أليكس وارد

الصين نقطة ضعف دونالد ترامب وجو بايدن

3 تموز 2020

المصدر: VOX

02 : 00

من المنتظر أن تصبح الصين أهم مسألة في مجال السياسة الخارجية خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2020. بدأ الجدل يحتدم منذ الآن حول أفضل حزب أو مرشّح للتعامل مع هذا البلد. برأي الرئيس دونالد ترامب، يتمحور العامل الأساسي حول تحديد الطرف "الأكثر صرامة". بناءً على هذا المفهوم، يظن ترامب طبعاً أنه يتفوق على خصومه. فهو أطلق حرباً تجارية ضد الصين وانتقدها بأسلوب لاذع بسبب تباطؤ تعاملها مع فيروس كورونا، ويستطيع أن يثبت أنه أعطى الأولوية للعلاقات الأميركية الصينية أكثر من أسلافه بكثير. في المقابل، يقول نائب الرئيس السابق جو بايدن إن مقاربة ترامب تجاه الصين ارتكزت بكل بساطة على "المواقف القوية والأفعال الضعيفة"، وفق واحد من كبار مستشاريه. لم تسمح الحرب التجارية برأيه بتقوية الاقتصاد الأميركي بعد، كما تعهد ترامب، ولم يتردد الرئيس أيضاً في التقرب من الزعيم الصيني شي جين بينغ.


لا يوضح بايدن ما سيفعله للتفوق على ترامب في هذا الملف، بل يكتفي بالتأكيد على تفوّقه عليه. لكن من الواضح أن بايدن يتجه إلى حشد حلفاء الأميركيين للتصدي لبكين، بعدما فضّل ترامب أن تتعامل الولايات المتحدة مع هذه المشكلة وحدها.

بعيداً من المسائل الداخلية، على غرار الاقتصاد ومحاربة فيروس كورونا، يبدو أن استمرار التفوق الأميركي على الصين في النظام العالمي سيتحول إلى نقطة خلافية كبرى، حتى أنه أصبح كذلك منذ الآن!

لا يريد أيٌّ من المرشحَين إبداء استعداده للتعاون مع أكبر شريكة تجارية للولايات المتحدة. في النهاية، تكشف استطلاعات الرأي العام أن المواقف الأميركية تجاه الصين تدهورت بدرجة كبيرة، فقد تبنّى السياسيون وخبراء السياسة الخارجية مقاربة أكثر عدائية تجاه بكين. تتعلق هذه المواقف فعلياً بسياسات الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال السنوات القليلة الماضية، واقتناع الولايات المتحدة بأن الصين لن تكتفي بمكانة متدنية على السلم الاقتصادي العالمي في المراحل المقبلة. عمد شي جين بينغ من جهته إلى احتجاز مسلمي الإيغور في معسكرات اعتقال، وطلب من جيشه سرقة ملايين البيانات الخاصة بالأميركيين، وصنّع مجموعة من الأسلحة الجديدة والخطيرة.

حتى لو أراد بايدن أن يتخذ مواقف أكثر تساهلاً من الصين، لن تكون هذه المقاربة مناسبة من الناحية السياسية نظراً إلى سجل ترامب في هذا الملف وسياسات شي جين بينغ، لأن جميع القادة في واشنطن ومعظم الأميركيين يوجهون انتقادات قوية ضد بكين في الوقت الراهن.

اليوم، لا تصبّ الإحصاءات في مصلحة الرئيس. أدت الحرب التجارية إلى تراجع قيمة الشركات الأميركية المدرجة في البورصة بمعدل تريليونَي دولار تقريباً، ومن المتوقع أن ينخفض دخل الأسرة بمعدل 600 دولار هذه السنة. كذلك، كان المزارعون يتمنون أن يعالج ترامب مشاكلهم لكن زادت ديونهم بنسبة قياسية تزامناً مع توسّع حالات الإفلاس.





