كاترين فرايزر كاتز

ما بعد كيم جونغ أون

21 أيار 2020

02 : 00

كانت الضجة الإعلامية في الشهر الماضي حول صحة رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون واحتمال موته مبالغاً فيها. على مر ثلاثة أسابيع تقريباً، حين توارى كيم عن الأنظار بدءاً من 11 نيسان، ضخّمت وسائل الإعلام الدولية تقارير مشبوهة مفادها أن "حالته حرجة" أو ربما توفي غداة خطأ في جراحة قلب مزعومة خضع لها. لكنّ ظهور كيم حياً وبصحة جيدة في 1 أيار خلال حفل افتتاح مصنع أسمدة كشف عن حجم التضخيم الإعلامي لتلك الأنباء كلها. لكن تذكّرنا تلك الحملة رغم شوائبها بأن هذه الدولة المسلّحة نووياً يسهل أن تواجه أزمة على مستوى القيادة. في هذه الحالة، قد تتصادم القوى الخارجية في محاولة لتأمين سلامة استعمال أسلحة الدمار الشامل أو منع تدفق اللاجئين.

كشف اختفاء كيم الوجيز ضرورة أن تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية أمنية إقليمية خاصة بكوريا الشمالية، على أن تُنَسّق بين استجابات القوى المعنية تجاه أي فوضى محتملة في نظام بيونغ يانغ.

أصبحت صحة زعيم كوريا الشمالية مصدر قلق للكثيرين منذ فترة. في خريف العام 2014، اختفى كيم طوال ستة أسابيع تقريباً ثم ظهر مجدداً وهو يتكئ على عصا. ذكرت دائرة الاستخبارات الوطنية لاحقاً أنه خضع لجراحة في الكاحل، وقد تتكرر المشكلة نظراً إلى وزنه وأسلوب حياته. كان والد كيم وجدّه أكبر سناً منه حين توفيا من جراء نوبة قلبية. لكن تقول المراسلة آنا فيفيلد من صحيفة "واشنطن بوست" إن كيم ضعيف جسدياً نسبةً إلى عمره وفق تحليلات أطباء كوريين جنوبيين قيّموا صوره خلال مشاركته في اجتماعات دولية. يبلغ كيم 36 عاماً فقط، لكن تبقى وفاته المبكرة خياراً وارداً. لذا قد تواجه كوريا الشمالية مرحلة انتقالية في أي لحظـــــة. إذا كــــان اختفاء كيم جونغ أون في نيسان الماضي يرتبط فعلاً بمشاكله الصحية قد يدفعه هذا الوضع إلى تسمية خلفه وتحضيره لاستلام منصبه، كما فعل والده وجدّه قبل سنوات من وفاتهما. لكن حتى الآن، لم يعيّن كيم أي بديل عنه علناً، ولا يفصّل الدستور الكوري الشمالي مسار انتقال السلطة.تُعتبر صحة زعيم كوريا الشمالية من أكثر الأسرار غموضاً في بلدٍ يصعب أن تخترقه الاستخبارات، لذا يرتكز أي نقاش عن قادته المستقبليين على التوقعات والتخمينات. لكن تبدو كيم يو جونغ، شقيقة كيم جونغ أون الصغرى، من الأسماء المرشحة لخلافته. أصبحت هذه الشابة تحت الأضواء في السنوات الأخيرة، وهي تضمن استمرارية سلالة كيم. كذلك، عاد كيم بيونغ إيل، عم كيم جونغ أون، إلى كوريا الشمالية حديثاً، بعد سنوات من خدمته الديبلوماسية في أوروبا ويُعتبر خلفاً محتملاً آخر للزعيم الحالي. لكن ربما يتولى شخص من خارج عائلة كيم منصب الرئاسة للمرة الأولى: قد يكون مسؤولاً في الجيش أو زعيماً سياسياً مثلاً.

