تانفي مادان

الصين بدأت تخسر الهند!

29 حزيران 2020

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

خلال قمة في جنوب الهند في تشرين الأول 2019، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتطوير العلاقات بين البلدين خلال السنة اللاحقة. وَعَد البلدان الآسيويان اللذان يشملان معاً أكثر من ثلث سكان العالم بالتعاون عن قرب في العام 2020 الذي يشهد الذكرى السبعين للعلاقات الرسمية بين الدولتين. عدّد المسؤولون 70 نشاطاً مشتركاً، بدءاً من التجارة والوفود العسكرية وصولاً إلى الدراسات الأكاديمية للروابط الحضارية القديمة، وتهدف هذه النشاطات كلها إلى تكثيف التعاون الصيني ـ الهندي.

بدل تعميق العلاقات الثنائية، ترسّخت المنافسة بين الصين والهند في العام 2020. منذ بداية أيار الماضي، تتواجه القوات الصينية والهندية في نقاط متعددة من الحدود البعيدة والوعرة والمتنازع عليها بين البلدين. تصاعد التوتر في 15 حزيران، حين اشتبك الجنود الصينيون والهنود في وادي "جلوان". قُتِل 20 جندياً هندياً على الأقل خلال تلك المناوشات، بالإضافة إلى عدد مجهول من القوات الصينية (لم تكشف الصين بعد عن عدد الضحايا). أعلنت الحكومة الهندية أن الصين افتعلت القتال عبر محاولة تغيير وضع المراوحة على الحدود، فتقدمت في المنطقة التي يطالب بها البلدان أو أعاقت مسار الدوريات الهندية هناك. في المقابل، يتهم المسؤولون الصينيون الهند بالتحريض على تلك المواجهة العنيفة.

تاريخياً، أدى الخلاف الحدودي بين الصين والهند إلى اندلاع حرب شاملة في العام 1962 وقد شكّل سبباً للصدامات الدائمة منذ ذلك الحين. لكن تُعتبر المواجهات العنيفة في الأسبوع الماضي تصعيداً خطيراً. كانت تلك المناوشات سبباً لسقوط أولى الضحايا على طول الحدود الصينية الهندية منذ 45 سنة. أثبتت هذه التطورات أيضاً أن العلاقة الصينية الهندية، رغم جهود التعاون بين الطرفين، ترتكز على منافسة متزايدة قد تتحول إلى صراع حقيقي. بعبارة أخرى، قد يترافق ذلك الاشتباك الدموي في الهيمالايا مع تداعيات واسعة على المعطيات الجيوسياسية في آسيا.

خلال العقدَين الماضيَين، عمدت الصين والهند إلى تعميق علاقاتهما الديبلوماسية عبر تقوية الروابط الاقتصادية، وعقد الاجتماعات على أعلى المستويات، والمشاركة في مؤسسات إقليمية، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومنظمات متعددة الأطراف مثل مجموعة "بريكس" التي تشمل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. تُعتبر الصين ثاني أكبر شريك تجاري للهند، وقد زادت الاستثمارات الصينية في الهند من نسبة ضئيلة قبل بضع سنوات إلى 26 مليار دولار اليوم، حتى في قطاع التكنولوجيا. شهدت السنوات الماضية أيضاً ارتفاعاً في عدد الهنود المسافرين للدراسة في الصين وتوافد المزيد من السياح الصينيين إلى الهند.

لكنّ مؤشرات التعاون المتزايد لا تستطيع إخفاء المنافسة المتوسّعة بين البلدين. على مر العقد الماضي، تأجج الخلاف الحدودي القديم في "ديبسانغ" في العام 2013 وفي "شومار" في العام 2014، وخاض الجيشان أيضاً مواجهة مدتها 73 يوماً في "دوكلام" في العام 2017. في كل حالة من هذه الحالات، اتهمت الهند الصين بمحاولة تغيير وضع المراوحة بشكلٍ أحادي الجانب عبر نشر القوات العسكرية وترسيخ وجودها الدائم في مواقع لا يُفترض أن تحتلها. كذلك، تتأثر العلاقات الثنائية حتى الآن بمسائل عالقة أخرى، بما في ذلك وجود الدالاي لاما واللاجئين التبتيين في الهند، وسيطرة الصين على مياه نهر "براهمابوترا" (إنه مصدر قلق للهند)، وما تعتبره نيودلهي علاقة اقتصادية غير متوازنة.

