تحذير من معدّلات جوع قياسيّة في سوريا

دمشق تفسخ عقود شركات مخلوف في الأسواق الحرّة

02 : 00

عدد السوريين الذين يُعانون من انعدام الأمن الغذائي ارتفع بنسبة 42 في المئة منذ العام الماضي (أ ف ب)

في حلقة جديدة من سلسلة إجراءات عدّة اتخذها نظام دمشق في صراعه المستمرّ منذ أشهر مع ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، أنهت وزارة الاقتصاد العمل بعقود ممنوحة لشركات يملكها رجل الأعمال رامي مخلوف لتشغيل الأسواق الحرّة.

ونشرت وزارة الاقتصاد أمس الأوّل عبر صفحتها الرسميّة على "فيسبوك" نسخة من القرار الذي تضمّن فسخ عقود مع شركات خاصة مستثمرة في الأسواق الحرّة في دمشق وطرطوس واللاذقيّة ومناطق أخرى، وعلى المعابر الحدوديّة مع لبنان والأردن، وتعود ملكيّتها وإداراتها لمخلوف.

وورد في القرار أن إنهاء العقود جاء بسبب "ثبوت اتخاذ مستثمر الأسواق الحرّة من منشآته وسيلة لتهريب البضائع والأموال"، في إشارة ضمنيّة إلى مخلوف الذي يُعدّ أحد أعمدة الاقتصاد السوري وكان من أبرز داعمي النظام، وهو مستثمر الأسواق الحرّة في سوريا.

ويخوض مخلوف (51 عاماً) "صراع عروش" مع النظام السوري المتمثّل خصوصاً بالأسد وعقيلته أسماء الأخرس، منذ أن وضعت دمشق في صيف 2019 يدها على "جمعيّة البستان" التي يرأسها، والتي شكّلت "الواجهة الإنسانيّة" لأعماله خلال سنوات النزاع الدموي. كما حلّت دمشق مجموعات مسلّحة مرتبطة به.

وأصدرت الحكومة السوريّة في كانون الأوّل الماضي، سلسلة قرارات بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من كبار رجال الأعمال، بينهم مخلوف وزوجته وشركاؤه. واتُهم هؤلاء بالتهرّب الضريبي والحصول على أرباح غير قانونيّة خلال الحرب المستمرّة منذ 2011.

وبعد سنوات بقي فيها بعيداً من الأضواء، خرج مخلوف إلى العلن في سلسلة مقاطع مصوّرة وبيانات أثارت ضجّة واسعة، نشرها تباعاً منذ أواخر نيسان، ووجّه خلالها انتقادات حادة للسلطات التي اعتبر أنّها تسعى إلى الإطاحة به. وطلب فيها من الأسد التدخّل لإنقاذ "سيرياتل"، شركة الاتصالات العملاقة التي يملكها، من الإنهيار، بعدما طالبته الحكومة بتسديد نحو 180 مليون دولار كجزء من مستحقّات للخزينة.

كذلك، أصدرت وزارة العدل في أيّار قراراً منعته بموجبه من السفر بشكل موَقّت بسبب أموال مستحقّة للدولة. ويتربّع مخلوف، الذي تُقدّر ثروته بمليارات الدولارات، على رأس إمبراطوريّة اقتصاديّة تشمل أعمالاً في قطاع الاتصالات والكهرباء والعقارات. فهو يرأس مجموعة "سيرياتل"، التي تملك نحو 70 في المئة من سوق الاتصالات في سوريا. كما يمتلك غالبيّة الأسهم في شركات عدّة، أبرزها شركة "شام القابضة" و"راماك للاستثمار".

ويتزامن التوتر بين مخلوف والنظام، في وقت تشهد سوريا فيه أزمة اقتصاديّة - اجتماعيّة حادة وتراجعاً غير مسبوق في قيمة الليرة، هذا فضلاً عن العقوبات الأميركيّة التي دخلت حيّز التنفيذ الشهر الحالي بموجب قانون "قيصر"، بحيث شملت الحزمة الأولى من العقوبات الجديدة 39 شخصاً أو كياناً، بينهم الأسد وزوجته أسماء، وشركتان يملكهما مخلوف.

وفي سياق تدهور الأحوال المعيشيّة في "بلاد الشام"، حذّرت منظّمات إنسانيّة دوليّة من أن معدّلات الجوع في سوريا بلغت أرقاماً قياسيّة، داعيةً إلى تعزيز فرص وصول المساعدات وزيادة التمويل لملايين السوريين، عشية مؤتمر بروكسل للمانحين الدوليين وبينما تُطالب الأمم المتحدة بزيادة المساعدة العابرة للحدود. واعتبرت المنظّمات الدوليّة غير الحكوميّة في بيان مشترك أنّه بعد أكثر من 9 سنوات على النزاع، تراجعت حدّة القتال لكن "حال الطوارئ الإنسانيّة" لا تزال حادة.

وأوضح البيان، الذي وقّعت عليه منظّمات عدّة بينها المجلس النرويجي للاجئين و"أوكسفام" و"كير" و"ميرسي كوربس"، أنّه "حاليّاً، هناك نحو 9.3 ملايين سوريّ يأوون إلى أسرّتهم وهم جياع، وأكثر من مليونَيْن آخرَيْن معرّضون لمصير مماثل"، مشيراً إلى أن عدد السوريين الذين يُعانون من انعدام الأمن الغذائي ارتفع بنسبة 42 في المئة منذ العام الماضي.

وأضاف أن "ما يُقارب عقداً من الحرب دفع السوريين إلى دوّامة من اليأس والعوز تزداد سوءاً كلّ عام، والمساعدة الدوليّة مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى". كما رأت المنظّمات أنّه ما لم تتمّ زيادة التمويل والقدرة على إيصال المساعدات الإنسانيّة سيقترب الكثير من السوريين، بينهم اللاجئون في المنطقة، من حافة المجاعة، في حين حذّر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانيّة مارك لوكوك خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي من أن "المستويات الحاليّة للمساعدة عبر الحدود ليست كافية على الإطلاق". وأضاف لوكوك أن منطقة "الشمال الغربي لا تزال تُعاني أزمة إنسانيّة كبيرة ويجب تكثيف العمليّات عبر الحدود أكثر"، محذّراً كذلك من أن عدم تمديد ترخيص المساعدة عبر الحدود، الذي ينتهي مفعوله في العاشر من تموز، "سيتسبّب بمعاناة ووفيات"، فيما يُفتتح مؤتمر بروكسل الرابع، الذي يستضيفه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، اليوم، لدعم المحتاجين للمساعدات الإنسانيّة في سوريا وخارجها والمجتمعات المضيفة في الدول المجاورة.

على صعيد آخر، شهدت بلدة صيدا في الريف الشرقي لمحافظة درعا أمس توتراً أمنيّاً على خلفيّة قيام مسلّحين من "اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس" المدعوم من قِبل روسيا، بتمزيق صور الأسد احتجاجاً على مقتل عنصرَيْن من "الفيلق الخامس". وكانت قد خرجت مساء الأحد تظاهرة حاشدة في مدينة طفس في ريف درعا، طالب المتظاهرون خلالها بإسقاط النظام وإخراج الميليشيات الإيرانيّة و"حزب الله" من البلاد.


MISS 3