روي أبو زيد

حملة "من القلب للقلب" لمساعدة العائلات الأكثر فقراً... "ببوس إجريكن ما بدي شي بس بعتولي حليب لأولادي"

1 تموز 2020

02 : 00

-"يا ابني ما بقا قادرة، ببيع بيتي وكل شي بملكو وبقعد عالطريق بس لأمّن مجمع حليب لأولادي".

- "إبني عمرو سنة وعم بعطي حليب بسعر رخيص للكبار، برخّيلو ياه بالمي بس لما يوجعو بطنو".

-"رضيعي عمرو 9 أشهر، رضع لعمر الست أشهر من حليبي اللي جفّ وكمّلتلّو من بعدا أعطيه حليب للكبار، بس حتى حليب الكبار غلي وما عدت قادرة إشتريلو أي كيس حليب".

وحين سألناها ما نوع الحليب الذي تريدين أن تعطيه لابنك ابتسمت وقالت:

"بصراحة ما بعرف شو بدي أعطي حليب... اعطوا اللي بدكن ياه"!

"ببسلكن إجريكن ما بدي شي بس بعتولي حليب لأولادي".

"الله يخليكن، اعطوني حفاضات وبعدين حليب. عندي توأم وعم حفّضن بكياس نيلون وقماش".

علا صوت الوجع، الفقر يعضّ اللبنانيين بأنيابه الموجعة وأصبح هؤلاء يعيشون في دوامة الفقر والجوع. وجوه مسح الحزن ملامحها وعيون ذابلة، طالبة، خجولة ودامعة.

لكنّ الإنسانية تبقى العنوان العريض والأساسي في حياة الكثيرين الذين يهبّون لمساعدة إخوتهم في الإنسانية، بمعزل عن دينهم أو عرقهم أو لونهم. وتأتي حملة "من القلب للقلب" لترطيب صحاري هؤلاء الشاسعة وإضفاء القليل من الأمل في ظلّ الألم الذي يعيشونه.





وتشير مؤسسة الحملة المحامية سوزان مهنّا في حديث الى "نداء الوطن" الى أنّ "الحملة بدأت في 15 آذار الفائت في ظلّ انتشار فيروس "كورونا" وتوسّع هوّة الفقر والعوز في العائلات اللبنانية".

وتضيف أنّ "الفكرة بدأت عائلية وتوسّعت بعد تلقّي مساعدات أصحاب الأيدي البيضاء"، مردفة "أننا بدأنا توزيع 400 حصّة غذائية لتتوسّع دائرة المساعدات وتطال المناطق اللبنانية كافّة".

"خلال التوزيع علت الصرخات مطالبةً بتأمين الحليب وهكذا حصل، حاولتُ تأمينه مع الحفاضات وتوزيعه على الأمهات المحتاجة"، تؤكد مهنا.

وتقول: "رحتُ أجمع لوائح الأسماء من خلال طلبات المساعدة التي تردني عبر "ماسنجر" و"فيسبوك" و"واتساب" والهاتف. تطوّع بعض الشباب لتوزيع الحصص الغذائية وأهمها الحليب والمواد الاساسية، علماً أنّ البعض منهم عراقيّ الجنسية وليسوا كلّهم لبنانيين". وتؤكد مهنا: "لم أعد أدقّق كثيراً في حالة الناس الإقتصادية، إذ من يطلب كيس حفاضات بـ 15 ألف ليرة لن يكون وضعه المالي جيّداً!"، مضيفة أنّ "تأمين الحليب كان صعباً خصوصاً وأنه يختلف من ولد الى آخر: Antireflus, lactose free".

وتوضح أنّ "98 بالمئة من التبرعات مصدرها من الأصدقاء المغتربين، خصوصاً وأنّ المساعدات قد خفّت داخلياً مع تردي الأوضاع الإقتصادية".

"وجع الناس ودعواتهم لي هما الدافع الأساسي لاستكمال مهمّتي بالرغم من العقبات التي أصادفها"، تشير مهنا، وتضيف:"طالما أنّ الله يرزقنا سنتابع مهمّتنا. فلس الأرملة مهمّ جداً خصوصاً وأنّ مصدره قلوب المحبين".

