ديموثي ماكلولين

نهاية هونغ كونغ؟

4 حزيران 2020

المصدر: The Atlantic

02 : 00

على مر شهر نيسان الماضي وصولاً إلى أيار الحالي، فيما كان معظم العالم منشغلاً بتصاعد حصيلة ضحايا فيروس كورونا، لم يمر يوم واحد في هونغ كونغ من دون صدور أخبار عن اعتقال الناشطين وشجار بين المشرّعين وتصريحات متفجرة من المسؤولين. لقد انهارت المعايير القائمة منذ وقت طويل بسرعة هائلة. في تلك الفترة، كانت بكين تنفّذ تحركات عدائية في أنحاء آسيا. اصطدمت سفينة صينية بسفينة فيتنامية في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، فأغرقتها. ومقابل ساحل ماليزيا، داخل المنطقة الاقتصادية الحصرية، بدأت سفينة بحثية صينية عملياتها الاستكشافية بالقرب من منصة نفط ماليزية، وقد رافقها خفر السواحل وسفن صيد. أدت المواجهة اللاحقة إلى تدخّل سفن حربية من الولايات المتحدة وأستراليا، ومن الصين أيضاً. ثم أعلنت بكين أنها شكّلت وحدتَين إداريتَين في الجزر التي تطالب بها فيتنام في بحر الصين الجنوبي. كذلك، ردّ المسؤولون الصينيون بغضبٍ متوقع على تايوان التي حصدت إشادة واسعة بعد نجاحها في التعامل مع فيروس كورونا وبدأت تُكثّف مساعيها للاعتراف بها دولياً.

أُعيقت تلك الخطوات هذا الأسبوع، حين أعلن "المؤتمر الشعبي الوطني" الصيني أنه سيفرض قوانين واسعة النطاق حول الأمن القومي في هونغ كونغ رداً على الاحتجاجات المنادية بالديموقراطية في السنة الماضية. تحايلت بكين بهذه الطريقة على المسار التشريعي المستقل في المدينة وبدأت تفكك إطار "بلد واحد بنظامين" الذي يرتكز عليه نظام الحكم في هونغ كونغ، فرسّخت بذلك تحولاً جوهرياً في حريات المدينة وقوانينها وطريقة الاعتراف بها دولياً.

صدر ذلك الإعلان في وقت متأخر من عشية يوم الخميس الماضي، فصدم المشرّعين والدبلوماسيين المؤيدين للديموقراطية وعدداً كبيراً من سكان المدينة (7.4 ملايين نسمة)، فاستيقظوا يوم الجمعة وهم يتساءلون عن مستقبل هونغ كونغ. في الوقت نفسه، انهارت البورصة وزاد الاهتمام بالشبكات الخاصة الافتراضية، وتساءل سكان هونغ كونغ عن بدء العام 2047 قبل عقدين من الموعد الأصلي، فهو التاريخ الذي يُفترض أن تسترجع فيه الصين كامل سيطرتها على المدينة. تقول تانيا تشان، المسؤولة عن المعسكر المنادي بالديموقراطية في الهيئة التشريعية المحلية: "قلبي انفطر فعلاً. الليلة الماضية شكّلت انتكاسة حقيقية".

رغم جمود معظم أنحاء العالم بسبب وباء كورونا المستجد، من الواضح أن طموحات الصين الإقليمية والضغينة التي تحملها تجاه الآخرين لم تتبدل. أقدمت بكين على تصرفات استفزازية، مع شكلٍ من الحملة الدعائية والديبلوماسية الطبية، ففرضت أجندتها رغم الأزمة الصحية المتفاقمة. يقول غريغ بولينغ، مسؤول بارز في برنامج جنوب شرق آسيا في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في العاصمة واشنطن: "هذا النهج مألوف في بحر الصين الجنوبي تجاه تايون. وهو نهج مألوف خلال وباء يلومها عليه جزء من الناس. لذا يبدو هذا السلوك فاضحاً بدرجة إضافية".

