محمد دهشة

علي الشريف لـ"نداء الوطن": القطاع التجاري يمرّ بكارثة

لا مظاهر فرح في صيدا إحتفاء بعيد الفطر... ومداورة في شراء الثياب داخل العائلة

22 أيار 2020

02 : 00

"عجقة ناس" ولكن حركة الشراء خجولة

تغيب مظاهر الفرح بعيد الفطر المبارك في صيدا قسراً، فالأزمات الاقتصادية والمعيشية المتتالية التي عصفت بأبناء المدينة جوعاً وفقراً مدقعاً سرقت منهم بهجتهم وأحلامهم، وجاء الغلاء وارتفاع الأسعار نتيجة التلاعب بالدولار ووباء "كورونا" ليجعل أقصى همومهم هو تأمين لقمة العيش، من دون الالتفات الى أي تفاصيل أخرى في حياتهم مهما كانت كبيرة أو صغيرة.

حال صيدا هذه الأيام لا يشبه أحوالها السابقة، فالمدينة التي كانت تعج بالحركة والازدحام عشية عيد الفطر، تحولت الحركة في أسواقها الى مجرد "كزدورة"، ومتنفس لتخفيف تداعيات التعبئة العامة وحال الطوارئ الصحية. البعض اختصر الطريق ولم يتوجه الى السوق، والسبب لا قدرة لديه على شراء أي شيء، البعض الآخر "كزدر"، "تفرّج" و"صفّر" على ارتفاع الاسعار ولم يشتر شيئاً، والبعض الثالث حاول أن يدخل البهجة الى قلوب أطفاله عبر شراء ما تيسر من ثياب وألعاب وحلوى.

الرمق الأخير

داخل السوق، تتلاقى الناس على اختلافها، كل يروي حكايته عن وجع مفتوح على الجوع وعلى مجهود شبه مستحيل لادخال الفرح الى قلوب الأطفال في العيد، بعد حجر منزلي لامس الأشهر الثلاثة، وباعة واصحاب محال وتجار يحاولون لملمة جراحهم النازفة نتيجة تردي قطاع يكاد يكون في رمقه الاخير قبل الاحتضار والتشييع.

ووصف رئيس "جمعية تجار صيدا وضواحيها" علي الشريف لـ"نداء الوطن" الحركة بأنها "مقبولة وهي بكل الأحوال أفضل من الاقفال"، قبل أن يردف بحسرة مشيراً الى أنّها "لم ترق الى طموحات التجار"، موضحاً أنّ "الاقبال يتركز على شراء ألبسة الأطفال والأحذية، وهذا طبيعي عشية عيد الفطر المبارك"، مشيراً الى أنّ القطاع التجاري يمر بكارثة منذ سنوات، وهو في رمقه الاخير قبل الاحتضار"، لافتاً إلى أنّ "حركة البيع تراجعت 80% من معدلها، ووضعنا في الارض، ولن تقوم لنا قائمة، اذا لم تبادر الدولة الى إلغاء كل الرسوم والضرائب"، رافضاً "رمي مسؤولية ارتفاع الأسعار على التجار، بل على الدولار، فالتجار اضطروا الى تعديل الأسعار بما يتماشى مع سعر صرف الدولار بعدما وجدنا انفسنا امام خسارتين: الاولى فرق تسعيرة الدولار، والثانية تقليص نسبة الارباح بسبب تراجع القدرة الشرائية".

ركود واقفال

في السوق التجاري نحو 300 محل، معظمها يعاني من الركود القاتل، حتى في أسبوع العيد لم يأت حساب التجار على قدر أمانيهم، وزاد من احباطهم انه خلال هذا الشهر وحده، سجل اقفال اربعة محال تجارية ليرتفع عدد المؤسسات التي اقفلت منذ مطلع العام الحالي الى 17 مؤسسة و"الحبل على الجرار"! ما ينذر بأزمة اجتماعية كبيرة نتيجة صرف الموظفين، اذ ان اكثر من 40% من العمال فقدوا وظائفهم ما رفع نسبة البطالة، بينما من تبقى منهم جرى تخفيض رواتبهم او على الطريق، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه! واعتبر عضو جمعية التجار وصاحب احد المحال وائل قصب أنّ "حركة المتسوقين لافتة داخل السوق ولكن غالبية الزبائن تبدي دهشتها من ارتفاع الاسعار، وبالتالي لا تقدم على الشراء الا بنسب قليلة جداً وفقط في محال بيع الألبسة الولادية"، بينما قال أحمد الديماسي لـ"نداء الوطن"، وهو نجل احد اصحاب المحال التجارية إنّ "الحركة في اليومين الاخيرين كانت جيدة مقارنة مع الافتتاح، وقد تبين أنّ القدرة الشرائية عند الناس معدومة، فيما هدفنا في هذه الايام ليس الربح، بل تأمين قوت العيش ومصاريف التشغيل كي نصمد امام مخاطر الاقفال ولا نصرف ما تبقى من مدخرات".إتفاق وتوزيع

