تيموثي ماكلولين

هل يستغل ترودو وباء كورونا لفرض انتخابات مبكرة؟

9 حزيران 2020

المصدر: Politico Magazine

02 : 00

يحكم جاستن ترودو كندا وسط عجز قياسي وبطالة متفاقمة وأزمة صحية أسفرت عن وفاة أكثر من 7 آلاف كندي. مع ذلك، جاءت الأرقام القوية التي حققها رئيس الوزراء وحكومته الليبرالية منذ بداية أزمة "كوفيد - 19" لتنشر توقعات في العاصمة الكندية عن احتمال أن يفكر الليبراليون بالعودة إلى صناديق الاقتراع سريعاً.من المقرر أن تحصل الانتخابات المقبلة في العام 2023، لكن يرأس ترودو أقلية في البرلمان وهي مهددة بالسقوط في أي لحظة على يد المعارضة أو الحكومة نفسها في ظروف معينة.

يصرّ المحيطون بترودو على أنه يركّز على مسار الوباء ولا يفكر في الوقت الراهن بالدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة.

لكن تكشف الاستطلاعات أن ترودو يملك فرصة انتخابية كبرى. يقول منظّم الاستفتاءات ديفيد كوليتو، وهو المدير التنفيذي في شركة "أباكوس داتا"، إن نسبة تأييد رئيس الوزراء الكندي ارتفعت مجدداً وعادت إلى المستوى الذي سجّله بعد وصوله إلى السلطة في العام 2015. صرّح كوليتو في إحدى المقابلات: "من الواضح أن معسكره سيعود إلى الصدارة في حال إجراء انتخابات اليوم".

في الوقت الراهن، ينظر الكنديون برأيه إلى حكوماتهم، الفيدرالية والإقليمية، استناداً إلى تطورات الأزمة الصحية الطارئة. قد لا يدوم هذا الدعم إذاً أو لا يُترجَم في صناديق الاقتراع.

لكن يقول الليبراليون، من أمثال النائب المخضرم واين إيستر، إن الدعوة إلى انتخابات مبكرة ليست محط نقاش بين زملائه السياسيين رغم انتشار التوقعات حولها في الأوساط العامة.

عند سؤاله عن هذا الاحتمال، أجاب إيستر: "إنها فكرة جنونية. قد تكون استطلاعات الرأي أداة ممتازة، لكن يجب ألا نفكر بها في الوقت الراهن".

يرأس إيستر اللجنة المالية في مجلس النواب، وهي تقيّم منذ أشهر طريقة تعامل الحكومة مع فيروس "كوفيد - 19". يجب أن يركّز السياسيون برأيه على إرجاع كندا إلى الحياة الطبيعية في أسرع وقت ممكن. تقدّم الأقلية في البرلمان أداءً جيداً من وجهة نظره، لكن يجب أن يتعرض كل من يفكر باستغلال الوضع لمصلحته السياسية للمحاسبة.

في الخريف الماضي، قرر الناخبون تقليص الأغلبية القوية التي يملكها ترودو وتحويلها إلى أقلية في البرلمان غداة تحقيق بتهمة الفساد وفضيحة عنصرية. على الليبراليين في معسكره، بعد إضعاف موقعهم، أن يكسبوا دعم الخصوم السياسيين لتمرير التشريعات وتعويم الحكومة.

رغم الانتقادات التي واجهتها الحكومة على خلفية تعاملها مع فيروس كورونا، يظن كوليتو أن ترودو قد يستفيد من الأشهر القليلة المقبلة. أصبحت شيكات المساعدات المالية المرتبطة بوباء "كوفيد - 19" جاهزة للتوزيع، وتباطأت الإصابات الجديدة بالعدوى، وبدأ الاقتصاد يتحرك تدريجاً. حين تتلاشى المخاوف الصحية، قد يفكر ترودو باقتناص الفرصة وإجراء انتخابات جديدة سعياً وراء ولاية أخرى قبل أن تواجه الحكومة خيارات لا تحظى بشعبية واسعة في مجال التخطيط المالي، منها الزيادات الضريبية وتخفيضات هائلة في برامج الإنفاق.

