جواد الصايغ

المدن الأميركيّة "المشتعلة"... هل تُسقط ترامب في تشرين الثاني؟

6 حزيران 2020

02 : 00

لم يكد عدّاد الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة الأميركيّة جرّاء وباء "كورونا المستجدّ" يبدأ بالتراجع، حتّى وجدت البلاد نفسها أمام تظاهرات وأعمال شغب تعمّ ولايات أميركيّة عدّة، احتجاجاً على طريقة اعتقال المواطن جورج فلويد من قبل شرطة مينيابوليس، ما أدّى إلى وفاته بعد وقت قصير.

وإذا كانت الكلمات الأخيرة لفلويد: "لست قادراً على التنفّس" قد اجتاحت العالم وأصبحت تُرسم كجداريّات مرفقة بصوره، ينبغي الإشارة إلى أن الأميركيين بصورة خاصة ومعهم شعوب العالم بحبسون أنفاسهم لمعرفة تأثيرات ما يحدث على الانتخابات الرئاسيّة القادمة في الثالث من تشرين الثاني 2020.

تحليلات كثيرة خرجت تتحدّث عن انعدام فرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الفوز بولاية ثانية بسبب الاحتجاجات، ووصل الأمر بالبعض حدّ التساؤل عن مدى قدرة ترامب على الاستمرار حتّى نهاية ولايته الأولى مع التركيز بشكل رئيسي على جموع المتظاهرين وهم يقفون أمام أسوار البيت الأبيض في العاصمة الأميركيّة.

ولعلّ المشكلة الأبرز في طريقة تعاطي الكتّاب والمحلّلين، خصوصاً في الشرق الأوسط، مع الأحداث الأميركيّة، تكمن في محاولات "إسقاط" ما حدث في بلدان عربيّة كتونس ومصر العام 2011 على ما يجري في أميركا والجزم بأنّ ما ستشهده بلاد "العم سام" في الفترة القادمة سيكون مشابهاً.

وحتّى يوم الأحد الفائت، كانت شوارع المدن الأميركيّة تستقطب متظاهرين ينقسمون إلى ثلاث مجموعات. الأولى تضمّ المطالبين فعلاً بوضع حدّ لممارسات بعض رجال الشرطة تجاه المواطنين، خصوصاً من أصول أفريقيّة، من دون الانجراف إلى العنف وعلى رأسهم شقيق الضحيّة تيرنس فلويد. وبات واضحاً أن المجموعة الثانية تضمّ معارضي ترامب من مختلف المشارب والاتجاهات وأبرزهم جماعة "أنتيفا"، فيما تضمّ الثالثة جموع عصابات النهب والسرقة التي نشطت بشكل كبير، علماً أن معظمها تبدو وكأنّها تعمل بشكل منظّم.

ومع انطلاقة الأسبوع الحالي، خفّ تواجد المجموعة الأولى بعد توقيف الشرطي المسؤول ديريك شوفين وتوجيه اتهامات إلى عناصر الشرطة الذين كانوا متواجدين أثناء وقوع الحادث. في المقابل استمرّت المجموعة الثانية في التظاهر والاعتداء على مراكز وآليّات الشرطة، واستباح أفراد المجموعة الثالثة كلّ شيء أمامهم من كبرى المحلّات وصولاً إلى محلّات البقالة الصغيرة. وفي استعراض لخارطة المدن الأميركيّة التي تحظى بحصّة الأسد من التظاهرات وأعمال التخريب والشغب، تأتي نيويورك على رأس اللائحة ومعها لوس أنجليس في كاليفورنيا، وفيلادلفيا في بنسلفانيا، وبوسطن في ماساتشوستس، وأتلانتا في جورجيا، وشيكاغو في الينوي، وبالطبع مينيابوليس في مينيسوتا، مع ما لها من رمزيّة شأنها شأن واشنطن العاصمة. بالإضافة إلى مدن وبلدات أخرى كثيرة، ولكن بصورة أقلّ، ومع استعراض الأماكن الساخنة يبقى السؤال إلى أي حدّ ستُساهم هذه المدن المشتعلة في التأثير على نتائج الانتخابات وتوجّه الناخبين في الثالث من تشرين الثاني، وتالياً إسقاط ترامب ومنعه من الفوز بولاية ثانية؟

البداية من نيويورك، حيث شهدت شوارع وساحات عدّة في مناطق برونكس وبروكلين ومانهاتن تظاهرات وأعمال شغب. في نيويورك الولاية، خسر ترامب بفارق كبير بحيث حصل على 2819534 صوتاً مقابل 4556124 صوتاً لهيلاري كلينتون، أمّا في أحياء مدينة نيويورك وتحديداً في برونكس، فقد حصل الرئيس الجمهوري على أقلّ من 38 ألف صوت مقابل ما يُقارب 350 ألف صوت لمنافسته، وفي بروكلين حصد 141 ألف صوت مقابل 640 ألفاً لكلينتون التي حصدت 579 ألف صوت في مانهاتن، بينما حصل ترامب على نحو 65 ألف صوت.

