"التقصّي" تخرق اليوم جدار "المستشارين" على طاولة صندوق النقد

هكذا أجهضَ دياب الطرحَ المصري: "إستقبِلوني أولاً"!

02 : 00

"بدنا حكومة مش محكومة"... خلال تظاهرة مندّدة بعرقلة التشكيلات القضائية أمام قصر العدل أمس (رمزي الحاج)

هذا ما جناه العهد على نفسه وما جناه عليه أحد... فعلى قاعدة "من يزرع الريح يحصد العاصفة" جاءت الردود على الدعوة العونية إلى جلسة حوارية في القصر الجمهوري بعد غد الخميس، لا سيما من "بيت الوسط" حيث سحب رؤساء الحكومات السابقون بساط الميثاقية من أرضية الدعوة بإعلانهم عدم المشاركة في اجتماع "بلا أفق" يشكل "مضيعة لوقت الداعي والمدعوين"، ربطاً بافتقاره إلى جدول أعمال واضح و"خريطة طريق" تتلاقى عناوينها مع القضايا الوطنية التي عدّدها البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد، لتتجه الأنظار تالياً باتجاه معراب غداً في سبيل تلمّس ما سيقرره تكتل "الجمهورية القوية"، علماً أنّ موقف "القوات" كان قد عكس في أكثر من مناسبة "عدم الاقتناع بفائدة الدعوة الحوارية" في المرحلة الراهنة. ولأنّ الأغلب الأعم في الأسباب الكامنة وراء عدم التجاوب مع رغبة السلطة في انعقاد الحوار يتمحور في جوهره حول عدم رغبة المعارضة في استخدامها كـ"ورقة توت" تواري سوءات وفضائح الحكومة القائمة، برزت أمس فضيحة مدوية جديدة في سجل هذه الفضائح، من خلال ما تكشف لـ"نداء الوطن" من معلومات تفيد بأن رئيس الحكومة حسان دياب أجهض طرحاً رسمياً قدمته مصر لمساعدة لبنان في مجال الطاقة، متجاهلاً إياه ومحاولاً استثماره عبر فرض ما يشبه المقايضة بين استقباله في القاهرة وقبول البحث في تفاصيل المبادرة المصرية.

وفي التفاصيل، أنه غداة تأكيد وزير الطاقة ريمون غجر عدم القدرة على تخفيف تقنين الكهرباء القاسي، لم تستغرب مصادر ديبلوماسية وصول لبنان إلى ما وصل إليه من عجز عن معالجة هذه الأزمة في ظل أداء حكومي قاصر عن مقاربة الحلول اللازمة. وتكشف المصادر في هذا المجال لـ"نداء الوطن" أنّ رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي اتصل بدياب إثر إقرار مجلس الوزراء عملية تأهيل معملي دير عمار والزهراني مبدياً استعداد بلاده لمعالجة موضوع الكهرباء في لبنان، مؤكداً أنّ شركة السويدي المصرية ترغب بالتعاون مع شركة "سيمنز" الألمانية في المساهمة بإعادة تأهيل المعملين وفق المواصفات والمعايير التقنية الدولية، وتجهيزهما في مدة زمنية معقولة ليكون بمقدور كل منهما استقبال مادة الغاز المسال لتوليد الطاقة. وأبدى جهوزية القاهرة للتنسيق مع الحكومة الألمانية لتسهيل هذه العملية فضلاً عن تعهده بتأمين حاجة لبنان من الغاز المسال بأسعار مخفضة وبالتقسيط المريح، لكنّ المفاجأة، وفق ما عبرت المصادر الديبلوماسية، كانت بأنّ دياب تعامل ببرودة مع الطرح المصري ولم يبادر إلى متابعته إنما ركّز اهتمامه على مسألة تلبية طلبه بزيارة القاهرة رافضاً حتى فكرة إيفاد وزير الطاقة إلى هناك لمناقشة الطرح المصري قبل الرد إيجاباً على طلباته المتكررة بزيارة العاصمة المصرية.