على مستوى المؤسسات العالمية، يظن المسؤولون الهنود أن الصين تسعى إلى كبح طموحات الهند على الساحة الدولية عبر إعاقة جهود انتسابها إلى منظمات مثل مجموعة موردي المواد النووية ومجلس الأمن. في المقابل، تشعر الصين بالقلق من التهديدات المطروحة على مصالحها بسبب زيادة التنسيق بين الهند والولايات المتحدة في مؤسسات متعددة الأطراف.





لحظة مفصلية!


كان احتدام الخلاف على طول الحدود المتنازع عليها متوقعاً بدرجة معينة. خلال العقد الماضي، أنشأت الهند بنية تحتية تشمل الطرقات والجسور بالقرب من الحدود، في محاولةٍ منها لمضاهاة الجهود الصينية التي تصبّ في الخانة نفسها. لكن تختلف المواجهة الأخيرة عن الاشتباكات الثلاثة السابقة في عهد شي جين بينغ من حيث الحجم والقوة. وقعت المناوشات السابقة في موقع واحد، لكنّ الصدام الأخير حصل في وقتٍ شبه متزامن في مواقع متعددة في القطاع الغربي من الحدود الصينية الهندية وفي القطاع الشرقي أيضاً. كذلك، شهدت هذه الجولة من الاشتباكات انتشار عدد أكبر من القوات العسكرية وإطلاق عمليات عدائية إضافية من الجانبيَن. وتكشف صور الأقمار الاصطناعية والتقارير المحلية أن الصين والهند بدأتا بإرسال التعزيزات إلى المنطقة بعد الاشتباك.

قد تشكّل المواجهة العنيفة في 15 حزيران ما يعتبره بعض المحللين "لحظة مفصلية" في العلاقات الصينية الهندية. لم يُسفِر القتال عن سقوط أولى الضحايا على طول الحدود منذ تشرين الأول 1975 فحسب، بل إنه أوضح أن الاتفاقيات والبروتوكولات الحدودية القائمة ليست فعالة. حتى أنه أثبت أن المسؤولين الصينيين والهنود لا يحملون الرؤية نفسها حول المساحات الحدودية المتفق عليها وتلك المثيرة للخلاف. تطالب بكين اليوم بفرض سيادتها على وادي "جلوان" الذي لم يشكّل نقطة اشتعال منذ العام 1962. يشبه هذا المأزق الوضع الذي كان قائماً بين منتصف الخمسينات وأواخرها، حين ظن رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو أن مشكلة الحدود انتهت لكنه أدرك في نهاية المطاف أن الجانب الصيني لم يتقبل وضع المراوحة، ما أدى إلى سلسلة أحداث عادت وأشعلت الحرب الصينية الهندية في العام 1962.

اليوم، يشارك المسؤولون الصينيون والهنود في حوار على المستويات العسكرية والديبلوماسية لتخفيف التوتر المتصاعد، لكنّ نزع فتيل الأزمة قد لا يتحقق سريعاً. بعد سقوط هذا العدد من الجنود، لن يسمح الرأي العام الهندي الغاضب لمودي بقبول أي تغيّر في وضع المراوحة على الحدود. لكن لاسترجاع الوضع القائم قبل التحركات العسكرية الصينية في شهر أيار، يجب أن تُقنِع الهند بكين بسحب قواتها العسكرية من نقاط متعددة أو تطرد جيش التحرير الشعبي بالقوة من المناطق المتنازع عليها.

