خطّة أوروبّية ضخمة لتجاوز الأزمة التاريخيّة

مباحثات دوليّة لتوحيد الجهود ضدّ الوباء

02 : 00

جانب من القادة والمسؤولين المشاركين في المباحثات الافتراضيّة للجمعيّة العالميّة السنويّة للصحّة أمس (أ ف ب)

نالت منظّمة الصحّة العالميّة التي تضمّ 194 دولة، إشادة العديد من الدول الأعضاء مقابل انتقادات قاسية من الولايات المتحدة في مباحثات افتراضيّة للمرّة الأولى في تاريخها، في محاولة للتوصّل إلى استجابة دوليّة مشتركة ضدّ وباء "كوفيد-19" وضمان أن أي لقاح سيكون متاحاً للعالم أجمع، في وقت وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنظّمة بأنّها "دمية في يد الصين".

وافتتح النقاشات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بانتقاد الدول التي "تجاهلت توصيات منظّمة الصحّة العالميّة"، معتبراً أن العالم يدفع اليوم "ثمناً باهظاً" لتباين الاستراتيجيّات. وأضاف: "نتيجة لذلك، انتشر الفيروس حول العالم أجمع ويتّجه الآن نحو دول الجنوب، حيث يُمكن أن يُخلّف آثاراً أكثر تدميراً"، داعياً إلى بذل "جهود ضخمة متعدّدة الأطراف في مواجهة هذه المأساة".

وقلّصت الجمعيّة العالميّة السنويّة للصحّة هذا العام من ثلاثة أسابيع إلى يومَيْن فقط، وهي تُركّز على الوباء الذي أودى بحياة نحو 319 ألف شخص حول العالم. وإذ أشاد كثر من قادة الدول ووزراء الصحّة بجهود المنظّمة لتنسيق الاستجابة خلال مداخلاتهم عبر الفيديو، حضّوا على توفير مزيد من التمويل والدعم للمنظّمة.

لكن وزير الصحّة الأميركي أليكس عازار ألقى باللوم على المنظّمة لعدم الحصول على المعلومات اللازمة أو توفيرها للقضاء على الوباء. وقال في هذا الصدد: "يجب أن نكون صريحين في شأن أحد الأسباب الرئيسيّة التي جعلت هذا التفشّي خارج نطاق السيطرة: لقد فشلت هذه المنظّمة في الحصول على المعلومات التي يحتاج إليها العالم، وهذا الفشل أودى بحياة كثيرين". ودعا الوزير الأميركي إلى مراجعة مستقلّة لـ"كلّ جانب" من استجابة المنظّمة للوباء.

في المقابل، أكد المدير العام للمنظّمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس أمام الجمعيّة أن منظّمته "دقّت ناقوس الخطر مبكراً"، في وقت تأمل الدول الأعضاء في أن تتبنّى جمعيّة الصحّة العالميّة مشروع قرار يهدف إلى تشكيل استجابة مشتركة، بما في ذلك الالتزامات المتعلّقة بالوصول العادل إلى العلاجات واللقاحات المحتملة.

والمشروع الذي طرحه الاتحاد الأوروبي يطلب خصوصاً "إمكانيّة الوصول الشامل والسريع والمنصف لكلّ المنتجات اللازمة للاستجابة للوباء"، ويُشدّد على دور "اللقاح الواسع النطاق ضدّ "كوفيد-19" باعتباره للمنفعة العامة في العالم ولمنع انتشار الفيروس والقضاء عليه من أجل وقف الوباء".

من جهته، أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ أن بلاده تدعم "تقييماً شاملاً" للاستجابة العالميّة للوباء "بعد السيطرة عليه". وقال إنّه لطالما "كان للصين موقف منفتح وشفاف ومسؤول وشاركت المعلومات في شأن الفيروس في وقتها". وأكد الرئيس الصيني أن أي لقاح تُطوّره بلاده ضدّ فيروس "كورونا المستجدّ" سيكون "للمصلحة العالميّة العامة" فور بدء استخدامه.

وهناك مواضيع كثيرة تُثير الخلافات، من إصلاح المنظّمة مروراً بتأجيل منح تايوان صفة مراقب داخل المنظّمة، الذي دانته واشنطن، وصولاً إلى أبحاث اللقاحات وإرسال خبراء إلى الصين. لكن مسألة منشأ الفيروس لا تزال النقطة الأساسيّة في الحرب الكلاميّة المستعرة بين الولايات المتحدة والصين.

