضمّن بالاضافة إلى ما تقدم كلاً من بند الاجور، الذي لم يشهد بدوره أي انخفاض أو تغيير بسبب استمرار تغييب الاصلاحات. وأيضاً بند المتأخرات لصالح "الضمان" والمتعهدين والمستشفيات... والتي من الممكن ان يكون قد دفع قسم منها بعدما كانت معلقة خلال العام الماضي. وبحسب راشد فان "ارتفاع العجز في العام 2018 إلى حدود 11 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي دفع الحكومة السابقة إلى "مسك يدها" منذ بداية العام. وهذا ما يبرر تراجع ارقام النفقات في الشهر الاول من العام الماضي بالمقارنة مع ارقام هذا العام".

العجز أكثر من 15%

الاستمرار على هذا المنوال يفترض ان متوسط العجز الشهري لهذا العام سيتعاظم إلى حدود الالف مليار شهرياً أو حتى أكثر. فتقهقر الايرادات وانحسار مداخيل الدولة من الضرائب والمرافئ، بسبب تكامل الازمة الاقتصادية مع كورونا وتوقف أغلبية الشركات عن العمل والدفع، سيرفع العجز السنوي الى 12 ألف مليار ليرة أو ما يشكل أكثر من 15 في المئة من GDP المنكمش أصلاً.

الحل بالاصلاح

أرقام "الملخص المالي" للأشهر القادمة والتي ستبدأ بالظهور تباعاً لم تؤخذ في الاعتبار عند إعداد "خطة التعافي الاقتصادية". بدليل تركيز "الخطة" على إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإهمال اصلاح اساس المشكلة المتمثلة في الفجوة الهائلة بين النفقات والايرادات في القطاع العام. هذا بالاضافة الى استمرار نهج اخفاء النفقات والهروب إلى الامام، ولو اننا منزلقون في هاوية لا قعر لها.

اذا كان التدخل لزيادة الايرادات في هذه الظروف يعتبر أمراً صعباً، فان تخفيض النفقات العامة للدولة ووقف التهرب والتهريب يشكلان المدخل الصحيح لمعالجة العجز. فحجم الدولة الكبير وأعداد موظفيها الهائل مع كل مؤسساتها العاجزة كالكهرباء وغيرها يتطلب اليوم وقف المهزلة والدخول مباشرة بتقليص النفقات المترافق مع الشراكة بين القطاعين العام والخاص للإنتهاء من عمليات إخفاء المشاكل عبر مسكنات التأجيل الكارثية.