خالد أبو شقرا

السياحة تنتعش... ماذا عن الإقتصاد؟

2 آب 2019

01 : 54

إستقطب لبنان العام الماضي حوالى مليوني سائح
في الأعوام القليلة الماضية، استطاع القطاع السياحي أن يشكّل رافعة إقتصادية حقيقية رغم كلّ التحدّيات التي تعصف بالبلد. فاكتسبت القطاعات السياحية من فنادق، مطاعم وشركات تجارية، مناعة استثنائية جراء تلقيحها دورياً بجرعات الأزمات السياسية والإقتصادية والتحديات البيئية والمعارك والحروب، وأثبتت قدرتها على العمل والنمو حتى في أصعب الظروف. وما الأرقام التي حقّقتها السياحة في العام الماضي سوى دليل على أهمّية هذا القطاع، ودوره المحوري في الإقتصاد.



أرقام العام 2018 السياحية التي نُشرت أخيراً في تقرير بنك بيبلوس، أشارت إلى أن صافي العائدات السياحية في العام الماضي كانت من بين الأعلى منذ العام 2002، وقد بلغت 8.4 مليارات دولار، بزيادة نسبتها 10.4% عن العام 2017. وهذه العائدات الكبيرة نسبياً شكلت 15% من الناتج المحلي الإجمالي، المقدر بـ 56 مليار دولار، واحتلت المرتبة الثانية بعد العام 2010 بكمية الأموال المتأتية من السياحة.

رافعة إقتصادية

إتهام السياحة بالهشاشة وبسرعة تأثرها بالأحداث والمصائب، ينقضُه المعدل الوسطي المحقق لصافي العائدات السياحية بين العامين 2002 و2018، والذي بلغ 6.45 مليارات دولار، وبما نسبته 17.6% من الناتج المحلي الإجمالي.

الرضى النسبي عند مسوؤلي القطاعات السياحية، عن أعداد السياح القادمين إلى لبنان يقابله إنزعاج من تغير نوعية السياح وتراجع معدلات صرفهم. فعامل الإنفاق بالنسبة للقطاعات السياحية والتجارية يتقدم على العدد، وذلك نظراً لصغر حجم لبنان، ومحدودية غرفه الفندقية. وقد بدأ مسؤولو القطاعات السياحية والتجارية يلاحظون تراجع معدلات صرف السياح، وهو ما سينعكس على صافي العائدات الذي "لن يتجاوز الـ 5 مليارات دولار"، بحسب توقعات رئيس نقابة المؤسسات السياحية البحرية جون بيروتي. الرقم وإن قلّ، عن التوقعات العامة يبقى مقبولاً، إذ أنه لا ينحصر في المؤسسات السياحية بل يتوزع على الكثير من القطاعات التجارية والمؤسسات الخدماتية ويستفيد منه الريف كما العاصمة، والملهى كما المتحف. و"هنا تكمن أهمية السياحة وقوتها في جلب العملات الصعبة من يورو ودولار، والتي نحن في أمس الحاجة اليها"، يقول بيروتي.


إرتفاع أعداد السياح يقابله تراجع ملحوظ في الإنفاق


السياحة الخارجية تزدهر

مقابل التدفقات النقدية المرتفعة نسبياً من السياحة، بلغ معدل إنفاق اللبنانيين في الخارج في العام الماضي 6.25 مليارات دولار، وهي تشكل ما نسبته 11.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. في السياحة، يفسر هذا الرقم على أنه انفتاح وتوق للتعرف على الخارج، وهو يصب طبعاً، في مصلحة وكالات السفر، وشركات الطيران. إلا أن تفسيره الإقتصادي يعني خروج المزيد من الدولارات بكميات كبيرة من باب السياحة، بعد خروجها الهائل سابقاً من باب التجارة (18 مليار دولار عجز ميزان المدفوعات)، وهو ما يؤدي إلى تعميق هوة ميزان المدفوعات، ويدفع باتجاه اعتماد المزيد من سياسات جذب الدولار التي تقوم على رفع اسعار الفوائد، وبالتالي تقويض فرص الإستثمار وتحميل الإقتصاد والقطاعات المنتجة والمواطنين المزيد من الأعباء.


الإنفاق يتراجع

وصل عدد المسافرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي في العام الماضي إلى 8.8 ملايين مسافر، منهم حوالى مليوني سائح دخلوا إلى لبنان، و"هو رقم كان من المفترض أن يكون مردوده كبيراً جداً، لو أن معدل إنفاق السياح يعود كما كان في العام 2010"، يقول رئيس نقابة وكالات السياحة والسفر جان عبود. فالسياحة خلال تلك الفترة كانت تعتمد بشكل أساسي على الخليجيين، الذين كانت مدة إقامتهم تتعدى العشرين يوماً ونسبة إنفاقهم تتعدى الـ 4 آلاف دولار يومياً، فيما لا يتعدى معدل إنفاق السائح اليوم الـ 400 دولار وهو ما شكل الفرق في المدخول حتى لو ارتفع عدد السياح.

كلام النقيب عبود، يؤكده حامد، صاحب متجر الملبوسات في شارع الحمرا السياحي، والذي يقول: "اننا نسمع يومياً مختلف اللهجات واللكنات ونرى مختلف الأزياء وآلاف الوجوه تمر من أمام أبواب المحلات... إنما لا يوجد بيع". ويترحم حامد على أيام زمان، "أيام الخير حيث كان الصيف موسماً منتظراً، يعوض على التجار كل التراجع في فصول السنة بموسم واحد".ويزداد معدل الخارجين من لبنان للسياحة سنوياً بوتيرة تتراوح نسبتها بين 15 و20 في المئة، وهذا ما يثبته إنطلاق أكثر من 120 رحلة تشارتر يومياً بسعة 170 راكباً للطائرة، من مطار بيروت نحو المقاصد السياحية. إذا كان من الصعب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فان تأمين الاستقرار وتشجيع السياحة الداخلية وتوفير مناخ آمن "سياسياً" للسياح العرب، وفتح أسواق سياحية جديدة مع المحافظة على الاسواق التقليدية، لهي عوامل تعتبر أكثر من أساسية لعودة لبنان إلى سابق عهده السياحي، ليس كمياً فقط إنما نوعياً ايضاً.


MISS 3