أما في جديد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فلفت الانتباه دخول الصندوق خلال الاجتماع الدوري مع الوفد الحكومي في محظور قوى 8 آذار من خلال وضعه الإصبع على النزيف الحاصل في الخزينة جراء تخمة التوظيفات في القطاع العام، وعلمت "نداء الوطن" أنّ وفد صندوق النقد طلب إعداد خطة تُظهر آليات العمل والتوظيف في إدارات الدولة، الأمر الذي لا ريب في أنّ فريق السلطة سيسعى جاهداً إلى صده ومحاولة إيصاد كل الأبواب الإصلاحية في وجه المطالبة بتقليص حجم القطاع العام واستئصال المحسوبيات والأزلام من هيكلياته الإدارية.

توازياً، وعلى جبهة تصدي لجنة تقصي الحقائق لـ"حرتقات" لوبي المستشارين في السراي الحكومي والقصر الجمهوري، حيث لا تزال مصادر معنية ترصد "محاولات مستمرة من قبل هذا اللوبي لضخ معلومات مغلوطة تتعمد التشويش على أعمال اللجنة"، فستكون هذه اللجنة النيابية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة اليوم على موعد مع أول خرق تسجله في "جدار المستشارين" على طاولة صندوق النقد الدولي خلال الاجتماع الذي سيعقد بين وفد اللجنة برئاسة النائب ابراهيم كنعان ومشاركة النائبين نقولا نحاس وياسين جابر مع وفد الصندوق. إذ وحسبما أفادت المصادر "نداء الوطن" فإنّ النقاش سيتعدى مسألة الاختلاف في الأرقام الذي كان قائماً بين الحكومة والمصرف المركزي وجمعية المصارف، بعدما بيّن التدقيق المالي في الخطة الحكومية عدم دقة أرقامها "لتتخذ المسألة أبعاداً جديدة متصلة بالاستراتيجية الواجب اتباعها للخروج من نفق الأزمة"، موضحةً أنه "بينما تقول نظرية الحكومة بذهاب لبنان مستسلماً سلفاً إلى طاولة المفاوضات من خلال اعتمادها على شطب الديون وتعرية الدولة اللبنانية أمام الدائنين، اختلفت مقاربة اللجنة النيابية عن هذا الطرح الهدّام مالياً واقتصادياً ومصرفياً فاستبدلت فكرة شطب الديون عشوائياً باستراتيجية عدم إعلان التوقف عن الدفع بالنسبة إلى سندات الليرة واحتساب خسائر استحقاقات القروض حتى العام 2027 فقط". وحذرت المصادر في المقابل من أنّ "ما تطرحه الحكومة إنما يلقى قبولاً من الصندوق الدولي باعتباره يفوق ما يطلبه منها، لكنّ خطورته في حال اعتماد ذلك ستنعكس سلباً على الاقتصاد اللبناني، ومن هنا لا بد من اعتماد استراتيجية مغايرة تتقاطع في أسسها مع متطلبات صندوق النقد لكنها تؤمن في الوقت عينه حماية الاقتصاد الوطني من دون الانسياق الأعمى وراء لعبة الأرقام وتضخيمها لضمان الحصول على القروض".

واليوم يستلم رئيس مجلس النواب نبيه بري من كنعان التقرير النهائي الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق "بعد مناقشات مضنية تمكنت من تقريب المسافات بين الأرقام في الورقة المالية"، وفق ما عبّرت مصادر اللجنة لـ"نداء الوطن" مشيرةً إلى أنّ "المشكلة الأساس في الأرقام كانت في المقاربات التقديرية التي وضعها مستشارو الحكومة من دون التدقيق العلمي فيها"، ولاحظت وجود "أطراف منزعجة مما توصلت إليه اللجنة وتحاول "الحرتقة" عليها من خلال تسريبات إعلامية لبعض المستشارين الذين يعتبرون أنّ المصلحة الوطنية تقضي بتقديم أنفسنا مفلسين أمام صندوق النقد".