محمد دهشة

"إزرع في صيدا" مبادرة شبابية لمواجهة الجوع... ومشروع "نأكل ممّا نزرع" في الشرحبيل

1 حزيران 2020

02 : 00

أبناء صيدا يلتزمون بارتداء الكمّامة

يُمزّق الجوع الأمعاء الخاوية بعدما نفض الغلاء وارتفاع الاسعار الجيوب الفارغة. لم يترك الفقر المُدقع الذي يطرق أبواب المنازل في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، خياراً امام أبناء صيدا إلا إطلاق مبادرة شبابية للزراعة في أي مساحة في المدينة، على أسطح المنازل والشرفات، وفي الحدائق، مهما كان حجمها وما تبقّى من أراض.

ولا تنفصل مبادرة الزراعة عن تحرّكات أبناء صيدا وناشطيها لمواجهة ما آلت اليه الأوضاع المعيشية الصعبة، ثم جاءت جائحة "كورونا" لتزيد من حدّتها، من دون أن تلوح في الأفق حلول قريبة، وتأتي استكمالاً للتكافل الاجتماعي الذي تشتهر به المدينة، وخصوصاً خلال شهر رمضان المبارك، وللتحرّكات الاحتجاجية في الساحات والأحياء، والاعتصامات والمسيرات المطالبة بوضع خطة اقتصادية لوقف الإنهيار والغلاء وتأمين حياة حرّة كريمة، بعيداً من ذلّ السؤال والهجرة.

الأمن الغذائي

"إزرع في صيدا"، مبادرة جديدة أطلقتها "مجموعة شباب صيدا"، التي تضمّ عشرات الناشطين الذين شاركوا في التحرّكات الاحتجاجية منذ اندلاع ثورة تشرين الأول، وساهموا في تخفيف تداعيات الأزمة المعيشية عبر توزيع المساعدات والوجبات اليومية للعائلات الفقيرة والمتعفّفة، وفي مواجهة "كورونا"، من خلال تأسيس فريق طبي ساهم في التوعية وقدّم الخدمات الطبية وفق الإمكانيات المادية.

ويقول الناشط في المجموعة أيمن الدح لـ"نداء الوطن" إن "الفكرة انطلقت من محاكاة الأزمة المعيشية الخانقة والتوقّعات بطول أمدها واشتدادها في المرحلة المقبلة لتبلغ الذروة"، مضيفاً "كثر لم يعودوا قادرين على تأمين لقمة العيش، فجاءت المبادرة بالرغم مما يعتريها من عقبات في المدينة لجهة قلّة المساحات، لتشجيع أبنائها على الزراعة، والمساهمة بشكل او بآخر في تخفيف المعاناة، عبر تأمين المواطن قوت يومه على الأقل، وهناك زراعات سهلة وبسيطة يمكن أن تكون طعاماً صحياً"، موضحاً "اننا في طور تسويق المبادرة وتجميع القدرات كي نعمّم الخبرات وطريقة استصلاح الأراضي وزراعتها بأفضل طريقة، تماماً كما فعلنا في جائحة "كورونا"، حيث أطلقنا مبادرة، وأسّسنا فريقاً طبياً استطاع، بحمد الله، تقديم التوعية والخدمات الصحية اللازمة، واليوم نكرّر التجربة، والحمد لله، لاقت المبادرة تجاوباً كبيراً، وبدأ البعض يُجهّز ما لديه من مساحات للزراعة"، مُتوقّعاً أن تكون الخطوة متقدّمة، وتهدف الى تحقيق الامن الغذائي وتخفيف الأعباء المعيشية عن كاهل العائلات الأكثر فقراً"، مشيراً الى أن المشروع يحتاج الى مواد بسيطة، كلفتها قليلة: أنابيب عريضة، او أوانٍ وتراب، بعض الأسمدة، المياه، الهواء والشمس، حيث تزرع فيها (خيار، بندورة، باذنجان، كوسا، فاصوليا، لوبية، فليفلة حلوة وغيرها)، وخلال اسابيع قليلة يبدأ النبات بالنمو ثم الإنتاج، وصولاً الى الأكل أو البيع".

