طارق عينترازي

فزاعة المشروع الأميركي للمنطقة

31 أيار 2020

15 : 01



يردّد السيد حسن نصرالله دائماً مقولة أن هزيمة المشروع الأميركي ونهاية سيطرة أميركا على بترول المنطقة باتت قريبة. الوقائع تشير إلى أن المشروع الأميركي للمنطقة أنهته حكومة الولايات المتحدة بلا جميلتنا!

كل المرشحين للرئاسة الأميركية منذ انتخاب بوش الإبن تباروا باقتراحات الانسحاب من الشرق الاوسط و حروبه وصراعاته الأزلية. تأخر هذا المشروع بسبب هجمات 11 سيتمر ولكن بقيت المؤسسة السياسية الأميركية مصممة على الانسحاب من العالم وانهاء آخر مفاعيل اتفاقية بيرتون وودز. فجميع مراكز الأبحاث والتحليل الاستراتيجي الأميركية تؤكد ان أولوية أميركا اليوم هي رفاهية شعبها وحل مشكلة البطالة والفقر وتدهور مستوى التعليم ونظام الرعاية الصحية.

باراك أوباما أراد الانسحاب من الشرق الأوسط وتم هذا الانسحاب واتى الإتفاق النووي مع ايران ضمن هذا السياق. دونالد ترامب انتخب بناءً على وعدِ انهاء حروب أميركا في الشرق الأوسط ووقف النزيف المالي الذي تُسببه. وقد وفى ترامب بوعوده الانتخابية في هذا الأطار. فقلّص عديد وزارة الخارجية الأميركية بشكل كبير (البعض يقدره ب خمسين بالمئة) وانسحبت أميركا من معاهدة نافتا مع كندا والمكسيك (لاحقاً تم التوصل الى معاهدة جديدة) كما انسحبت من اتفاقية دول المحيط الباسيفيكي ومن اتفاقية التجارة مع الاتحاد الأوروبي ومن معاهدة باريس للتقليل من الانبعاث الحراري ومن منظمة الأونيسكو. ومؤخراً علق ترامب عضوية أميركا بمنظمة الصحة الدولية وأوقف تمويلها حتى مراجعة خطة عمل هذه الوكالة.

أما بخصوص بترول المنطقة. سوق الطاقة العالمي تغير كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية من ناحية العرض والطلب، فمن ناحية العرض النفط الصخري أعطى الولايات المتحدة الأميركية كميات لا متناهية من البترول فارتفع إنتاجها من حوالي ستة ملايين براميل يومياً عام 2012 الى حوالي ال 11 مليون برميل يومياً نهاية العام الماضي حسب تقارير وكالة الطاقة الدولية. وتشير بعض الإحصائيات إلى ان إنتاج الولايات المتحدة اليومي وصل الى حدود الخمسة عشر مليون برميل يومياً خلال فبراير و مارس من السنة الجارية. أي أنها المنتج الاول في العالم وهو ما يفسر مسارعة الرئيس ترامب الى التدخل شخصياً لدفع السعودية وروسيا والمكسيك لخفض الإنتاج ووقف تدهور اسعار النفط. من ناحية الطلب على البترول، فإن تكنولوجيا الطاقة المتجدّدة والسيارات الكهربائية وتقنيات توفير الطاقة مكنت أميركا من تقليص استهلاكها اليومي للطاقة بما يعادل المليون برميل يومياً خلال السنوات الستة الماضية بالرغم من فترة متواصلة وغير مسبوقة في التاريخ من النمو الاقتصادي امتدت لعشر سنوات. بناءً على ذلك وللمرة الأولى منذ عام 1973 رفعت أميركاا الحظر عن تصدير البترول ومشتقاته.

للاطلاع على تفكير المؤسسة السياسية الأميركية بحزبها الديمقراطي أنصح بمراجعة مقالة الصحافي جيفري غولدبرغ التي نشرتها الاتلانتيك ( The Atlantic ) في شباط عام 2016 تحت عنوان عقيدة أوباما Obama Doctrine)) وفيها لخص أوباما نظرته الاستراتيجية لدول ومناطق العالم. قال أوباما صراحةً ان التركيز الأميركي يجب ان يكون على الصين والمحيط الباسيفيكي وان لا مشروع أميركي للشرق الأوسط الذي من المنطق ان يتقاسم النفوذ فيه السنة العرب مع إيران وإسرائيل وتركيا. كما ان تفكير الحزب الجمهوري تعبر عنه سياسة ترامب والعديد من الكتب القيمة التي تستشرف مستقبل الصراعات ومناطق النفوذ حول العالم. على سبيل المثال لا الحصر، انصح بقراءة كتاب "القوة العظمى الغائبة" للكاتب بيتر زيهان وكتاب "هدوء ما قبل العاصفة" للكاتب جورج فريدمان اللذين يقدمان مطالعات ممتازة كل من مقاربة مختلفة للموضوع. زيهان ينطلق في تحليله من معطيات الطاقة والنفط الصخري وقوة أميركا الذاتية وعدم حاجتها للتدخل في مشاكل العالم القديم وتعقيداته ثم يتوسع ليحلل سيناريوهات الاحداث في كل منطقة على حدة. أما فريدمان فيحلل وقائع الداخل الأميركي وحقبات التعامل الأميركي مع العالم الخارجي وينتهي الى توقع انسحاب أميركا من مشاكل العالم وصراعاته للتركيز على أمورها الداخلية.

في المحصلة، أميركا مهتمة باستيعاب الصين وتخفيض عجزها التجاري معها وإعادة ترحيل الصناعة الى ولايات الوسط الاميريكي او ما يعرف بحزام الصدأ (Rust belt states ). يعني ببساطة لا "الأميركي قارينا ولا حاططنا بحساباته" ولولا إلحاق العهد القوي لنا بالمشروع الإيراني المعادي للعرب استراتيجياً ولأميركا وإسرائيل تكتيكياً لما تعرضت المصارف اللبنانية للعقوبات الأميركية. لذلك فإن إدعاء البعض أننا في صراع مع مشروع أميركي وطمع أميركا بنفط المنطقة هو طرح ايراني شعبوي لا يستند إلى اي وقائع واحصائيات علمية وهو تضليل للجماهير التي لا تملك المعرفة او القدرة على التحقق من المعلومات.

لبنان في ورطة قد تدمر مستقبل أجيال عديدة مقبلة وليس لنا ترف استجلاب المشاكل لذلك يجب التواضع والتفتيش عن الايجابيات وعن حل مشاكلنا الداخلية التي ضجر منها القريب والبعيد وسخر منها العدو ويئس منها الشعب الفقير.



MISS 3