بن لينفيلد

العنف والطرد بحقّ الفلسطينيين...إستمرار الإعتداءات والبلطجة

11 تشرين الثاني 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

عبارات الانستنكار على بيوت الضفة الغربية | تشرين الأول ٢٠٢٣

في ظل تحوّل أنظار المجتمع الدولي إلى قطاع غزة، بدأ المستوطنون اليهود المدعومون من الجنود الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة يكثّفون حملتهم لتهجير الجماعات الفلسطينية الهشة في إطار أكبر موجة ترحيل منذ عقود، برأي السكان وجماعات حقوق الإنسان.



يقول درور إيتكس، مدير ومؤسس مجموعة مراقبة الاستيطان «كيرم نافوت»، إن المستوطنين يستعملون الحرب كغطاء لتحركاتهم «لمحاولة إعادة رسم خارطة الضفة الغربية الديمغرافية»، منذ هجوم «حماس» ضد إسرائيل في 7 تشرين الأول.

تهدف هذه الحملة إلى طرد الفلسطينيين من المنطقة «ج» الريفية في معظمها داخل الأراضي المحتلة، علماً أن المجتمع الدولي يعتبرها محور أي دولة فلسطينية مستقبلية. يحاول المستوطنون تجميع هؤلاء السكان في المنطقة «أ» التي تشمل المراكز الحضرية الأساسية. (كانت تصنيفات المنطقة هذه جزءاً من اتفاقيات سلام مؤقتة بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال التسعينات).





قد لا تكون محاولات الضغط على بعض الفلسطينيين لمغادرة المنطقة «ج» جديدة، لكن يظن إيتكس أن بعض المستوطنين اليهود والمسؤولين الإسرائيليين يعتبرون الحرب بين إسرائيل و»حماس» فرصة مناسبة لتوسيع نطاق هذه المبادرة عبر تكثيف أعمال العنف وترهيب الفلسطينيين.

أنكر عدد من المسؤولين الإسرائيليين هذا الادعاء خلال مقابلات عدة، بما في ذلك موشيه سولومون، نائب المتحدث باسم الكنيست من الحزب الصهيوني الديني المؤيد للاستيطان.

تكاثرت الدعوات إلى طرد الفلسطينيين جماعياً من منازلهم في الضفة الغربية وغزة منذ بدء الحرب مع «حماس» قبل شهر، وتشير جماعات حقوق الإنسان إلى محاولات لجعل حملة الترحيل جزءاً من الخطاب الإسرائيلي.

في مثال واضح على ما يحصل، اقترحت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية ترحيل الفلسطينيين جماعياً من قطاع غزة إلى مصر، كجزءٍ من وثيقة تُعدّد خيارات الحرب. لا تستطيع الوزارة فرض قراراتها على السياسة الاستخبارية أو وكالات حكومية أخرى، ولا شيء يشير إلى مناقشة تلك الخيارات في منتديات حكومية رفيعة المستوى. لكنّ وجود هذه الوثيقة يعكس على ما يبدو منطق التفكير الذي يحمله بعض أعضاء الحكومة على الأقل.

في الوقت نفسه، بدأ المشرّعون المتشددون يؤيدون فكرة الترحيل الجماعي، منهم أرييل كالنر من حزب «الليكود» الحاكم. في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، دعا كالنر إلى تكرار نسخة أكثر وحشية من النكبة التي شهدت تهجير حوالى 700 ألف فلسطيني من منازلهم بين العامين 1947 و1949.

تخشى جماعات حقوق الإنسان أن يسهم هذا الخطاب في تشريع أعمال العنف ضد المدنيين الفلسطينيين. تصاعدت اعتداءات المستوطنين بدرجة هائلة خلال الحرب، بمعدل يتراوح بين ثلاثة وسبعة اعتداءات يومياً، وفق معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. كذلك، يشير المصدر نفسه إلى تورط الجيش الإسرائيلي في أعمال العنف المستمرة ومشاركة قوات الأمن في نصف اعتداءات المستوطنين تقريباً أو مرافقتها لها.