"نأكل مما نزرع"

وعلى بُعد مئات الأمتار من المدينة، تنتظر منطقة الشرحبيل – بقسطا، إطلاق مشروع "نأكل ممّا نزرع"، الذي طرحته "الجماعة الاسلامية" على رئيس بلدية بقسطا ابراهيم مزهر، كخيار لمواجهة الأزمة المعيشية، خصوصاً وان المنطقة تشتهر بمساحات جيّدة من الاراضي. قطع المشروع اشواطاً كبيرة بعد لقاءات مشتركة بين الطرفين، ويهدف إلى إستصلاح الأراضي الخاصة بالبلدية وزراعتها بالخضار الموسمية، لتكون بمتناول أهالي المنطقة بأسعار رمزية.

المشروع لاقى استحسان مزهر وتشجيعه، وأكد استعداد بلدية بقسطا للتعاون لإنجاح المبادرة لما فيه خير المنطقة وأهلها"، قائلاً "إن بلدية بقسطا ستخصّص أرضاً تبلغ مساحتها سبعة آلاف متر مربع كخطوة أولى، لإطلاق المرحلة الأولى من المشروع، وستؤمّن كافة الإحتياجات لتسهيل الإنطلاقة"، مضيفاً "لطالما كانت بلدية بقسطا حاضنة لكافة مبادرات المجتمع المدني، وهي تؤمن بالتكامل ما بين الطرفين لما فيه مصلحة المجتمع".

ويحمل المشروع أبعاداً اكثر من كونه زراعياً ويُكرّس التكافل الإجتماعي، اذ يؤكد على تلاقي المدينة مع الشرحبيل – بقسطا، وعلى أن الجوع والفقر لا يميزان بين لون وطائفة ومذهب، حيث يقول ممثل "الجماعة الاسلامية" شادي جمعة "إن هذا المشروع يهدف ايضاً إلى التعاون ما بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، واستغلال الإمكانيات المتاحة للتخفيف عن كاهل المواطن"، وأعلن "أن الجماعة اطلقت مشروعها الزراعي من منطقة بقسطا للمساهمة في مواجهة التحديات الإقتصادية الصعبة التي يمّر بها لبنان، لا سيما مع انتشار جائحة "كورونا"، والأزمة الاقتصادية والغلاء وارتفاع الاسعار وسعر صرف الدولار، والذي أثّر سلباً على القيمة الشرائية للمواطن".

تجربة سابقة

يُذكر أن تجربة الزراعة ليست الأولى في المنطقة، اذ شهد مخيم عين الحلوة منذ سنوات تنامي هذه الظاهرة على أسطح المنازل تحت شعار "الزراعة البديلة" عن الأرض، بسبب غياب المساحات الخضراء، وتلاصق المنازل، بهدف سدّ رمق العائلات الفقيرة، على حدّ قول كبار السنّ "البحصة بتسند خابية"، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتراجع مستوى الدخل وازدياد البطالة، واستمرار حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المدنية والاجتماعية والانسانية وتراجع خدمات وكالة "الأونروا".

كمّامة وتأقلم

صيداوياً، ومع عودة الحياة تدريجياً الى طبيعتها، عكس التزام أبناء المدينة بارتداء الكمّامة بوضوح، رغبة حاسمة في التأقلم مع الواقع المستجد نتيجة "كورونا"، والقبول بهذا الدخيل الثقيل بأنفاسه الى حياتهم، بأشكاله وأحجامه وألوانه المختلفة، بعدما فرضت الدولة غرامة خمسين ألف ليرة على كل من لا يرتديها خلال تنقّله خارج منزله، أو في أي مرفق عام.

وحيثما جلت في اسواق صيدا سواء التجارية او الشعبية، تُلاحظ التزاماً تاماً بارتداء الكمّامة، سواء من المتسوّقين والمتنقّلين في السوق او من اصحاب المؤسسات التجارية والباعة المتجولين او المهنيين والحرفيين، كباراً وصغاراً رجالاً ونساء، شباباً وعجائز، موظّفين او عاملين في مهن حرّة، الكلّ يتحصّن خلف كمّامة، احتماء من "كورونا" ومن غرامة مخالفة قرار إلزامية ارتدائها.


MISS 3