أكرم حمدان

مطلب الصلاحيات الإستثنائية للحكومة ورفض بري "المطلق"

30 حزيران 2020

02 : 00

بري رفض الصلاحيات الإستثنائية منذ حكومة العام 1992 (حسن ابراهيم)

أثار طرح أو مطلب منح الحكومة صلاحيات إستثنائية، موجة من الإعتراضات والإنتقادات كما فتح مجالاً للمؤيدين للدفاع عنه، إلى جانب البحث في مدى دستورية هذا الطرح والربط بينه وبين السياسة في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها لبنان.

فهل تُعتبر هكذا طروحات "محاولة هروب من الفشل، وخفة ومراهقة سياسية فاضحة"، وفق توصيف بعض المصادر النيابية؟ أم أن الأزمة الحالية تفرض إعطاء هذه الصلاحيات لكي يُصبح لدى الحكومة الأدوات اللازمة للعمل وتحمل المسؤولية، عبر ترجمة خطتها في مراسيم إشتراعية إختصاراً للوقت الذي تستغرقه آليات عمل المجلس، وكذلك تفادياً للنزاعات السياسية بين الكتل النيابية التي قد تعيق إقرار أي قانون، إلى جانب فقدان ثقة الشعب بالقوى السياسية الرئيسية التي يتشكل منها مجلس النواب، وفق تبرير أصحاب أو مؤيدي هذا المطلب؟

وماذا عن الشق الدستوري في هذا المطلب بمعزل عن المواقف السياسية التي ربما تتغير لدى بعض القوى والكتل وفقاً لموقعها في الموالاة أو المعارضة؟

إن الصلاحيات الإستثنائية تعني أن يقوم مجلس النواب بالتصويت على قانون يجيز فيه لمجلس الوزراء إقرار مراسيم تدخل ضمن الحقل التشريعي، أي أن يقوم مجلس النواب بتفويض صلاحياته التشريعية في مواضيع محددة وضمن فترة زمنية محدودة إلى السلطة التنفيذية.

وتقول مصادر حقوقية ودستورية "إن مجلس النواب يفوض الحكومة صلاحية التشريع بقانون يحدد فيه مجالات هذا التشريع وفترته الزمنية، ولا يُعتبر هذا التفويض تخلياً من مجلس النواب عن دوره، إذ يُمكنه أن يتدخل في كل مرة تتخطى الحكومة المجال المُعطى لها للتشريع ويُلغي المراسيم الإشتراعية التي تتخطى قانون التفويض".

وتضيف هذه المصادر: "إن مبدأ فصل السلطات لا يمنع مجلس النواب، وهو إحدى السلطات الدستورية، من أن يفوض الحكومة وهي سلطة دستورية أخرى بإصدار تشريعات في مواضيع محددة وخلال مدة محدودة، إذ إن الأمر جزء من التعاون بين السلطات، وقد نصت مقدمة الدستور على التعاون بين السلطات على رغم فصلها".

وترى المصادر أن "هذه الحكومة كان يجب أن تطلب في بيانها الوزاري من مجلــس الــنواب صلاحيـــــات تشريعيـــــة إسـتثنائية في 3 مجالات مهمة وملحة هي: مكافحة الفساد، إستقلالية القضاء وقانون الإنتخاب".

بري والرفض المطلق

وأعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أكثر من مرة رفضه تفويض الحكومة بصلاحيات تشريعية، معتبراً أن ذلك يعد مخالفة دستورية إذ لا يحق للسلطة التشريعية تفويض صلاحياتها إلى سلطة أخرى من دون نص دستوري صريح.

وموقف رئيس المجلس ليس جديداً كونه رفض الصلاحيات الإستثنائية منذ حكومة الرئيس رفيق الحريري الأولى سنة 1992، وهو شدد على الأمر بعد تجديد إنتخابه سنة 2005 قائلاً في خطابه أمام المجلس: "إننا في العهود البرلمانية الثلاثة تصدينا لكل محاولة جرت لمنح صلاحيات إستثنائية لأي من الحكومات، وقاومنا كما لم يفعل أي مجلس على مساحة الديموقراطيات المعاصرة كل محاولة لتهميش المجلس".

وفي أول جلسة تشريعية للمجلس النيابي بعد الإنتخابات الأخيرة العام 2018، رفض بري إعطاء حكومة الرئيس سعد الحريري أي صلاحيات إستثنائية للتشريع في ملف النفايات. وقال: "أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم نعط الحكومة صلاحيات إستثنائية في مجال التشريع، ولن نعطيها الآن".

وكرّر بري الموقف نفسه أمام وفد مجلس نقابة الصحافة خلال مشاورات تشكيل الحكومة الحالية في 13 كانون الثاني 2020، حيث قال: "ليس وارداً عندي إعطاء صلاحيات إستثنائية لأي حكومة، الرئيس الشهيد رفيق الحريري طالب بذلك ورفضت، فطالما أن المجلس النيابي قادر ومستعد لتلبية عمل الحكومة فلماذا الصلاحيات الإستثنائية، وطالما المجلس الحالي وكافة لجانه تعمل بنشاط، لماذا الإصرار على صلاحيات إستثنائية؟".

وتقول مصادر نيابية معنية إن هذا الأمر مرفوض من حيث المبدأ، كلياً من قبل بري، ولا يسمح على الإطلاق بالمس بالمجلس النيابي، أو الإيحاء بأنه مقصر أو متقاعس تحت أي عنوان.

صلاحيات إستثنائية في التاريخ

وعرف لبنان ظاهرة المراسيم الإشتراعية منذ العام 1929 عندما منح مجلس النواب حكومة إميل إده صلاحيات إستثنائية لتنظيم إدارات الدولة، وتكرر هذا الأمر أكثر من مرة بعد الإستقلال حيث صدرت سلسلة من القوانين بموجب مراسيم إشتراعية كقانون التفويض الذي صدر في 15 تشرين الأول 1952 في بداية عهد الرئيس كميل شمعون، والذي نص على "منح المرأة حقوقها السياسية" وكذلك المراسيم الإشتراعية التي صدرت في بداية عهد الرئيس فؤاد شهاب سنة 1959، والتي وضعت الأسس القانونية التي تقوم عليها الإدارة العامة اللبنانية حتى اليوم.

وتطرق مجلس شورى الدولة لأول مرة لمسألة المراسيم الإشتراعية سنة 1955، معتبراً أنه"ليس في الدستور اللبناني أي نص يمنع على السلطة التشريعية أن تفوض إلى الحكومة إتخاذ تدابير تشريعية بموجب سلطتها التنظيمية، في مواجهة الحالات المستعجلة والأزمات الطارئة والنهوض بالأوضاع القائمة" (قرار رقم 522 تاريخ 9/11/1955).

والملفت أن منح الحكومة حق التشريع قائم حتى اليوم في مجال واحد فقط وهو الحقل الجمركي إذ صدرت قوانين عدة بعد العام 1990 تخول الحكومة التشريع في الحقل الجمركي كان آخرها القانون رقم 93 تاريخ 10 تشرين الأول 2018 والذي منح الحكومة لمدة خمس سنوات "حق التشريع في الحقل الجمركي بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء".

تجدر الإشارة إلى أن المراسيم الإشتراعية تبقى قبل تصديقها من مجلس النواب أعمالاً إدارية قابلة للطعن أمام مجلس شورى الدولة، بينما لو صدرت بقانون عادي ولم يتم الطعن بها أمام المجلس الدستوري ضمن المهل القانونية تصبح محصنة ضد أي طعن.