مارلين لاروييل

جميع الخيارات واردة أمام بوتين بعد التعديلات الدستورية

1 تموز 2020

المصدر: Russia Matters

02 : 00

في 1 تموز، سيصوّت المواطنون الروس للمصادقة على التعديلات التي اقترحها فلاديمير بوتين في كانون الثاني الماضي للدستور الصادر في العام 1993. كان يُفترض أن يحصل التصويت في نيسان لكن تأجّل هذا الاستحقاق حتى فصل الصيف بسبب أزمة فيروس كورونا. في حال المصادقة على التعديلات، سيتمكن بوتين من البقاء في السلطة بعد نهاية ولايته الثانية المتتالية (من أصل أربعة عهود رئاسية إجمالية)، حتى العام 2036 على الأرجح، وسيبلغ حينها 84 عاماً. حصدت هذه المقاربة المبنية على مبدأ "رئيس مدى الحياة" انتقادات واسعة من الغرب وبعض الأوساط في روسيا. لكنّ هذا الخيار هو جزء بسيط من خيارات أخرى: قد يستعمل الرئيس الروسي المرحلة المقبلة لتسليم السلطة إلى شخص آخر من دون أن ينتظر انتهاء ولايته. تهدف هذه الاستراتيجية في الأساس إلى إبقاء جميع الاحتمالات واردة أمام بوتين والبلد ككل.

تكشف التعديلات المرتقبة عن تعدد الخيارات المستقبلية في روسيا، فقد تُمهّد لنشوء نظام أكثر ديمقراطية أو تنسف هذا الاحتمال بالكامل، كما أنها تدعم أجندة مبنية على قيم المحافظين لكنها ترفض في الوقت نفسه القوى الرجعية الأكثر تشدداً. تختلف التفسيرات التي يعطيها المراقبون لهذه التطورات، لكنّ الأمر المؤكد هو أن التعديلات الدستورية تهدف إلى ترسيخ سيادة روسيا أو عزلها عن الساحة الدولية وتوجيه البلد نحو الاتكال على نفسه.

إشارات متناقضة

يدرك معظم اللاعبين السياسيين أن النظام الروسي بشكله الحالي يحتاج إلى التغيير للحفاظ على شرعيته، لكنّ أي تحوّل مرتقب يتأجّل دوماً إلى ما بعد عهد بوتين. تحمل لائحة التعديلات الدستورية رسائل مختلطة حول التحولات السياسية المستقبلية، فهي تُلمِح إلى احتمال تقوية المؤسسات التمثيلية تزامناً مع تعزيز "السلطة العمودية".

تدعو التعديلات مثلاً إلى تقليص سلطة الرئيس لصالح البرلمان. سيكسب مجلس الدوما صلاحيات إضافية لتشكيل الحكومة ويستطيع رفض ترشّح رئيس البلاد لمنصب رئاسة الحكومة. كذلك، سيخسر الرئيس قدرته على رفض المرشحين للمشاركة في الحكومة، فتنحصر هذه الصلاحية برئيس الوزراء الذي يحتاج إلى نيل موافقة البرلمان. أما مجلس الاتحاد الروسي، فيمكن استشارته لاختيار المرشحين لمناصب أمنية أساسية، مثل منصب وزير الدفاع. على صعيد آخر، سيقتصر العهد الرئاسي على ولايتين، حتى لو لم تكونا متلاحقتين، بعد عهد بوتين طبعاً. بفضل هذه السلسلة من التعديلات، يكتسب النظام طابعاً مؤسسياً منتظراً منذ وقت طويل، ما يُمهّد لنشوء نظام برلماني أكثر مما هو رئاسي، أقلّه على الورق، ما يعني أنه يعترف بتعددية الآراء السياسية.

لكن تُرسّخ تعديلات أخرى مفهوم "السلطة العمودية" وتُشدد على مركزية صنع القرار. ستتغير معالم مجلس الدولة الاستشاري والشكلي حتى الآن بموجب تلك التعديلات. حتى أنه سيحصل على صلاحيات بارزة تحت إشراف الرئيس، منها تحديد الوجهات الرئيسية للسياسات الروسية الداخلية والخارجية. نتيجةً لذلك، قد تقتصر مهام الحكومة على إدارة السياسات المعمول بها. سيكون مجلس الدولة حينها موازياً للحكومة لكن من دون تمثيل أو محاسبة.