قد يدفع الاشتباك في وادي "جلوان" بصانعي السياسة الهندية إلى اتخاذ مقاربة صارمة في تعاملها مع الصين. خلال اتصال بين وزيرَي الخارجية في 17 حزيران، قال سوبراهمانيام جايشنكر لنظيره وانغ يي إن "هذا التطور غير المسبوق سيترافق مع تداعيات خطيرة على العلاقات الثنائية". منذ ذلك الحين، ذكر مسؤول هندي صراحةً أن الفرضيات التي تتوقع غياب أي عواقب في المجال الاقتصادي وسواه "سخيفة". قد تكون التقارير التي تتحدث عن تغيير قواعد المشتريات في قطاع الاتصالات الهندي لإقصاء الشركات الصينية جزءاً من المؤشرات البارزة، لكنها تُلمِح أيضاً إلى مسار الوضع في المراحل المقبلة.



نحو تشديد المواقف من الصين



من المتوقع أن تُضعِف المواجهة الأخيرة موقف الداعمين لتكثيف التواصل مع الصين داخل الحكومة الهندية أو المقتنعين بأن تقوية الروابط الاقتصادية قد تُخفف التوتر السياسي. انتقل عدد من المدافعين السابقين عن هذه المقاربات المتساهلة إلى تبنّي مواقف أكثر صرامة اليوم. تفاقمت مشاعر الرأي العام الغاضب ضد الصين بعدما انتشرت تفاصيل مقتل الجنود الهنود بوحشية في وادي "جلوان" في وسائل الإعلام الهندية. وبعد أخبار الاشتباك، صدرت دعوات إلى مقاطعة المنتجات الصينية فوراً.

أوضحت المناوشات الأخيرة أن نيو دلهي باتت مضطرة للقيام بخيارات مصيرية. على الصعيد المحلي، قد تشعر الحكومة بأنها مجبرة على تحسين الإمكانات العسكرية الهندية والبنى التحتية على الحدود، ما يعني استعمال الموارد في مجالات تختلف عن خطط التنمية. كذلك، قد يحاول المسؤولون الهنود الآن أن يعززوا علاقاتهم مع قوى إقليمية وعالمية أخرى لإيجاد التوازن المطلوب ضد الصين التي تزداد ثقة بنفسها. من المتوقع مثلاً أن تتقرب نيو دلهي من واشنطن. يبدو أن المخاوف من السلوك الصيني هي التي تعزز العلاقات الأميركية الهندية، فضلاً عن اقتناع الهنود بأن الولايات المتحدة جهة "ضرورية" للحفاظ على توازن القوى عالمياً. لكن قد تتردد نيو دلهي في الرهان على الأميركيين وحدهم. لا يثق المسؤولون الهنود بمصداقية الولايات المتحدة وتماسك سياستها تجاه الصين، كما أنهم لا يريدون إثارة استياء روسيا كونها مصدراً أساسياً للمعدات العسكرية.

أخيراً، يتمحور احتمال مستبعد حول توصّل الهند والصين إلى اتفاق جديد وأكثر فعالية أو تسوية موقّتة على الأقل. أدت مواجهة حدودية خطيرة بين العامين 1986 و1987 إلى زيارة تاريخية من رئيس الوزراء راجيف غاندي إلى الصين في العام 1988، ثم عُقِدت اتفاقيات حدودية جديدة. لكن تبدو هذه النتيجة الإيجابية مستبعدة حتى الآن. وحتى لو عُقِد اتفاق جديد، تضمن مشاعر البغض المتفاقمة في الأسابيع القليلة الماضية أن تشكك الهند بالتزام الصين بأي معاهدات مستقبلية. في مطلق الأحوال، لا شك في أن نيو دلهي ستتابع مراقبة حدودها الشمالية الجبلية لرصد أي مؤشر عدائي من الجانب الصيني.


MISS 3