لا تعني هذه المعطيات بالضرورة أن مؤيدي ترامب سينقلبون عليه، إذ تكشف استطلاعات الرأي أن المزارعين في "أيوا" وأماكن أخرى يدعمون موقف الرئيس المتشدد، لكن يظن آخرون أن مقاربته دمّرت سبل عيشهم.

يقول المزراع كريغ مير من "ويسكونسن": "دونالد ترامب هو أسوأ ما أصاب قطاع الزراعة في الولايات المتحدة على الإطلاق. توقفت الصين عن شراء فول الصويا منا وأخشى ألا نسترجع ذلك السوق مطلقاً. المزارعون يعانون بشدة في عهد الرئيس ترامب".

قد توضح هذه المشاعر ما جعل ترامب، بحسب ما ذكره جون بولتون في كتابه الجديد، يُحوّل المفاوضات التجارية مع شي جين بينغ إلى نقاش حول انتخابات العام 2020.

لكنّ ترامب وممثل التجارة الأميركية روبرت لايتهايزر الذي كان حاضراً خلال ذلك النقاش ينكران تلك الادعاءات. مع ذلك، يستطيع بايدن على ما يبدو أن يوجّه ضربات موجعة لترامب لكن لن تكون مهمته سهلة.

في هذا السياق، يقول إيلي راتنر، مستشار سابق لجو بايدن في مجال الأمن القومي في البيت الأبيض: "يحمل الديمقراطيون رسالة محورية مفادها أن الصين هي أكبر منافِسة للأميركيين لكنّ ترامب عزز المكانة الصينية مقابل إضعاف المكانة الأميركية على جميع المستويات. رغم المواقف المدوّية، كانت سياسة ترامب تجاه الصين فاشلة".

من المتوقع أن يُركّز الديمقراطيون إذاً على مسؤولية ترامب عن تراجع القدرة التنافسية الأميركية في وجه الصين في قطاعات كاملة مثل الاقتصاد، التكنولوجيا، التعليم والبيئة.

إذا استطاع بايدن أن يطرح هذه الحجج ويقوي تأثيرها في أوساط الرأي العام، قد يتمكن من التفوق على ترامب في موضوع الصين. لكن تبقى هذه المهمة صعبة لأن بايدن لديه نقاط ضعف كثيرة في الملف الصيني أيضاً ولا شك في أن ترامب سيستغلها لمصلحته.

يكتفي بايدن على مر حملته الانتخابية بالتشديد على اختلافه عن ترامب في ملف الصين. هو يتكلم عن الخبرة التي اكتسبها في مجال السياسة الخارجية طوال عقود، بما في ذلك السنوات الثماني التي أمضاها في البيت الأبيض، لتفسير ما يجعله أفضل مرشّح للتحكم بالعلاقة مع الصين في هذه المرحلة الدقيقة.

لكن يظن بعض الخبراء أنه سيجد صعوبة في إقناع الناس بهذه الحجة. توضح جون توفيل دراير، خبيرة في الشؤون الصينية في جامعة ميامي: "أظن أن موقف الديمقراطيين أضعف من الجمهوريين في الملف الصيني".

يتعلق الانتقاد الأساسي بامتناع بايدن عن اتخاذ أي خطوة ملموسة لكبح تنامي النفوذ الصيني عسكرياً واقتصادياً على مر عهدَين رئاسيّين، حين كان الرجل الثاني في إدارة أوباما. على المستوى العسكري، تقول دراير إن فريق أوباما، رغم التوجه نحو المحور الآسيوي لمجابهة الصين، لم يستعمل موارد كثيرة لتحقيق هذا الهدف بطريقة ملموسة. في العام 2015، تعهد شي جين بينغ في البيت الأبيض بأن تمتنع الصين عن تنفيذ تحركات عسكرية في الجزر الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي، أي المنطقة التي تطالب بها بكين لنفسها.

