مروان الأمين

مشاريع تغيير النظام السياسي... بين غريزة المنتصر وعقل المصلحة العامة

30 أيار 2020

02 : 00

منذ 1975 حتى اليوم، لم يتم طرح مشروع النظام الفيدرالي أو إلغاء الطائفية السياسية أو أي مشروع آخر لتطوير النظام السياسي بعقل بارد. لا تُطرح هذه المشاريع إلا في ذروة التوتر بين القوى السياسية.

كل هذه المشاريع لتطوير النظام السياسي أو استبداله، تستحق النقاش، ولا يجب أن تقع محرمات على نقاش أي فكرة أو مشروع.

لكن الأزمة التي يتخبط بها العقل السياسي اللبناني تكمن في السياق والخلفيات، وليس في هذه المشاريع بحد ذاتها. المشكلة في أنه يتم تقديمها في سياق سلبي، فيها تحدٍ وإبتزاز سياسي للآخر.

يقوم بعض المسلمين برفع شعار إلغاء الطائفية السياسية ولبنان دائرة انتخابية واحدة لغايات إلغائية وبخلفية ديموغرافية. طرح يحمل تهديداً وجودياً للمسيحيين وإلغاء لدورهم في النظام السياسي. كما يقوم بعض المسيحيين بطرح المشروع الفيدرالي في إطار تهديد المسلمين بالإنعزال الإقتصادي عنهم، وحصر المكاسب الإقتصادية بالمسيحيين مثل (نحن ندفع الضرائب أكثر من المسلمين، ونحن أساس القطاع السياحي، إلخ).

بغض النظر إن كان هذا الطرف أو ذلك يُقدم حججاً حقيقية أو لا لمشروعه، لكن الأكيد أنها حتى لو كانت حقيقية، فيُراد منها باطل.

التطوير في أي نظام حكم ضروري مع تطور البشرية عددياً واقتصادياً واجتماعياً ومعرفياً، ووفقاً للتغيرات الجيوسياسية. ويصبح التغيير لا مفرّ منه حين يعجز النظام السياسي السائد عن تقديم حلول لمعوقات إنتظام العمل السياسي والمؤسساتي في الدول. لكن طرح تطوير النظام السياسي يحصل بعقل باردٍ، وفي إطار طمأنة جميع المكونات المجتمعية (طائفية، مذهبية، عرقية، إلخ)، ويجب أن يصب في الصالح العام للأوطان، وليس لمصلحة فئة على حساب أخرى.

لا يكفي أن يقول البعض أنظروا كيف أن الكثير من الدول المتطورة تعتمد الأنظمة الفيدرالية، كي يصبح ذلك خياراً ممتازاً يصلح عندنا. وكذلك الأمر بالنسبة لإلغاء الطائفية السياسية. بل المطلوب تقديم مشروع جدي للنقاش، يتماشى مع المتغيرات التي حصلت في العالم والمنطقة ولبنان منذ اتفاق الطائف حتى اليوم. مشروع يجاوب على أسئلة تتعلق بانتظام عمل المؤسسات، والعقد الإجتماعي، وموقع لبنان الجيوسياسي وتأثيراته السلبية والإيجابية، إلخ. لا يوجد نظام سياسي مكتمل الإيجابيات، ولا كُلّي السلبيات، بل نظام سياسي يكون الأفضل لبلد وشعبه وفق شروط جغرافية وسياسية وإقتصادية وتركيبة اجتماعية وديموغرافية.

أما الشيطنة التي تحصل من قبل القوى السياسية اللبنانية لهذا المشروع أو ذلك، فهي شيطنة سياسية، لأن هذه المشاريع تُطرح في سياق سلبي، وكمادة للإبتزاز السياسي وتهديد لوجود ودور الآخر، بدل أن تكون مادة لإغناء النقاش بمقارباتٍ إيجابية مُطمئنة لكل فئات المجتمع اللبناني، وتصب في المصلحة الوطنية العامة.

للأسف، إن تطوير أو تغيير النظام السياسي في لبنان لم يحصل إلا تحت النار وفوق الجثث. وتفرضه معادلة الغالب والمغلوب. التغيير يحصل وفقاً لغريزة المنتصر وليس وفقاً لعقل المصلحة العامة الجامعة. اليوم في لبنان هناك فئة لبنانية مسلحة، أي "حزب الله"، وفائض قوة تشعر به هذه الفئة، مقابل قلق وجودي تعيشه الفئات الأخرى. حتى الفئات المتحالفة مع "حزب الله"، هي في أغلب الأحيان تهمس بهذا القلق الوجودي في الغرف المغلقة فقط، وذلك حفاظاً على مكتسبات يؤمنها لها "الحزب". لكنها تُخرج هذا القلق الوجودي إلى العلن حين تتهدد هذه المكتسبات. في ظل الواقع الحالي، إن أي تغيير أو تطوير في النظام سوف يكون وفقاً لغريزة "حزب الله" المنتصر والأقوى، وليس وفقاً لعقل المصلحة اللبنانية الجامعة. وكل تغيير وفق هذه المعادلة، لن يقودنا إلى الإستقرار، بل إلى هدنة موقتة تؤسس لنزاع جديد، أي إلى حين تتمكن فئة أخرى من اللبنانيين من تعزيز قدراتها والإستقواء على الفئات الأخرى... ويتكرر المشهد، وتتكرر المآسي. لا نستطيع أن نقول إلا حمى الله لبنان واللبنانيين من غرائز هذا الطرف وذلك، وثبت عقول المسؤولين لما فيه مصلحة اللبنانيين فقط... الناس جوعانة!!