وتتوجّه مهنا الى الذين هم بحاجة بالقول: "نحن نقف الى جانبكم ونشدّ على يدكم. لا تخجلوا من الطلب، فأولادكم هم أولادنا، ودمعتهم هي الأغلى".

أما للبنانيين فتقول: "يستحق لبنان أن نتعاضد ونتكاتف. أنا حزينة على ما آلت إليه الأوضاع، لكنّ كلّ واحد منا يمكنه أن يمدّ يد المساعدة من موقعه. علينا أن نجعل أقوالنا مقترنة بالأفعال كي ندعم بعضنا البعض ونجعل وطنيّتنا تتغلّب على زواريبنا الضيّقة". وتعرب مهنا عن شكرها "للبنانيين الذين يعيشون في المهجر، إذ بفضلهم تستمر مهمّات المساعدة وما زالت بعض العائلات مستورة". وتلفت مهنا: "أشعر بوجع الأمهات لأنني أمّ بدوري. أتصدقّ أنني غيّرتُ نوعية كيس الحفاضات لابنتي، إذ بتّ أشتري لها علبة بـ20000 ليرة لبنانية بعد أن بات سعر كيس الحفاضات أكثر من 80000 ليرة لبنانية".

وتقول: "لاحظنا أخيراً نشوء بعض الصفحات على "فيسبوك" التي تقتضي مقايضة الناس أغراضها بعضها لبعض كي تؤمنّ حاجاتها الاساسية. على هؤلاء ألّا يخجلوا لأنهم يطالبون بتأمين لقمة عيش أو كوب حليب لأولادهم!"

ومع تآكل قدرتهم الشرائية وموجة الغلاء الجنونية، يلجأ لبنانيون إلى نظام المقايضة لتأمين احتياجاتهم الأساسية وسط أزمة معيشية خانقة. تعرض سيدة ثوباً مقابل الحصول على حليب وحفاضات لرضيعها بينما تودّ أخرى استبدال ثياب طفلتها بمواد غذائية.





ويعدّ الانهيار الاقتصادي، الذي يشهده لبنان منذ نحو عام، الأسوأ منذ عقود. ولم تستثن تداعياته أي فئة اجتماعية، وقد خسر عشرات الآلاف مصدر رزقهم أو جزءاً من مداخيلهم وسط موجة غلاء غير مسبوقة وارتفاع في معدلات الفقر.

وسجّلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً جنونياً تجاوز 72 في المئة من الخريف حتى نهاية أيار ، وفق جمعية حماية المستهلك غير الحكومية. ولامس سعر صرف الدولار في السوق السوداء الثمانية آلاف ليرة فيما السعر الرسمي لا يزال مثبتاً على 1507 ليرات. ومن كان راتبه يعادل 700 دولار الصيف الماضي، بات اليوم بالكاد يعادل 150 دولاراً.

وبحسب عاملين في منظمات إغاثية ومتطوعين، فإن عائلات كثيرة كانت قادرة على تأمين قوتها اليومي باتت اليوم عاجزة عن توفير أبسط المتطلبات من خبز وطعام ودواء مع خسارة أفرادها عملهم أو قدرتهم الشرائية. ويتوقّع خبراء اقتصاديون اضمحلال الطبقة الوسطى.

تقول الأم تريزا: "عندما نموت لن يسألنا الله عن كمية الأعمال الجيدة التي قمنا بها في حياتنا، بل سيسأل عن مقدار الحب الذي وضعناه في هذه الأعمال".

يبقى الحب هو الرابط الذي يجمع الناس في نهاية المطاف، لذا مفاعيل حملة "من القلب للقلب" وحملات كثر ستثمر خيراً ونوراً بالرغم من الظروف القاتمة التي تحيط بلبنان.


للتبرّع:

التواصل عبر" فيسبوك" على Facebook.com/menaleblalaleb

أو الإتصال على 70862612




MISS 3