مريم مجدولين لحام

لبنانيون يطلبون العظام وشيئاً من الدهن

ملاحم الضاحية تُغلق حتى إشعار آخر

29 حزيران 2020

02 : 00

ما بقي في البرادات
ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء في السوق اللبناني لتصل إلى 45 ألف ليرة لبنانية لكيلو لحم البقر الواحد و60 ألف ليرة لكيلو لحم الغنم على رغم تراجع الطلب من جانب المواطنين مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى حيث كان يتراوح سعر الكيلو حينها بين الـ15 والـ20 ألف ليرة.




بدأت تداعيات تهاوي سعر صرف الليرة وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين تظهر، وبعد معاناة دامت أشهراً، قرر "تجمع اللحامين في الضاحية الجنوبية لبيروت" اقفال ملاحمهم حتى اشعار آخر.

وفي جولة ميدانية، في بعض أحياء الضاحية، تبين أن أكثرية المحال مقفلة أو تواجه خطر الإفلاس. ففي منطقة حارة حريك وحدها هناك حوالى 60 ملحمة من أصل 147 من الملاحم قد التزمت بهذا الإغلاق نظراً لعدم قدرتها على الإستمرار. وكتب أحدهم على واجهة محله "الملحمة مقفلة مش بس بسبب الدولار بل لأنه في حرامية سرقوا البلد". وبعض من اختاروا عدم الإقفال قالوا لـ"نداء الوطن" إنه ما زال لديهم كمية صغيرة من اللحوم وسيعمدون الى بيعها ويقفلون محالهم. متوقعين أنه مع مطلع الأسبوع المقبل لن تكون هناك ملحمة فاتحة أبوابها لا في الضاحية ولا في غيرها من المناطق لان الأسعار تفوق القدرة الشرائية للمواطنين.



حرامية سرقوا البلد



اللحمة "ألماس"

"بسبب الأوضاع الإقتصادية الراهنة ستضطر "ملحمة النّعيم" إلى الإغلاق بعدما كانت بخدمة الناس منذ أكثر من 55 عاماً". ألصق هذا البيان على براد اللحمة لأحد الملاحم في الضاحية الجنوبية لبيروت وبغصّة ودمعة قال اللحام جمال العوض لـ"نداء الوطن": "ستتحول اللحمة إلى "ألماس" في هذه المرحلة وستتبدل الأنماط الاستهلاكية للّبنانيين، وسيتحوّل ما كان من الضروريات اليومية، إلى كماليات وأمنيات ويبدو أننا سنستغني عن البروتين الحيواني "اللحوم" بسبب ارتفاع الأسعار إلى حد جنوني. فقد ارتفعت أسعار المواشي الحية (من الأبقار) ليتخطى سعر "العجل القائم" مثلاً، الأسبوع الماضي، الـ 10 ملايين ليرة بدلاً من مليونين وخمسمائة ألف ليرة سابقاً".

شكا العوض من تزايد خسائره في خلال الأشهر الماضية نتيجة الركود، مشدداً على أن اللحامين يعانون جداً جراء هذه الأزمة، مرجعاً سببها إلى عدم قدرة الناس على الشراء. ويكمل "لبنان يسير على حافة الهاوية، والدولرة والتدني غير المسبوق في قيمة العملة الوطنية قد أضرّا بمصلحتنا كقصابين، إذ يمتنع المواطنون عن شراء اللحم إلا عند الضرورة والحاجة، ناهيك عن بعض حالات الفقر المدقع التي تصادفنا بشكل يومي". ويتابع "عيب احكي" ولكن "كل يوم هناك نساء يطلبن لحمة بألف ليرة أو ألفين أو بعض العظام فقط لتطعيم الطبخة في حين أن الوقية بـ8000 ليرة لبنانية، أي أن ما يطلبنه لا يساوي قطعة بسيطة من اللحم. ويطلبنها بصوت منخفض وخجول يدعوني لإعطائهم من غلة النهار لحمة. كما منهن من يطلب مني عدم رمي اي عظمة أو أي دهون ولو كانت غير صالحة للشراء. الوضع مخيف جداً، ومُحزن أن نرى أبناء الوطن يعانون بهذا الشكل"



اللحام جمال العوض



ويلفت العوض إلى أن "الفقر والعوز اللذين يعيشهما اللبنانيون حالياً لا يمكن وصفهما عبر الكلام، واللحم بات أمنية للبعض حالياً وسيصبح قريباً حلماً للجميع، هذا اذا لم تقفل جميع الملاحم في لبنان خاصة بعد التراجع الكبير بسعر الليرة اللبنانية التي خسرت ثلثي قيمتها خلال العام الجاري وتعدى سعر الدولار الـ 7000 ليرة لبنانية" مؤكداً أن الركود سيبلغ مستويات خانقة، ما سيؤثر على كل شيء وليس على اللحوم فحسب وبات الشعب اللبناني اليوم يواجه صعوبات حتى في شراء الخبز. ومن جهتي سأقفل في مطلع الأسبوع ما إن أبيع المتبقي من اللحمة في ملحمتي".