يضيف كوليتو: "يترافق الامتناع عن إجراء انتخابات مبكرة مع مجازفة كبرى لأن أصعب فترة في الحكم ستبدأ في المرحلة المقبلة. توحي المعطيات الراهنة بأن الظروف ستزداد صعوبة".

تُعتبر الدعوة إلى إجراء انتخابات في الخريف المقبل منطقية أكثر من انتظار الربيع برأيه، لأن الحكومة ستضطر حينها لاتخاذ قرارات صعبة: "سيسير المسؤولون في حقل ألغام وقد يتكبدون خسائر كبرى"!





سُئِل ترودو عن احتمال العودة إلى الانتخابات خلال أحد لقاءاته اليومية في الأسبوع الماضي، فأجاب: "لم أسمع عدداً كبيراً من الكنديين المطالبين بإجراء انتخابات فوراً. سنواجه تحديات هائلة خلال السنوات المقبلة... وستحصل نقاشات كثيرة داخل البرلمان وسنصل في نهاية المطاف إلى انتخابات جديدة. لكني لن أطلق أي توقعات عن موعد حدوث ذلك".

شدّد مسؤول حكومي بارز لصحيفة "بوليتيكو" على عدم تفكير أي جهة بإجراء انتخابات مبكرة. هو يصرّ على انشغال ترودو اليوم بمساعدة الكنديين على تجاوز أزمة "كوفيد - 19" الطارئة.

تكلم هذا المصدر الحكومي من دون الكشف عن اسمه لأن المسؤولين لا يحق لهم مناقشة الشؤون الداخلية علناً، فقال إن كندا خاضت انتخاباتها في السنة الماضية ولا وقت للتفكير بالعودة إلى الحملات الانتخابية الآن.

كذلك، يعرف الجميع أن تقلبات نِسَب التأييد في زمن الأزمات لا تتعلق بالأحزاب لأن الشعب عموماً يريد أن تنجح الحكومة الراهنة بغض النظر عن انتمائها السياسي. قد يحاول الليبراليون استغلال الوضع قبل أن يصبح خصومهم الأساسيون، أي المحافظون، جاهزين للمعركة. يملك المحافظون ثاني أكبر عدد من المقاعد في البرلمان ولن يختاروا بديلاً عن زعيم الحزب المنتهية ولايته أندرو شير قبل أواخر آب المقبل. أما الديموقراطيون الجدد، ثالث أكبر حزب وطني، فهم يحتاجون إلى الأموال النقدية.

حظي ترودو، بفضل مؤتمراته شبه اليومية في نشرات الأخبار التلفزيونية، بتغطية إعلامية أكثر من خصومه. ومع إغلاق البرلمان بالكامل حتى أيلول المقبل، تَقِلّ الفرص التي تسمح لقادة المعارضة بتولي دور قيادي.

حتى توقيت التعافي الاقتصادي قد يصبّ في مصلحة ترودو خلال أي انتخابات في الخريف أو الربيع. عبّر ستيفن بولوز، حاكم بنك كندا المتقاعد حديثاً، عن تفاؤله بتحسّن الوضع في النصف الثاني من العام 2020 عبر خطط اقتصادية سليمة.

أثبتت التجارب التاريخية أن الشعبية خلال الأزمات لا تُترجَم دوماً بالفوز في الانتخابات. واجه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل مثلاً هزيمة كبرى في الانتخابات بعد الحرب العالمية الثانية. لن يكون فوز الليبراليين سهلاً هذه المرة إذاً.

على صعيد آخر، سيكون الأثر الاقتصادي على الأفراد كبيراً. يتوقع الخبراء أن تضطر شركات كثيرة للإقفال نهائياً وأن يبقى الكثيرون عاطلين عن العمل طوال سنة.