في منطقة التهجير الأساسية حتى الآن، في تلال جنوب الخليل، يقول الناشطون الفلسطينيون والإسرائيليون إن المستوطنين يقتحمون المنازل، ويضربون المدنيين، ويطلقون النار من أسلحتهم، ويقطعون التيار الكهربائي، ويقفلون الطرقات، وينشرون الإنذارات التي تدعو الناس إلى الرحيل أو التعرّض للقتل. حتى أن الناشطين الإسرائيليين والفلسطينيين صوّروا جزءاً من عنف المستوطنين.

يقول المتحدث باسم مكتب الجيش الإسرائيلي إن الجنود تلقوا أوامر بمنع أي انتهاكات ضد الفلسطينيين وأكدوا معاقبة من لا يلتزم بهذا القرار. كان سولومون، نائب المتحدث باسم الكنيست، يرأس لجنة فرعية في الضفة الغربية حتى الأسبوع الماضي، وقد ثار غضباً حين سُئِل عن تورط الجنود والمستوطنين بأعمال عنف ضد المدنيين الفلسطينيين، فقال: «إنها ممارسات غوغائية تهدف إلى تغيير الوضع رأساً على عقب. يطرح الفلسطينيون تهديداً دائماً على الإسرائيليين المقيمين في الضفة الغربية، فتتكرر حوادث إطلاق النار وأنواع أخرى من العنف».

بدأ الوضع يتفاقم تزامناً مع انتشار مشاعر الصدمة والغضب وسط الإسرائيليين بسبب غزو «حماس» للمناطق التي تحدّ غزة في 7 تشرين الأول. بالإضافة إلى قتل المدنيين والجنود جماعياً والأعمال الوحشية التي رافقت تلك الحملة، أعادت الحركة معها أكثر من 200 رهينة إلى غزة، منهم أطفال وكبار في السن. كان ذلك اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل. لكنّ الضربات الإسرائيلية المدمّرة ضد غزة وحصيلة القتلى المدنيين المترتبة عنها فجّرت غضب الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضاً.

أصبح اندثار الجماعات الفلسطينية على قمم التلال وفي وديان تلال جنوب الخليل واضحاً اليوم، فقد باتت تلك المساحات خالية وهي تقتصر على بعض الهياكل المتداعية. منذ 7 تشرين الأول، أُخليت 15 منطقة في تلال جنوب الخليل، وغور الأردن، ومناطق الرعي في شرق رام الله، حيث تقيم 133 عائلة، وتتعرض أعداد إضافية لتهديدات متواصلة من المستوطنين، وفق منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسيلم». طرحت هذه المنظمة تقريراً مفصلاً عن أعمال العنف والتهديدات التي يتعرض لها الناس في كل منطقة. هرب معظم السكان إلى قرى أو بلدات أكبر حجماً.

يوم السبت الماضي في تلال جنوب الخليل، بدا النازح عيسى أبو الكباش (77 عاماً)، وهو رجل ملتحٍ ومصاب بمرض في القلب، في حالة ذهول حين نظر عبر الوادي نحو المنزل الذي اضطر لمغادرته في 13 تشرين الأول، في منطقة خربة الرضيم التي تشمل 50 مقيماً في غرب المستوطنة اليهودية «عسائيل».

يقول أبو الكباش: «بعد بدء الحرب، منعنا المستوطنون من إخراج أغنامنا من القرية. هم طردوا جيراننا في البداية وهددوهم ودمروا شاحنة القمح التي يملكونها. هرب جاري من المنطقة ثم دمروا منزله في صباح اليوم التالي. ثم حضروا إلى منزلي وضربوني أنا أيضاً».

أضاف أبو الكباش أن أحد المستوطنين ضربه على رأسه ومعدته بمسدسه. هو رفع ثوبه ليكشف عن كدمة بنفسجية كبيرة على مستوى معدته: «أمضيتُ حياتي كلها في هذا المكان. كانت هذه المنطقة هادئة. لم يسبق أن واجهنا المشاكل هنا. اضطر أولادي لبيع قطيع الغنم بأقل من سعر السوق لأن المنطقة التي انتقلوا إليها تفتقر إلى المراعي».