نقابة القصابين وتجار المواشي برئاسة معروف بكداش وأعضائها



موقف النقابة

وأرجع معروف عبدالرحمن بكداش، نقيب القصابين وتجار المواشي في لبنان، ارتفاع أسعار اللحوم البلدية إلى الإرتفاع المتواصل في قيمة الدولار مقابل الليرة بالتوازي مع ارتفاع سعر المواشي المستوردة، كذلك تردّي الأوضاع الاقتصادية الذي ينعكس على القدرة الشرائية لغالبية فئات الشعب. وأضاف في تصريح لـ"نداء الوطن" أن الجزارين اللبنانيين يعانون الآن من حركة ركود غير مسبوقة مع انخفاض مبيعات اللحوم في بعض المناطق بمعدلات بلغت 70% مؤكداً أن المسالخ في البلاد، من الشمال إلى الجنوب، تضررت كذلك الأمر، وبعد أن كان بعضها يذبح بين الـ22 إلى الـ25 رأساً بشكل يومي، صار يذبح بين 2 و4 رؤوس فقط. وأشار إلى أن الطلب على اللحوم المستوردة كان منخفضاً جداً خلال الشهرين الماضيين، بسبب ضعف الطلب من الفنادق والقرى السياحية والمطاعم، ولا سيما أن تلك الجهات هي الأكثر طلباً للحم المذبوح "طازة". كما توقع توقف الطلب كلياً على اللحوم في خلال الأيام المتبقية من الشهر الحالي مع وصول سعر صرف الليرة إلى مستويات غير مسبوقة، مع استمرار وتيرة الأسعار الحالية في الأسواق. وأكّد أنه يحاول مناشدة اللحامين بعدم الإقفال والتحمّل ولكن في النهاية لا يمكنه أن يفرض الخسارة على أحد وقد اضطر أكثر من 35% من أصحاب الملاحم الى الإقفال "مُكرهين" فلا أحد يحب أن يخسر مصدر رزقه. إلا أن "مصادر الرزق باتت مصادر استنزاف".



سنضطر الى الإقفال



وأضاف بكداش "سأجتمع بالتجار والمستوردين نهار الثلثاء المقبل لمناقشة أوضاعنا وكي نرفع للحكومة تقريراً عن وضع القطاع نفصل فيه آخر شحناتها التي سنقدمها كما سنطالبها وبخاصة وزارة الإقتصاد بدعم قطاعنا، فما قدمه الوزير راوول نعمة من دعم للأعلاف، يعود للبقر الحلوب التي لا تُذبح بل في الحقيقة يتم تهريبها إلى سوريا. وهي سياسة خاطئة جداً. فنحن نستورد المواشي المخصصة للذبح من الخارج وبالتالي دعم الأعلاف لا ينفع في تخفيض سعر اللحوم بل تخفيض سعر الحليب. كما أن المواشي التي نستوردها تذهب للذبح الفوري وليس للتخزين، وبالتالي ما لم يتم دعم القطاع، سنضطر إلى التوقف عن الإستيراد لانعدام وجود السوق التصريفي، وبالتالي، إن حصل ذلك، لن يكون هناك مخزون من اللحوم يكفي الاستهلاك لمدة تزيد عن أسبوع واحد من موعد وصول آخر باخرة أو شحنة، وقطاعنا سيقفل أو سيسجل كيلو اللحم سعراً غير منطقي يصل إلى 100 ألف ليرة. ولكن، نحن لا نريد ذلك للبنان ولا نريد ذلك لقطاعنا ولا لتجارتنا ونأمل الحصول على انتباه الجهات المعنية قبل فوات الأوان لأننا حالياً نعمل "باللحم الحي" كما يقال". وأشار إلى أن حالات الصعود والهبوط في أسواق المواشي كانت معتادة، لكن الركود هذه المرة امتد لفترة طويلة على غير المعتاد، الأمر الذي أدى إلى محاصرة الديون لغالبية التجار والقصابين".

وتخوف بكداش من توجه المواطنين لشراء اللحم المثلج المستورد وما يسمى بـ"الهندي" أو "الجاموسي" لسعره المنخفض الذي يتراوح بين 20 أو 25 ألفاً للكيلو بعد أن كان سعره 6000 ليرة. وهو غير جيد ويعتبر مغشوشاً ومخالفاً للمعايير" وختم "كان من المفترض وضع استراتيجية شاملة للحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين واعتبار اللحوم من المواد الأساسية للدعم، فاللحوم للمواطن اللبناني ليست من الكماليات بل الأساسيات ولا يمكن لأحد تجاهلها أو التذرع بوجود عدة أنواع للحوم، فنحن نستورد المواشي، والبديهي أن يتم ضخ العملة الصعبة في الأسواق وتوسيع رقعة الإفادة من الدولار المدعوم ليشمل المواشي المستوردة للذبح، وبعدها طبعاً مراقبة أي احتكار أو منافسة غير شرعية وهو ما لا يحصل في قطاعنا. فأسعارنا لم تختلف بل سعر الليرة مقابل تسعيرة الدولار هو الذي اختلف".