د. ميشال الشماعي

"حزب الله" والثورة والدولة

5 حزيران 2020

02 : 00

يدرك "حزب الله" جيّداً مدى جدّيّة العقوبات التي تستهدفه وحلفاءه اليوم. وهو على يقين بأنّ المنطقة برمّتها تدخل في مرحلة جديدة قوامها الدّول التي تقوم على كيانات مؤسساتيّة لامركزيّة للحدّ من نفوذ العائلات الحاكمة وأنظمة الحزب الواحد. فما هي السبل التي سيعتمدها للحفاظ على وجوديّته في عالم ما بعد كورونا وما بعد الثورات القادمة؟

مما لا شكّ فيه أنّ لحظة الأزمات الكبرى هي اللحظة المثال في اجتراح التغيّرات الجذريّة. لذلك، علت في الآونة الأخيرة الأصوات التغييريّة التي لم تألُ جهداً في نسف كينونة الدّولة اللبنانيّة، إن على قاعدة الميثاق وإن على قاعدة الصيغة. ويستشعر الحزب خطورة التحويرة التي قامت بها ثورة 17 تشرين من كونها ثورة على نظام فاسد إلى تحوّلها ثورة على السلاح غير الشرعي الذي اعتبرته مجموعاتها حامي هذا الفساد.

وما لفت في هذا السياق، تسارع مَن قد تكون أسماؤهم مدرجة على لائحة العقوبات القيصريّة إلى إرسال رسائل مؤتمراتيّة مؤامراتيّة إلى الأميركيّين لحثّهم على تبنيه كمنقذ من الضلال. وفاته أنّ السياسة الأميركيّة غير خاضعة إلى الابتزاز. لذلك، لن تنفع بعد اليوم دغدغة شعور الأميركيين بورقة تفاهم جديدة تفاقم أزمة السلاح على قاعدة معالجته كما حدث في 6 شباط 2006، أو الايحاء بالقدرة على قيادة الثورة نتيجة لخبرة عسكريّة ما. من هنا، يبدو أنّ الحزب قد تخلّى عن ثابتتين:

- الدّخول عنوة إلى صلب الدّولة على قاعدة إلزاميّة وجوديّة السلاح، أي بالتّرهيب. وذلك لاقتناعه بأنّ المجتمع الدّولي جادٌّ بمحاربة المنظومات المسلّحة خارج كيانات الدّول في المنطقة - وهو يمثّل معظمها - لذلك يبحث عن البدائل.

- الدخول عبر تطويعه حلفاء له بعدما تمّ خداعه المزدوج من هؤلاء الحلفاء الذين استغلّوه لنهب مقدّرات الدّولة واستغلال مغانم السلطة لتقوية نفوذهم الشخصي والعائلاتي؛ وضربوا بعرض الحائط اتّفاقهم معه في إطلاق يده بالسيطرة على الدّولة. لذلك، وجد الحزب نفسه أمام حالة جديدة فرضها عليه الحلفاء قبل الخصوم. من هنا، سيعمل على استيلاد طريقة ثالثة وفق قاعدتين كالآتي:

- السيطرة المطبقة على الدّولة بتطويع حلفائه الاستراتيجيين من خلال محاولاته الدائبة في التواصل مع خصومهم الاستراتيجيين، وذلك من خلال دسّ أخبار عن لقاءات بينه وبين مسؤولين في القوات اللبنانيّة مثلاً في الصحافة الصفراء لأكثر من مرّة. وهذه طريقة باتت مكشوفة أيضاً.

- الانتقال إلى فرض أمر واقع جديد مبني على المفاوضات حول ضرورة إدخال سلاحه في صلب كيانيّة الدولة مقابل السيطرة الكليّة عليها، أو على الأقلّ إطلاق يده لإجراء تغييرات في جوهر الدّولة لتتوافق مع طبيعته الأيديولوجيّة. إلا أنّ إشكاليّة جديدة استجدّت على الساحة اللبنانيّة، لم تكن من ضمن الحسابات الاستراتيجيّة للحزب، وهي ثورة 17 تشرين التي تستعيد وهجها يوم السبت القادم في 6 حزيران 2020 من ساحة الحريّة في وسط بيروت. وهذه المرّة تتوجّه بشكل مباشر إلى سلاح الحزب محاولة تلقّف المومنتوم الدّولي الذي تغيّر بشكل جذري، من الحدّ من فعاليّة هذا السلاح تحت وطأة القرارات الدوليّة كالقرار 1701، إلى تطويع قدرة هذا السلاح بشكل مباشر.

من هنا، سيكون الدّخول الناعم إلى صلب الدولة الوسيلة الأنجع التي قد يعتمدها الحزب لتشريع سلاحه. والتنازل المشروع الذي قد يقدّمه سيكون في صيغة تحفظ له بعده الايديولوجي في إطار لامركزي يؤمّن له استقلاليّة محدودة ضمن كيانيّة الدّولة. والحديث عن الصيغ الفيدراليّة يدغدغ رغباته في السرّ لدرء الانفجار المحتمل.

في المحصّلة، تلقّف الفرص الدّوليّة والمحليّة هو الهدف اليوم. اللبنانيّون جميعهم مدعوّون إلى قول كلمة الحقّ ليتحرّروا؛ والساحات تتّسع للجميع. وفرص التّغيير متاحة، ويجب أن تبدأ من داخل المؤسسات لا من خارجها، على قاعدة الهدم للبناء، وذلك عبر انتخابات نيابيّة مبكرة وفق القانون الحالي لتغيير السلطة السياسيّة الحاكمة. والحفاظ على الميثاق مع الوفاق ضرورة كيانيّة لصدّ الحرب الكيانيّة التي يخوضها محور الممانعة بممثّليه وحلفائه في لبنان. الهويّة اللبنانيّة واضحة ودُفع ثمنها دماً. فلا يحاولنّ أحد اليوم تحيّن الفرص لتغييرها، وإلا... عود على بدء.