اعتبر الكثيرون مجلس الدولة بصلاحياته المضاعفة مؤسسة تناسب بوتين في حال ترك الرئاسة لكنه يرغب في استرجاع السيطرة على مستقبل البلد، كما فعل نور سلطان نزارباييف في كازاخستان. يستطيع نزارباييف، بصفته رئيس مجلس الدولة، أن يعيّن معظم وزراء الحكومة وحده وهو يرأس قوات الأمن على اختلافها ويوجّه حكّام المناطق.

كذلك، يبدو أن بوتين هو المستفيد من الخطة الرامية إلى إدراج امتيازات جميع الرؤساء الروس السابقين في الدستور المبني حتى الآن على القانون الفدرالي من العام 2001. إذا ترك بوتين منصبه أو اضطر لتركه، سيحميه هذا التعديل الجديد من الملاحقة القضائية في ملفات الفساد والاختلاس المزعومة.

كيف يمكن تفسير هذه التعديلات المتناقضة؟ لا شك في أن المفارقات تشكّل جزءاً من القوى الكامنة وراء صمود النظام الروسي. لم يكن هذا النظام بنية جامدة يوماً بل إنه يتابع إثبات قدرته المبهرة على التكيّف مع الظروف المستجدة والبيئات الجيوسياسية الصعبة. كما أنه لا يزال بناءً مرناً ومتخصصاً ويستطيع التحرك في اتجاهات مختلفة. قد ينحني لكنه لا ينكسر! تفتح التعديلات الجديدة المجال أمام مستقبلَين مختلفَين في روسيا: الأول له طابع برلماني وتعددي، والثاني له طابع مركزي وقد يخضع على الأرجح لسلطة الأجهزة الأمنية.

يرتبط تعديلان مهمان في الدستور بتعزيز سيادة روسيا ضد ما يُسمّى "النظام العالمي الليبرالي". أولاً، تعطي التعديلات الأسبقية للقانون الروسي بدل المعاهدات والواجبات الدولية. ينص الدستور الحالي أصلاً على إعطاء الأولوية للقانون المحلي، لكنّ التعديل يحمل قيمة رمزية في معظمها، ما يعني أنه يوجّه رسالة إلى نظام العدالة الدولي. سبق وسحبت موسكو توقيعها من المحكمة الجنائية الدولية في العام 2016، وهي تُهدد دوماً بالانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان أو حتى المجلس الأوروبي. تريد موسكو أن تؤكد بكل قوة على أنها غير مُلزَمة بالقوانين الدولية إذا كانت تتعارض مع مصالحها الوطنية.

ثانياً، يمنع الدستور المُعدّل أي تحرك يدعم "فصل الأراضي"، بما في ذلك الدعوات إلى التجزئة. لا تواجه روسيا أي مخاطر إضافية بتقسيم الأراضي، كما حصل خلال التسعينات، لكن يستهدف التعديل بكل وضوح شبه جزيرة القرم من دون تسميتها مباشرةً، فضلاً عن جزيرتَي "كالينينغراد" و"كوريل". بالتالي، ستُعتبر أي خطوة أو دعوة إلى إعادة دمج شبه جزيرة القرم مع أوكرانيا مخالِفة للدستور. يهدف هذا البند إذاً إلى جعل ضم الجزيرة قراراً نهائياً وغير قابل للتغيير.





بين الدولة والمجتمع

من بين جميع التدابير التي تعلن عنها التعديلات، تُعتبر الحزمة الاجتماعية أهم نقطة جاذبة لعامة الناس. ركّزت الحملة الدعائية الواسعة على واجب الدولة بتنفيذ عدد من الأحكام الاجتماعية، بما في ذلك تنظيم معاشات التقاعد والفوائد الاجتماعية للتضخم، وجعل الحد الأدنى للأجور فوق خط الفقر أو بمستواه، بهدف كسب الدعم الشعبي للإصلاح الدستوري. لكن تبقى التعديلات متواضعة وتستهدف أفقر الناس، أي من يتكلون بشكلٍ أساسي على إعانات الدولة.

طوال سنوات، ارتكز العقد الاجتماعي بين الدولة الروسية ومواطنيها على تحسين مستوى المعيشة مقابل دعم النظام وامتناع المواطنين عن التدخل في السياسة. لكن منذ العام 2014، تغيّرت طبيعة العقد الاجتماعي بسبب انهيار أسعار النفط وأثر العقوبات بعد ضم شبه جزيرة القرم ودعم الحرب في "دونباس": لم يعد ذلك العقد يتمحور حول تحسين نوعية الحياة بل الحفاظ على المكتسبات حتى هذه المرحلة.