نشرت الصين بهذا السلوك غير المرحّب فيه أجواءً من القلق فيما تتجه في هونغ كونغ إلى فرض إرادتها بالطرق القانونية. صحيح أن بكين فشلت في تمرير قانون عن طريق حلفائها في هونغ كونغ لتسليم المطلوبين إلى بر الصين الرئيسي، لكنها ستفرض قانونها هناك مباشرةً عبر تشريع جديد في مجال الأمن القومي: هو يستهدف "النشاطات الانفصالية أو التخريبية" و"التدخل الخارجي"، تزامناً مع تسهيل عمليات قوى الأمن الصينية في المدينة التي تُعتبر جزءاً من الصين لكنها حافظت على قوانينها ومحاكمها وشرطتها الخاصة. هذا التشريع سيمنح بكين أداة جديدة لقمع المحتجين والمعارضين ونشر مناهج تعليمية تشيد بنجاحات الحزب الشيوعي.

رغم السياسة الصينية المبنية على خليط من القوة الناعمة والصلبة، سعت بكين إلى تهدئة الانتقادات التي تعرضت لها على خلفية ردها الأولي على انتشار فيروس كورونا عبر تقديم المساعدات إلى بلدان أخرى، لكنها تمسّكت في الوقت نفسه بمطالبها الإقليمية والقانونية والسياسية وعززت قوتها العسكرية والديبلوماسية. في المقابل، لم ترحّب بلدان المنطقة بمناوراتها العدائية.





دفع غرق السفينة الفيتنامية بالمسؤولين في هانوي مثلاً إلى إصدار احتجاج رسمي ضد الصين، لكن تقول هونغ لي ثو، محللة بارزة في "معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي"، إن قادة فيتنام ما عادوا مقتنعين بأن هذا النوع من الردود كافٍ: "من الواضح أن بكين تسعى إلى الاستفادة القصوى من الظروف الراهنة، فيما ينشغل الكثيرون بمسائل أخرى". مجدداً، تزيد التحركات الصينية احتمال أن ترفع فيتنام دعوى قضائية ضدها في محاولةٍ منها لمحاسبة الصين. (التحديات القانونية الناجحة ضد الاعتداءات الصينية البحرية ليست جديدة: في العام 2013، قدّمت الفيليبين شكوى ضد مطالب بكين التوسعية بفرض سيادتها على بحر الصين الجنوبي. وبعد مرور ثلاث سنوات، حققت مانيلا انتصاراً حين أصدرت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي حكماً يصبّ في مصلحتها. لكن كان رودريغو دوتيرتي الذي يتعامل بطريقة ودّية مع الصين رئيس البلد المُنتخَب حينها).

بالإضافة إلى تحركات الصين العدائية، انعكست رسائلها سلباً على الرأي العام فتراوحت بين مبادرات ودّية غير مدروسة وتصريحات مشبوهة. كانت معظم تلك المواقف جزءاً من ديبلوماسية "الذئب المحارب"، حيث لجأ عشرات الديبلوماسيين والمتحدثين الصينيين إلى مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها تويتر، لاستهداف المنتقدين ونشر معلومات مغلوطة. يقول بولينغ: "في معظم الأماكن، لا يطلق المسؤولون الصينيون أي محاولة لتهدئة الأوضاع أو إصدار مواقف تصالحية".

كانت محاولات ادعاء اللطف فاشلة أيضاً وأكثر إحراجاً في الأوساط العامة. في شهر نيسان الماضي، حين كانت معظم مناطق الفيليبين تحت الحجر الصحي، أصدرت السفارة الصينية في مانيلا أغنية مصوّرة للتأكيد على العلاقات الودية بين البلدان المتجاورة حول بحر الصين الجنوبي. لكن تعرضت الأغنية لانتقادات لاذعة، نتيجة أسابيع من الحجر الممل على الأرجح، فعمد مستخدمو الإنترنت إلى السخرية منها.