وتُطالب الولايات المتحدة بإجراء تحقيق في هذا الموضوع على غرار أستراليا ودول أخرى، إذ تشتبه في أن بكين خلّفت حادثاً مخبرياً قد يكون وراء انتشار الفيروس. كما تتّهم الولايات المتحدة الصين بمحاولة قرصنة أبحاث أميركيّة حول اللقاح. وقد هدّد ترامب "بقطع كلّ العلاقات" مع بكين. في موازاة ذلك، تعتبر الحكومة الأميركيّة أيضاً أن منظّمة الصحّة العالميّة أهملت تحذيراً مبكراً صدر من تايوان حول خطورة الفيروس.

تزامناً، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل خطّة نهوض بقيمة 500 مليار يورو بهدف مساعدة الاتحاد الأوروبي في تجاوز الأزمة التاريخيّة الناجمة عن الوباء، عبر آليّة غير مسبوقة لتشارك الدين الأوروبي. وأورد بيان مشترك: "دعماً لانتعاش دائم يُعيد النمو في الاتحاد الأوروبي ويُعزّزه، تدعم ألمانيا وفرنسا إنشاء صندوق للنموّ يكون طموحاً وموَقّتاً ومحدّد الهدف"، في إطار مشروع الموازنة المقبلة للاتحاد الأوروبي، على أن يكون بقيمة "500 مليار يورو".

وتقترح باريس وكذلك برلين أن تُموّل المفوضيّة الأوروبّية هذا الدعم للنهوض الاقتصادي عبر الاقتراض من الأسواق "باسم الاتحاد الأوروبي"، في آليّة غير مسبوقة في بنية الاتحاد. وأضاف البيان أنّه سيتمّ بعد ذلك تحويل هذه الأموال "كنفقات في الموازنة" إلى الدول الأوروبّية وإلى القطاعات والمناطق الأكثر تضرّراً. وتُشكّل خطّة من هذا القبيل خطوة غير مسبوقة نحو تشارك الدين على المستوى الأوروبي، الأمر الذي لطالما عارضته برلين وكذلك دول شمال أوروبا.

وفي هذا السياق، أكد ماكرون خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانيّة عبر الفيديو أنّه "لن يتمّ ردّ الـ 500 مليار من جانب المستفيدين من هذه الأموال". وقال ماكرون: "لن تكون قروضاً، إنّما مخصّصات مباشرة للدول الأكثر تضرّراً"، في حين قالت ميركل: "فرنسا وألمانيا تتّخذان موقفاً مؤيّداً للتضامن الأوروبي"، مشيرةً إلى أن الاقتراح "جريء" وقد يُثير انتقادات خصوصاً في ألمانيا. وتأتي خطّة النهوض هذه، لتُضاف إلى برنامج الطوارئ بقيمة تقارب 500 مليار يورو أيضاً، والذي صادق عليه وزراء مال منطقة اليورو لمواجهة الوباء العالمي والذي يشتمل خصوصاً على قدرات للإقراض.

في الغضون، وإذ أعلنت السلطات الروسيّة أنّها نجحت في الحدّ من ازدياد عدد الإصابات بـ"كورونا المستجدّ" في ثاني دولة في العالم من حيث عدد الإصابات، إلّا أن الوضع في البلاد لا يزال يتغيّر بحسب المناطق، إذ أقرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود مشكلات خطرة في جمهوريّة داغستان الفقيرة في القوقاز، حيث أقرّت السلطات بمئات الوفيات يُرجّح أنّها ناجمة عن "كوفيد-19". وسجّلت "بلاد القياصرة" 290678 إصابة، توفي منهم 2722 مريضاً.

وسجّلت الولايات المتحدة أعلى حصيلة إجماليّة للوفيّات بلغت 91603 من بين مليون و543 ألف إصابة. وتحتلّ بريطانيا المرتبة الثانية بتسجيلها 34796 وفاة، تليها إيطاليا مع 32007 وفيات، ثمّ فرنسا مع 28239 وفاة، ومن ثمّ إسبانيا مع 27709 وفيات.


MISS 3