لكن يصعب تنفيذ تلك الوعود بعد الركود الحالي المرتبط بوباء "كوفيد-19". حتى الآن، بقيت الحزمة الاقتصادية المخصصة للقطاع الخاص غداة تدابير الإقفال التام محدودة لأن الحكومة تقاوم الضغوط التي تدعوها إلى زيادة الإنفاق. هي خصّصت بعض المنافع الاجتماعية الجديدة للعائلات التي تشمل الأولاد والعاطلين عن العمل وبعض العلاوات للطاقم الطبي، فضلاً عن قرارات مختلفة لتعليق تسديد القروض والمدفوعات موقتاً. لكن تستطيع الحكومة أن تقدّم دعماً يتجاوز مبلغ 300 مليار روبل المُخطط له عند الحاجة. موسكو قادرة على تحمّل كلفة بعض الديون لمتابعة تعويم الاقتصاد بفضل سياستها المالية المحافِظة واحتياطياتها الدولية التي تصل قيمتها إلى 560 مليار دولار. لكن تستهدف الأحكام الاجتماعية الواردة في التعديلات أفقر الطبقات والمتقاعدين، ما يثبت أن النظام فقد الأمل في إرضاء الطبقات الوسطى في المدن.


من المستبعد ألا تُقَرّ التعديلات الدستورية خلال "الاستفتاء" المرتقب. في بداية شهر حزيران، كشفت استطلاعات مركز "ليفادا" أن 44% من المشاركين يؤيدون تلك التعديلات، بينما يرفضها 32% منهم. وفي 23 حزيران، قبل يوم من احتفالات "يوم النصر" المؤجّلة، توقّع المركز الاجتماعي VTsIOM أن تتراوح نسبة مؤيدي التعديلات بين 67 و71%.

لكن يهتم النظام بشكلٍ أساسي بمستوى المشاركة (لا يفرض الدستور هذا النوع من التصويت الشعبي). حتى الآن، تشير تقديرات VTsIOM و"ليفادا" إلى ارتفاع نسبة المشاركة ومن المتوقع أن تصل إلى حدود 66 أو 67%. لكسب الدعم الشعبي، خاطب الرئيس الشعب طوال ساعة تقريباً وشرح التعديلات الدستورية وضرورة أن يشارك المواطنون في التصويت. أصبحت شرعية بوتين على المحك فيما يكثّف الشعب انتقاده للنخبة السياسية وتتوسّع مخاوفه على الاستقرار الاقتصادي. كذلك، تراجعت الثقة بالرئيس بشكلٍ ملحوظ. حين سُئل المشاركون في استطلاع مركز "ليفادا" عن خمسة سياسيين روس يثقون بهم من أصل ستة، ذكر 25% منهم فقط اسم بوتين (مقارنةً بـ60% في العام 2017، وأكثر من 80% بين العامين 2014 و2015). أخيراً، عبّر أكثر من ربع المواطنين عن استعدادهم للمشاركة في الاحتجاجات الشعبية.

لن يترافق تعديل الدستور على الأرجح مع عواقب ملموسة في مجال السياسة الخارجية الروسية، بل إنه سيعزز النزعات القائمة أصلاً عبر إدراجها في القانون الأعلى المحلي. لقد ترسّخت جميع القواعد الإيديولوجية التي يرتكز عليها نظام بوتين، أي القيم التقليدية، والوطنية، والدين، والسيادة أو العزلة، والمركزية. كذلك، أصبح تخصيص إعانات الدولة لدعم أفقر الناس (أي الأغلبية الصامتة التي تؤيد بوتين) جزءاً من الاستراتيجيات الاجتماعية والاقتصادية التي تطبّقها السلطات في السنوات الأخيرة، تزامناً مع تجاهل الطبقات الوسطى في المدن لأن النظام فَقَد الأمل منها. باختصار، تُمهّد التحولات السياسية لنشوء نظام برلماني أو ترسيخ السلطة العمودية عن طريق مجلس الدولة، وهي تطرح ابتكارات مؤسسية تجعل جميع الاحتمالات واردة في روسيا مستقبلاً بعد عهد بوتين.


MISS 3