حين كان أبو الكباش يتكلم، وصل جنود إسرائيليون إلى المكان وأوقفوا المقابلة واعتقلوه مع أشخاص آخرين، منهم أربعة صحافيين وناشط إسرائيلي.

قال أحد الجنود: «يجب أن يخاف الفلسطينيون، وإلا سيقتلوننا. هذا الرجل المسنّ أيضاً سيقتلنا إذا سنحت له الفرصة. نحن نخوض الحرب للحفاظ على حياتنا». ثم وصلت الشرطة خلال 30 دقيقة وأمرت الجنود بإطلاق سراح الجميع. امتنع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على تهجير أبو الكباش.

بعد انتقال عدد كبير من الجنود من الضفة الغربية إلى غزة وجبهات شمالية من الصراع، دعا الجيش الإسرائيلي المستوطنين المحليين إلى تشكيل فِرَق استجابة سريعة في مناطقهم الخاصة. تعتبر جماعات حقوق الإنسان هذا العامل من الأسباب الأساسية لتصاعد أعمال العنف ضد المدنيين الفلسطينيين.

لكن يعتبر يوشاي دامري، رئيس المجلس الإقليمي في جبل الخليل، ذلك الادعاء «سخيفاً». هو يؤكد على عدم قيام المستوطنين بأي تحرك، إذ يبقى 99.9% منهم سلميين بحسب قوله.

حين سُئِل دامري عن أسباب هرب هذا العدد من الفلسطينيين، قال إنه لا يعرف سبب رحيلهم واعتبر الادعاء القائل إن المستوطنين يحاولون نقل الفلسطينيين بالقوة من المنطقة «ج» إلى المنطقة «أ» كلاماً «سخيفاً ومعادياً للسامية».

لكن يكشف الفلسطينيون والفيديوات المتداولة قصة مختلفة بالكامل. يقول حافظ الهريني من قرية التواني التي تشكّل بوابة نحو تلال جنوب الخليل (يسمّيها الفلسطينيون مسافر يطا): «زاد الوضع تعقيداً على جميع المستويات لأن الميليشيات الاستيطانية استفادت من الحرب لتكثيف تحركاتها. أصبحت بلدتا التواني ومسافر يطا تحت الحصار».

لكن تبدو حملات التهجير بسيطة مقارنةً بالكارثة الإنسانية التي تشهدها غزة، حيث قُتِل حتى 10 آلاف فلسطيني خلال الشهر الماضي، وفق أرقام الأطباء في غزة. في الأسبوع الماضي، دعت 30 جماعة إسرائيلية تُعنى بحقوق الإنسان، في بيان مشترك، إلى مراقبة موجات تهجير الفلسطينيين المستمرة في الضفة الغربية عن قرب.

يقول يهودا شاؤول، مدير مركز «أوفيك» الإسرائيلي للشؤون العامة: «في ظل غياب أي ضغوط دولية قوية لتهدئة الأوضاع، لا مفر من أن تتسارع هذه الحملة».

على صعيد آخر، عبّر جنرال إسرائيلي متقاعد ومسؤول دفاعي سابق عن قلقه من تصاعد أعمال العنف التي يرتبكها المستوطنون. يقول عاموس جلعاد، الرئيس السابق للدائرة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية: «لا بد من كبح ما يحصل. هذه الظاهرة تسيء إلى الأمن، وهي غير مقبولة ويجب معالجتها».

لكن يستبعد مناحيم كلاين، أستاذ فخري في العلوم السياسية في جامعة «بار إيلان»، اتخاذ أي خطوات جدّية ضد المستوطنين، فيقول: «تمثّل حركة المستوطنين المؤسسات الرسمية في إسرائيل اليوم. لا فرق بين قيادة المستوطنين والحكومة، ما يعني أن العنف يعكس رغبة الحكومة».