لكن خلال الأشهر اللاحقة، اتّضح أن الرئيس الصيني نكث بوعده، ما أدى إلى تصاعد الاضطرابات في تلك المساحات المائية وزيادة التوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها والصين. لا تزال تلك العمليات العسكرية مستمرة، وهي تطرح حتى الآن مشكلة عالقة يجب أن يعالجها ترامب أو بايدن.

على مستوى الاقتصاد والتجارة، يشعر فريق ترامب وبعض الخبراء بأن بايدن سيجد صعوبة في التعامل مع المسائل المطروحة.

في العام 2010، طلبت أبرز شركات بطاقات الائتمان، مثل Visa و Mastercard وAmerican Express، من ممثل التجارة في عهد أوباما أن يتحرك ضد الصين بعد إخراجها من السوق الصيني، مع أن بكين كانت قد تعهدت بفتح أسواقها لها بحلول العام 2006. لكن لم ينجح فريق أوباما في مساعيه واضطر ترامب للتعامل مع المشاكل العالقة خلال المفاوضات التجارية.





كذلك، يقول الخبراء إن البيت الأبيض في المراحل الأولى من عهد أوباما لم يجابه الصين رغم تلاعبها بنظام منظمة التجارة العالمية، فتابعت خداعها في العمليات التجارية على حساب الولايات المتحدة. لم تتخذ الإدارة الأميركية هذا الموضوع على محمل الجد قبل الولاية الثانية من عهد أوباما.

من المتوقع أن يستهدف ترامب بايدن شخصياً. لا شك في أنه سيتابع مهاجمته بسبب تعامل ابنه مع الصين رغم شح الأدلة على حصول عمليات احتيال. تجري لجنة برئاسة الجمهوريين في مجلس الشيوخ تحقيقاً بهذه القضية في الوقت الراهن.

هذه الحجج وسواها ستجبر بايدن على تحضير دفاع قوي لمصلحته. يعمل راتنر راهناً في "مركز الأمن الأميركي الجديد" في واشنطن وهو يطرح أفكاراً قد يستفيد منها.

أولاً، من الواضح أن سياق العلاقات الأميركية الصينية تغيّر اليوم: "الصين التي سيواجهها الديمقراطيون في العام 2021 لا تشبه الصين التي واجهوها قبل عشر سنوات". هذا ما يبرر إعادة تقييم التعامل الأميركي مع الصين بطريقة شاملة داخل الحزب، لكن يظن البعض أن هذا الوضع قد يمنع بايدن من مد يده إلى بكين إذا اتخذ هذا القرار يوماً.

ثانياَ، يجب أن يتمسك بايدن بمواقفه المعروفة من الصين. يوضح راتنر: "هو معروف بمواقفه الداعمة للرئيس شي جين بينغ وبقدرته على تحقيق النتائج المرجوة بهذه الطريقة، بما في ذلك الاتفاق الذي لعب فيه دور الوساطة في العام 2015 لوقف سرقة البيانات الإلكترونية، وإقناع الصين بالموافقة على اتفاق عالمي حول المناخ" (مع أن المسؤولين السابقين في عهد أوباما يشككون بحجم دوره الحقيقي في تلك المرحلة).

لكن تظن دراير أن الأوان قد فات على طرح هذه الأفكار كلها من جانب الديمقراطيين. كان يُفترض أن يعتبروا تنامي النفوذ الصيني محاولة لاكتساب السلطة في آسيا والعالم أجمع، لا سيما في عهد شي جين بينغ، لذا لا نفع من أن يحاولوا اليوم اتخاذ موقف صارم ومؤثر من الصين بعدما أمضوا عقوداً طويلة وهم يخشون التعامل مع هذا الملف: "باختصار، لا يمكن اعتبار أداء ترامب أسوأ من أوباما وبايدن لأي سبب".

إنها بداية المناظرة الانتخابية الكبرى حول ملف خارجي شائك بين ترامب وبايدن، أبرز مرشّحَين للرئاسة الأميركية، ومن المتوقع أن يتوسع الجدل ويحتدم لأقصى الدرجات خلال الأشهر المقبلة.


MISS 3