أقليّات

سريان تركيا... خوفٌ على المستقبل والبقاء

02 : 00

يتجمع عشرات المؤمنين بصمت في كنيسة للسريان تعود إلى القرن السادس في ماردين بجنوب شرق تركيا. يحضرون إحدى قداديس  الطائفة المسيحية الشرقية التي تنازع للبقاء.

وهؤلاء من حوالي أربعة آلاف من السريان المتبقين في المنطقة بعدما أجبرت أعمال العنف والفقر أبناء هذه الطائفة على مغادرة تركيا في القرن العشرين.

وهؤلاء اليوم منتشرون في مختلف أصقاع أوروبا، فما يناهز المئة ألف منهم يقيم في ألمانيا وقرابة مئة ألف آخرين في السويد وعشرات الآلاف في بلجيكا وفرنسا وهولندا. وينتمي السريان إلى الطائفة المسيحية الشرقية ويصلّون بالأرامية وهي لغة المسيح.

يقيم يوحنون أكاي البالغ 40 عاماً، في المنطقة التاريخية المعروفة طور عابدين (أي "جبل خدام الله" بالسريانية)، في قرية "غولغوزه" العريقة في ماردين.

والقرية المعروفة باسم "عين وردو" (عين وردة بالسريانية)، كانت موطناً لمئات العائلات السريانية التي عملت في الزراعة.

وهناك اليوم ثلاث عائلات فقط هناك منها عائلة أكاي، المزارع والأب لثمانية أبناء.

يقول أكاي: "في الماضي كانت هناك مئتا عائلة مسيحية سريانية وسبعة كهنة في القرية. كانت لدينا ثلاث كنائس، أي كان لكلّ حي كنيسة". ويضيف: "كلّ أحد كنا نقيم قداساً في كل من الكنائس الثلاث وتمتلئ جميعها بالمصلين".

وفي طور عابدين 2500 كنيسة و300 دير بحسب رئيس اتحاد الجمعيات السريانية أوجيل توركر. ويشعر مسؤولو الطائفة ومنهم توركر بالقلق إزاء مستقبلها في تركيا رغم ارتفاع طفيف أخيراً في عدد أبنائها. وثمة حوالى عشرون ألفاً من أبناء طائفة السريان في اسطنبول. وعلى غرار الطوائف الأخرى، يتأثر السريان بتداعيات المسائل الاقتصادية نفسها "والضغوط السياسية" في ظل حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان.





وخلال تولي إردوغان رئاسة الحكومة بين 2003 و2014، عُرض على السريان العودة إلى تركيا، وأعيد بعض الممتلكات المصادرة إلى أصحابها.

ورغم الآمال التي عقدت آنذاك بإعادة مجد القرى القديمة الغابر، فإن كثيراً من سريان الشتات يقصدونها في الصيف فحسب ليعودوا بعد ذلك إلى منازلهم في أوروبا.

ورغم أن الكنائس الثلاث صمدت لقرون، إلا أن أي كاهن لم يأت لخدمة الرعية منذ 2001. ليس القلق محصوراً بالديانة فحسب. يشرح أكاي كيف كان يقصد مدرسة خاصة لتعلّم السريانية، لكنها ما عادت موجودة. يقول بأسى: "الوضع صعب. لم يبق شخص لتعليم الأولاد أو تثقيفهم".

يبذل أكاي مع زوجته صونيا المستطاع لتعليم أولادهما وتثقيفهم عن جذورهم ولغتهم، وحين يحتاجان إلى كاهن يتواصلان مع كاهن في بلدة "مديات" المجاورة.

يصف السريان مقتل الآلاف من أبناء طائفتهم في 1915 بـ"الابادة" (سيفو - سيف بالسريانية) وقد تزامنت مع مجازر الأرمن وفرّ البعض منهم إلى "غولغوزه" آنذاك.

تراجع عدد السريان في تركيا خلال القرن العشرين، وخصوصاً في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عندما أجبر كثيرون على المغادرة إلى الخارج أو إلى اسطنبول هرباً من أعمال العنف بين المتمردين الأكراد والدولة في جنوب شرق البلاد. وغادر البعض بحثاً عن حياة أفضل.

وبرزت مخاوف في العام الحالي من استهداف السريان بعد فقدان أثر زوجين من أقلية "الكلدان الكاثوليك" في كانون الثاني في "شرناك" قرب الحدود العراقية.

وفيما لا يزال هرمز ديريل البالغ 71 عاماً مفقوداً، عثر على زوجته سيموني البالغة 65 عاماً جثة هامدة في آذار.

كذلك أثار اعتقال كاهن السريان الارثوذكس سيفر بيلجين بتهمة الإرهاب قلقاً شديداً.

ومع ذلك ثمة عائلات عادت إلى الكنيسة المبنية في القرن السادس في أحد شوارع  مدينة ماردين القديمة.

تشير المعلمة المتقاعدة دنيز كرلماز إلى تحسّن الحياة منذ تسعينيات القرن الماضي مع وجود حرية أكبر للصلاة. تشرح قائلةً: "الحياة هنا مهمة جداً لكنائسنا وأديرتنا بسبب أسلافنا ومواصلة البقاء أمر مهم جداً بالنسبة إلينا".

توركر من العائدين إلى تركيا. يتحدّث مستفيضاً عن شعوره بالمسؤولية لخدمة أبناء طائفته: "هذا بلدي"، يقول.

هذا لا يمنع أنّ السريان ما زالوا يشعرون بالقلق على إرثهم في تركيا. "وكأن اللغة بدأت تندثر شيئاً فشيئاً، وهذا يثير الاستياء"، يعلّق أكاي. ولكنه يضيف بابتسامة لاحقاً: "سنصمد إن شاء الله".


MISS 3