يقول أنطونيو كاربيو، قاضٍ سابق في المحكمة العليا تقاعد في السنة الماضية ولا يتوانى عن انتقاد استفزازات الصين: "طالما تصرّ بكين على المطالبة بالمساحات البحرية الفيليبينية، لا يمكن أن تتوقع من الشعب الفيليبيني أن يثق بها. سيعتبرها الناس دوماً الدولة التي سرقت ما يعود قانوناً إلى الشعب الفيليبيني عن طريق الخداع والترهيب والقوة".

على صعيد آخر، ساهم وباء كورونا في تسريع التعاون بين الحزبَين الجمهوري والديموقراطي في واشنطن لوضع مقاربة أكثر عدائية تجاه الصين. لطالما أعلنت الإدارات المتلاحقة عن ضرورة زيادة التركيز على مواجهة الصين، لا سيما في مجال الدفاع. في هذه الحالة، قد تصبح عدائية الصين المتواصلة وإخفاقاتها الديبلوماسية وتعاملها السيئ مع الفيروس في المراحل الأولى فرصة كي تعيد الولايات المتحدة فرض نفسها، لكنّ التحركات الأميركية حصدت ردود أفعال متفاوتة في المنطقة.

حين أرسلت الولايات المتحدة سفناً إلى ماليزيا للتصدي لسفينة المسح الصينية، يقول شهرمان لوكمان، محلل بارز في "معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية" في ماليزيا، إن كوالالمبور ترددت في موقفها. يظن البعض أن وصول السفن الأميركية أشعل الوضع، ما دفع بكين إلى تصعيد تحركاتها. يوضح لوكمان: "لا تفكر الولايات المتحدة بالأضرار التي تسببها للآخرين رغم نواياها الحسنة". ماليزيا ليست المكان الوحيد الذي لا يرحّب بالجيش الأميركي: هذه السنة، أعلن رئيس الفيليبين رودريغو دوتيرتي عن إبطال "اتفاقية القوات الزائرة" بين الفيليبين والولايات المتحدة، وهي معاهدة قائمة منذ عشرين سنة لتناوب القوات.

فارق التوقيت بين الولايات المتحدة ومعظم بلدان آسيا يعني أن مواقف ترامب المتفجرة تحتل الأيام كلها. تُذاع مؤتمراته الصحافية المتخبطة والمليئة بالمعلومات الخاطئة في فترة الصباح في آسيا، ثم يبدأ بحلول المساء بإطلاق تغريداته العدائية المعروفة التي يصعب فهمها. يقول آرون كونيلي، باحث في التغيرات السياسية والسياسات الخارجية في جنوب شرق آسيا في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في سنغافورة: "يشعر الناس بالصدمة بسبب غياب التماسك في ردود الولايات المتحدة، وهذا الوضع يؤثر على وقائع أخرى كثيرة".

أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مكالمة حديثة مع قادة جنوب شرق آسيا أن بكين "بدأت تستفيد من الظروف التي أنشأها الوباء". حتى أنه ذكر نتائج تقرير جديد صادر عن مركز "ستيمسون" في واشنطن، مفاده أن السدود الصينية التي تمر بعدد من بلدان جنوب شرق آسيا على نهر "ميكونغ" تسبب جفافاً حاداً في مصب النهر. لكنّ محاولات بومبيو إجبار قادة جنوب شرق آسيا على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين لم تحقق هدفها. من خلال تصوير الوضع وكأنه منافسة تفرض على البلدان الانحياز إلى طرف دون سواه، انعكست هذه الظروف سلباً على جنوب شرق آسيا.

في هونغ كونغ، صرّحت تانيا تشان، المُشرّعة المؤيدة للديموقراطية، بأنها كانت تظن، قبل دخولها معترك السياسة، أن المسؤولين في بر الصين الرئيسي سيحترمون الوعد الذي أطلقوه في العام 1997 بالسماح للمدينة بتوسيع هامش استقلاليتها. لكنّ التشريع الجديد أوضح لها أن الوضع مختلف جداً وأن بكين لا تهتم فعلياً باستمالة السكان: "رغم مرور 23 عاماً، يعجز الصينيون حتى الآن عن كسب تأييد شعب هونغ كونغ"!