يحكم كيم جونغ أون كوريا الشمالية وحده، كما فعل سلفاه من قبله. لذا قد يحكم خلفه البلد وحده أيضاً أو كجزءٍ من قيادة جماعية. أو ربما ينشأ ترتيب يجمع بين هاتين البنيتَين معاً. قد يكون انتقال السلطة قصيراً أو مطولاً، إذ يتوقف الوضع على صراعات السلطة المحتملة. لكن يبقى فراغ السلطة أخطر تهديد على نظام كوريا الشمالية، وهو احتمال وارد إذا لم يُعيَّن خلف كيم مسبقاً أو إذا استلم أي مسؤول منصب الرئاسة وفشل في مهامه.

كان آخر انتقالَين للقيادة في كوريا الشمالية سلسَين نسبياً، رغم انتشار توقعات معاكسة عن هذا الموضوع. لكن بغض النظر عن مسار هذه المرحلة الانتقالية، من المستبعد أن تعرف القوى الخارجية معطيات وافية عن الوضع الحقيقي داخل كوريا الشمالية. يصعب تفسير سلوك أي قيادة جديدة تتأثر بالتوجيهات الخارجية: قد يقرر النظام غير الآمن الذي يحاول ترسيخ سلطته أو النظام الآمن الذي يسعى إلى تعزيز دعمه اختبار الأسلحة النووية أو الصواريخ مثلاً.

وبما أن القوى الإقليمية ستواجه مصاعب كبرى في توقّع أو تقييم الديناميات القائمة في أوساط قادة كوريا الشمالية، ستحتاج هذه الجهات إلى خطط طوارئ مختلفة خلال المرحلة الانتقالية، ويجب أن تتذكر مختلف التفسيرات المحتملة لتصرفات القادة في هذا البلد.

شبكة متداخلة

إذا انهار نظام كوريا الشمالية أو خسر استقراره، ستواجه القوى الإقليمية على الأرجح تهديدات أمنية لا تبدو مستعدة لمجابهتها وحدها. إذا توفي كيم فجأةً من دون تسمية خلف له مثلاً، أو إذا عيّن خلفه وعجز هذا الأخير عن فرض سيطرته، يجب أن تضع الولايات المتحدة، بالتعاون مع كوريا الجنوبية واليابان، خطة لضمان سلامة استعمال مخزون كوريا الشمالية من أسلحة الدمار الشامل وتوفير السلع والخدمات الأساسية للشعب الكوري الشمالي لتجنب أي أزمة إنسانية. في الوقت نفسه، يجب أن تضمن هذه الجهات ألا تسيء كوريا الشمالية أو القوى الإقليمية الأخرى تفسير محاولات تجديد الاستقرار على أنها شكل من الغزو.

قد تتعقد هذه الجهود لأن القوى المهتمة بشبه الجزيرة الكورية لا تتقاسم الأولويات نفسها. في حال نشوء أزمة بسبب الخلافة، من المتوقع أن تركّز الولايات المتحدة في المقام الأول على معرفة مواقع الأسلحة النووية الكورية الشمالية ومنع سوء استخدامها. قد تكون الصين من أكثر المهتمين بالحفاظ على الاستقرار ومنع تدفق اللاجئين عبر حدودها. إذا دخلت القوات الأميركية والكورية الجنوبية إلى كوريا الشمالية لمنع تهريب أسلحة الدمار الشمال إلى خارج البلاد، لا مفر من أن تقلق بكين من تحركات تلك القوات بالقرب من حدودها.

تفيد التقارير بأن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وضعتا خططاً للتعامل مع مختلف سيناريوات الانهيار، بما في ذلك مجموعة سرية من العمليات المعروفة باسم "الخطة التشغيلية 5029". لكن لن يكون إقناع القادة في واشنطن وسيول بطريقة تنفيذ تلك الخطط وتوقيت إطلاقها سهلاً لأن الوضع يتوقف في معظمه على سياسات وتوجّهات الحكومتين. ركزت إدارة الرئيس مون جاي إن التقدمية الراهنة في كوريا الجنوبية مثلاً على التواصل مع بيونغ يانغ، وسترفض على الأرجح تنفيذ "الخطة التشغيلية 5029" إذا أوحت هذه الخطوة بأن سيول كانت تدفع النظام الكوري الشمالي نحو الانهيار. داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كشف رانـــدال شريفر، مسـاعد وزير الدفاع في شؤون الأمن في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي بين العامين 2018 و2019، أن "الخطة التشغيلية 5029" لم تكن جزءاً من النقاشات حول كوريا الشمالية في عهده.