وكثيراً ما تتحول الأسواق ذات الطابع الشعبي وجهة أولى للمتسوقين وخصوصاً محدودي الدخل أو الأكثر تأثراً بالأزمة الراهنة. يقصدون المحال المنتشرة في عمق السوق التجاري او عند مداخل المدينة القديمة ثم المحال التي تقدم عروضاً خاصة في اسبوع الفطر لجهة الحسومات والتنزيلات لتجذب الزبائن. ريما بسيوني وهي أم لاربعة اطفال،تقول: "كنت في كل عيد اشتري الثياب لهم جميعاً ودفعة واحدة، أما اليوم فالاوضاع المادية صعبة وزوجي موظف "على قد حاله"، فاتفقنا على المداورة في شراء الثياب، اثنان في عيد الفطر واثنان في عيد الاضحى، كي ندخل الفرح الى قلوبهم ولو بالتقسيط مثلما صارت حياتنا". بينما أكدت الحاجة دلال بيومي وهي تجر بيديها احفادها الثلاثة، "لقد قررت ان اشتري على حسابي الخاص لاحد احفادي لأساعد إبني في مصروف العيد، وهو سيشتري للاثنين الآخرين، نتقاسم العبء في هذه الازمة المعيشية الخانقة بعد الحجر المنزلي الطويل ووقف العمل"، بينما أكدت ميسون بتكجي وهي أم لطفلين، "حاولت أن اشتري لهما ولكن للاسف لا طاقة لي بذلك، فقررت شراء لعبتين صغيرتين فقط، عسى الله أن يبدل الاحوال الى الأحسن".

ناقوس الخطر

على وقع الشكاوى، كان عناصر قوى الامن الداخلي يدققون في ارقام السيارات "المفرد والمزدوج"، ينظمون حركة الدخول الى السوق، وقد لوحظ أن غالبية رواده التزموا بالاجراءات الوقائية لجهة ارتداء الكمامة والكفوف. وفتحت المصارف ومحلات الصيرفة ابوابها وسط استقرار في سعر صرف الدولار الذي تراوح بين 4150 و4200 ليرة لبنانية بعد ارتفاع طفيف. بينما دهم مراقبو وزارة الصحة، بمؤازرة عناصر من أمن الدولة، أحد المحال الكبرى لبيع المواد الغذائية في المدينة الصناعية، ووجهوا لصاحبه إخطاراً بعدم وضع أي من المواد الإستهلاكية وخلافها تحت الشمس بطريقة غير مطابقة للمقاييس الحرارية والشروط الصحية. ودق الدكتور عبد الرحمن البزري ناقوس الخطر، معتبراً أنّ "الوضع الذي تعيشه البلاد حياتياً واقتصادياً هو خطير جداً، وأن الطبقة السياسية التي نهبت خيرات البلاد وعاثت بالأرض فساداً ما زالت تتصرف وكأن شيئاً لم يكن وتتحاصص في ما بينها بعيداً من معاناة المواطنين، وأن الحكومة الحالية لا تملك لا الرغبة ولا الإمكانية في مواجهة التحديات الكبيرة التي تُعاني منها البلاد وهناك غياب واضح للقيادة". أضاف: "بات من الواضح أن البلاد تسير بقدرة قادر بعيداً من أي خطة حقيقية في مواجهة الأزمات وغياب التنسيق الواضح بين مختلف إدارات الدولة في مواجهة المشكلة الصحية التي أضافت أعباء جديدة إلى أعباء المواطنين الحياتية والمالية"، داعياً "قوى الإنتفاضة والثورة إلى عدم البقاء في حالة جمودٍ غير مبرر وضرورة إعادة أنشطتها ودورها بما يضمن استمرار الضغط على الطبقة السياسية التي تُسيّر البلاد من وراء حكومة أعجز من أن تتحمّل المسؤولية".