بسام أبو زيد

لسنا إمرأة "قيصر"

18 حزيران 2020

02 : 00

لن يكون لبنان كامرأة "قيصر" فوق الشبهات في تطبيق قانون "قيصر" المتعلق بفرض عقوبات على النظام في سوريا، بل هو في عين عاصفة الشبهات من خلال المحاولات التي ستجرى لخرق هذا القانون الأميركي وعقوباته ما يهدد بأخذ الدولة اللبنانية ومعها جميع اللبنانيين إلى آتون العقوبات التي ستجعل لبنان مثالاً يتكرر لمثلث سوريا والجمهورية الإسلامية الإيرانية وفنزويلا.

هذا السياق إذا حصل، قد لا يتيح للبنان ان يحصل على أي مساعدات مالية لا من صندوق النقد الدولي ولا من البنك الدولي ولا من الدول الأوروبية والعربية ولا سيما الخليجية، وقد يعاني من المزيد من الأوضاع الصعبة والانهيارات التي قد تطال مختلف أوجه الحياة والمعيشة، فقدرات اللبنانيين المالية قد تنخفض قيمتها إلى أدنى الحدود ما سيؤدي إلى شح في مختلف السلع والبضائع والمعدات وما سيتوافر منها سيكون بأثمان باهظة أو بنوعية وتقنيات متدنية تصيب المواطنين في حياتهم اليومية بالمزيد من الأضرار والكوارث.

قد يكون لبنان معزولاً عن العالم، ويدرج مع مواطنيه على مختلف اللوائح السوداء، وينقطع كدولة تواصله مع الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية فيخسر ما كان يجنيه حتى اليوم من مساعدات على صعد مختلفة ولا سيما للجيش اللبناني إضافة إلى التعاون في مجالات متعددة كان لبنان بيرع فيها ومنها مثلاً المجال التربوي الجامعي والذي له علاقة مباشرة بمستقبل الشباب اللبناني ومستواهم العلمي والذي على أساسه يحصلون على فرص عملهم خارج لبنان.

هذا السيناريو إذا حصل قد يؤدي إلى طرح تساؤلات كبيرة تتعلق بسعر صرف الدولار الأميركي، وكم سيبلغ سعره تجاه الليرة اللبنانية؟ وهل سيكون بالإمكان فعلاً تحديد سعر وفق المعايير المالية والنقدية؟ أم أن سعر الدولار سيكون وهمياً محدداً بمعايير الأمن والسلاح؟

إن أي تدهور مستمر في سعر الليرة تجاه الدولار الأميركي سيؤدي إلى المزيد من حالات الفقر في لبنان تطال مختلف اللبنانيين العاملين في القطاعين العام والخاص، لا سيما وأن البطالة قد ترتفع نسبها في شكل كبير جداً، وهذا ما سيؤدي إلى انفلات أمني ما من أحد يعرف حدوده لأن القدرة والوسائل والجهات التي كانت تعمل على ضبطه قد لا تكون متوفرة بشرياً للعب دورها لأنها ستكون هي أيضاً في وسط آتون الوضع المعيشي الصعب لا هم لها سوى كيفية تأمين لقمة العيش لعائلاتها.

لا ينفع لبنان في هذه الحال اللجوء إلى دول أخرى واستبدال الغرب بالشرق، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية تأتي بدولاراتها مما يمكن أن تصدّره من نفط رغم العقوبات وهي تدعم بحجم أو بآخر حلفاءها في سوريا ولبنان بالدولار، وعندما كان الدولار متاحاً في لبنان كان هؤلاء الحلفاء يستفيدون منه لتخفيف العبء عن طهران، ولكننا اليوم أصبحنا في لبنان وسوريا نعاني من شح في الدولار فهل تستطيع الجمهورية الإسلامية أن تؤمن هذه الورقة الخضراء لحلفائها وهم يستخدمونها حتى اليوم ولعامة الشعبين اللبناني والسوري كي يتمكنوا من تفادي تداعيات التدهور في أسعار الليرتين السورية واللبنانية؟ ما هي الضمانة ان الصين والجمهورية الإسلامية الإيرانية وفنزويلا سيقبلون أن يتقاضوا ثمن خدماتهم ومشاريعهم بالليرة اللبنانية وبأي سعر لليرة إذا كان ذلك متاحاً؟ ومن قال إن الشركات الصينية مستعدة لتنفيذ مشاريع في لبنان؟ وما هو حجم استثماراتها في سوريا مثلاً؟ علما أن الاستثمارات الصينية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي في مقابل النفط، فمقابل ماذا ستكون في لبنان؟ إن ما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة هو المزيد من الواقعية لدى المسؤولين والقيادات، ومن إدراك للحقائق التي نمر بها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهو يحتاج وبإلحاح إلى عملية إصلاحية لا يجب أن تتأخر يوماً واحداً، فما يعاني منه لبنان هو نتاج تصرفات حكامه ومسؤوليه وزعمائه واحزابه وتياراته وشعبه، وعلينا أن ندرك أن الاستمرار في نهج الفساد والمكابرة لن يوصل إلا إلى المزيد من المعاناة ولو استغثنا بكل الشرق والغرب.


MISS 3