تعرّضت حزمة الإنقاذ الحكومية لانتقادات لاذعة لأنها تساهلت في تحديد الجهات التي تستحق الدعم المالي، لكن اعتبر الليبراليون هذه الخطوة ضرورية لتنفيذ البرنامج في أسرع وقت ممكن.

ستنشأ عوائق أخرى بسبب الوضع المالي للحكومة. من المتوقع أن يرتفع العجز الفيدرالي هذه السنة إلى مستويات قياسية فوق عتبة 250 ملياراً أو حتى 300 مليار دولار، وقد يتجاوز الدين الفيدرالي العام 3 تريليونات دولار.

لهذا السبب تضطر الحكومة لتوفير دفعات متلاحقة من الدعم المالي، لكنّ التعامل مع الترتيبات المالية سيكون أكثر صعوبة بكثير. قد يصبح هذا الوضع حافزاً للانسحاب قبل وقت المحاسبة.

بعد مرور أسوأ فترات الوباء، ستضطر الحكومة، بغض النظر عن انتمائها، لوضع خطة إصلاحية ولا شك في أنها ستشمل خطوات لا تحظى بتأييد الناس، منها تخفيضات صارمة للإنفاق وزيادات ضريبية محتملة.

تعرّضت جوانب أخرى من مقاربة الليبراليين في التعامل مع الوباء للانتقادات أيضاً. واجه المسؤولون في قطاع الصحة هجوماً كبيراً على افتراض أنهم تأخروا في إغلاق الحدود وفي تشجيع الكنديين على وضع الأقنعة على وجوههم. اتُّهِمت الحكومة أيضاً بعدم بذل جهود كافية لدعم الصناعات الأساسية، على غرار قطاع الطاقة، والفشل في إدارة المخزون الوطني من المعدات الشخصية الواقية، والتباطؤ في استيراد الإمدادات اللازمة من الخارج. يقول دانيال بيلان، مدير "معهد دراسة كندا" في جامعة "ماكجيل"، إن شعبية معظم المسؤولين على مستوى الحكومات الفيدرالية والمحافظات والدولة عموماً زادت منذ بداية الوباء، باستثناء القادة المثيرين للجدل من أمثال الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

قد يفكر الليبراليون برأيه بالدعوة إلى إجراء انتخابات خلال السنة المقبلة، لكن سيترافق ذلك الاستحقاق مع مخاطر كثيرة: "من المستبعد أن تحصل أي انتخابات في الخريف المقبل لأن الوباء لن يكون تحت السيطرة حينها على الأرجح وقد يتّهمهم الشعب بتعريض الناس للخطر، لا سيما الأشخاص الأكثر ضعفاً. حتى أن استغلال الوضع لتحقيق مكاسب سياسية فور انتهاء الأزمة قد يكون رهاناً سياسياً شائكاً".

بغض النظر عن موعد الانتخابات المقبلة، يجب أن يتوقع ترودو مواجهة العقبات التي أعاقت طريقه في الخريف الماضي.

قبل الانتخابات السابقة في تشرين الأول، واجه ترودو فضيحة فساد مرتبطة بشركة الهندسة والبناء SNC-Lavalin. وفي منتصف الحملة الانتخابية، نشر تقرير مدوٍّ في مجلة "تايم" صوراً لترودو منذ عشرين سنة يظهر فيها بوجه بنّي، ثم انتشرت صور وفيديوات أخرى له وهو يضع مكياجاً عنصرياً.

تجنّب ترودو الهزيمة في تلك الانتخابات وعاد إلى منصب رئيس الحكومة مع مقاربة مختلفة، حتى أن شكله الخارجي بات أكثر جدّية وقد لفت أنظار الجميع بلحيته الجديدة. هكذا أصبحت مقاربته غير استعراضية في الأشهر القليلة الأولى من ولايته الثانية، ما سمح لنائبة رئيس الحكومة كريستيا فريلاند بسرقة جزء من الأضواء.


MISS 3