وفي كاليفورنيا، التي شهدت أعمال شغب كبيرة، حصلت هيلاري كلينتون على 8753788 صوتاً مقابل 4483810 أصوات لترامب، وعلى صعيد نتائج المدن ففي لوس أنجليس، معقل المحتجّين في الولاية، حصل الرئيس على ما يُقارب 770 ألف صوت مقابل 2400464 صوتاً لمنافسته.

أمّا في العاصمة الأميركيّة واشنطن، التي وصل فيها المتظاهرون إلى أسوار البيت الأبيض، فقد حصل ترامب على 12723 صوتاً مقابل أقلّ بقليل من 283 ألف صوت لكلينتون. ولا تختلف أوضاع ترامب في ايلنوي كثيراً عن نيويورك وكاليفورنيا وواشنطن، فعلى صعيد الولاية ككلّ تخلّف بفارق مليون صوت تقريباً عن هيلاري كلينتون، وفي مقاطعتَيْ كوك ودوباج، حيث تتبع مدينة شيكاغو، حصل الرئيس الجمهوري على 619700 صوت مقابل 1840000 صوت لوزيرة الخارجيّة السابقة. ماساتشوستس بدورها تُعدّ من الولايات المؤيّدة للديموقراطيين، وأعطت مرشّحة الحزب الديموقراطي العام 2016، 1995000 صوت مقابل 1090000 لترامب، وفي بوسطن التي تُعدّ عاصمتها وأكبر مدينة فيها حصد الرئيس الحالي 38 ألف صوت فقط فيما حصلت هيلاري على 221000 صوت.

وفي مينيسوتا التي أشعلت مدينتها مينيابوليس شرارة الأحداث، خسر ترامب الانتخابات بفارق ضئيل مقارنةً مع الولايات المذكورة أعلاه، حيث تمكّن من حصد تأييد 1323232 شخصاً، مقابل 1367825 لكلينتون، وفي مقاطعة هنيبين التي تُعدّ مينيابوليس إحداها، حصل الرئيس الجمهوري 191000 صوت مقابل 429000 صوت لكلينتون.

وظروف جورجيا، التي تُعدّ أتلانتا أبرز مدنها، مشابهة إلى حدّ ما لمينيسوتا من حيث نتائج 2016، ولكن بصورة معكوسة، حيث تمكّن الرئيس الأميركي من الفوز بأصوات مندوبي الولاية بعد حصوله على 2089104 أصوات، أمّا كلينتون فنجحت في استقطاب أصوات 1877963 ناخباً.

وبنسلفانيا التي أعادها ترامب إلى حضن الجمهوريين العام 2016 بعد دورات انتخابيّة عدّة أعطت خلالها أصوات مندوبيها للمرشّحين الديموقراطيين، تشهد مدنها احتجاجات عدّة، أبرزها في فيلادلفيا وبيتسبرغ، واللافت أن الرئيس الأميركي ظفر بالولاية رغم تقدّم كلينتون عليه في أكبر ثلاث مدن في الولاية (بنسلفانيا، الينتون، وبيتسبرغ) مستفيداً من حصوله على نسبة عالية من الأصوات في المناطق الريفيّة والشماليّة والغربيّة.

في المحصّلة، لا يبدو حتّى الآن أن التظاهرات الحاليّة وأعمال الشغب ستُؤثّر بشكل سلبي على ترامب، بل على العكس، قد يتمكّن من توظيف بعض الأحداث لصالحه، خصوصاً أعمال الشغب والسرقة مع تلكّؤ سلطات الولايات عن الدفاع عن مصالح مواطنيها تماشياً مع ما يُطالب به لجهة الحسم بوجه عمليّات النهب. ومقارنةً بالوباء من ناحية التأثير على الانتخابات، يبقى شبح الأخير مخيّماً على الإدارة الحاليّة وسط التحدّيات التي تُواجهها لناحية ضرورة العودة بالاقتصاد وتخفيض نسبة العاطلين عن العمل، والمساهمة في إيجاد وظائف جديدة قبل الموعد الكبير في الثالث من تشرين الثاني.


MISS 3