يشدد اختلاف الأولويات والآراء حول كوريا الشمالية بين كبار اللاعبين النافذين على أهمية تنسيق السياسات قبل نشوء الأزمات أو انهيار نظام كوريا الشمالية. من دون تواصل واضح وصريح، قد يسيء الكثيرون فهم أهداف القوى الإقليمية ويسهل أن يطلق سوء التفاهم صراعاً على نطاق أوسع.

لكنّ الظروف السياسية الراهنة تُصعّب القيام بهذا النوع من التنسيق. تنشغل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بمفاوضات مثيرة للجدل حول اتفاق عسكري لتقاسم التكاليف، وقد طالبت إدارة ترامب خلال تلك المفاوضات بزيادة مساهمات سيول بخمسة أضعاف. من المنتظر أن تبدأ واشنطن محادثات مماثلة مع طوكيو في وقتٍ لاحق من هذه السنة. على صعيد آخر، أدت موجة محتدمة من الخلافات التاريخية والاقتصادية إلى توتر العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان منذ خريف العام 2018. أما العلاقات بين كوريا الجنوبية والصين، فيشوبها انعدام الثقة المتبادل منذ بدء الخلاف حول نشر نظام دفاعي صاروخي أميركي في كوريا الجنوبية. أخيراً، تخوض الولايات المتحدة والصين أصلاً حرباً تجارية منذ العام 2018، وقد واجهتا مشكلة ديبلوماسية متفاقمة في الأسابيع الأخيرة بعدما تبادل قادة البلدَين الاتهامـــــات على خلفية انتشار فيروس كورونا الجديد.





أزمـــــــة فـــــــي الأفــــــق؟

تحتاج الولايات المتحدة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى خطة لمواجهة انهيار استقرار النظام في كوريا الشمالية. يجب أن تشمل هذه الاستراتيجية عناصر من الخطط المقترحة قبل سنتين للتعامل مع برنامج كوريا الشمالية النووي، بما في ذلك تعزيز العقوبات العالمية، وتكثيف جهود مكافحة انتشار الأسلحة في المنطقة، وإطلاق مبادرات رادعة بالتنسيق مع الحلفاء.

لا تكون المحاور الاستراتيجية الكبرى واردة في الأشهر التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية. لكن تستطيع إدارة ترامب أن تتخذ بعض الخطوات المفيدة على المدى القريب. سيكون إنهاء المفاوضات العسكرية حول تقاسم التكاليف مع كوريا الجنوبية واليابان بداية واعدة. كذلك، على الولايات المتحدة أن تجدد التنسيق السياسي الثلاثي مع سيول وطوكيو وتبتكر آلية للتواصل مع الصين وقوى إقليمية أخرى حول استقرار كوريا الشمالية. قد تسهم هذه الخطوات في تقوية السياسة الأميركية في شبه الجزيرة وتُسهّل الاستعداد لمواجهة أي تطورات طارئة في قيادة بيونغ يانغ.

في النهاية، قد يعيش كيم جونغ أون حياة مديدة رغم مشاكله الصحية الكثيرة. لكنّ موته يعني خسارة ديكتاتور وحشي ومُنتهِك دائم لحقوق الإنسان، وبالتالي سيكون هذا الحدث مرحّباً به في زوايا عدة من العالم، وقد تكون عملية انتقال السلطة إلى زعيم جديد سلسة نسبياً، كما حصل في كوريا الشمالية في الماضي. لكن يجب أن تبقى الولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع أي سيناريوات معاكسة، كتلك التي تشمل تهديد الاستقرار الإقليمي والعالمي فور وفاة كيم. ما لم تستعد المنطقة كلها لكافة الاحتمالات، قد تصبح شبه الجزيرة الكورية أكثر عرضة للصراع المسلّح نتيجة الفوضى المتوقعة في المرحلة اللاحقة، على غرار الأزمة المحتدمة في العام 2017.


MISS 3