محمد دهشة

سامر شنق نفسه رفضاً للجوع... وصيدا تنتفض

4 تموز 2020

02 : 00

اعتصام السائقين العموميين تضامناً مع قضية حبلي

سلّطت حالتا الإنتحار في صيدا وبيروت، الأضواء على مدى استفحال الأزمة الإقتصادية والمعيشية الخانقة في لبنان، والتي بلغت بتداعياتها السلبية مداها: موتاً بالشنق او بالرصاص، وتحوّلتا قضية رأي عام لبنانية، تفاعل معها المواطنون حُزناً وغضباً، بعدما ضاقوا ذرعاً بوعود المسؤولين وأقوالهم من دون أفعال، ما يُجبر بعضهم على اتّخاذ قرارت مرّة أمام خيارات أشدّ مرارة، نتيجة اليأس والإحباط وانسداد سبل العيش الكريم، من دون أن تلوح في الأفق بوادر حلول تجعل المواطنين يطمئنون الى مصيرهم ومستقبلهم، فارتفعت الأصوات الشاجبة.

الصيداوي سامر مصطفى حبلي (35 عاماً)، ضحية جديدة للفقر المُدقع والعوز والمرض، وضع حدّاً لحياته ليُنهي معاناته اليومية مع البحث المُضني عن لقمة عيش كريم، بعيداً من ذلّ السؤال، بعدما ضاقت به السبل وأثقل كاهله مرض زوجته، فتراكمت الديون نتيجة تردّي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية، حيث أقفل الكثير من المؤسسات والمحال، ووجد كثيرون من المياومين أنفسهم بلا عمل فجأة، ويرزحون بين مطرقة البطالة وسندان الغلاء.

ويؤكّد شقيقه محمد حبلي لـ"نداء لوطن" أنّ العائلة حزينة جداً، ليس لأنّها فقدت ابنها وذاقت لوعة موته فقط، وإنّما لأنّ حالة الإنتحار هذه قد تتكرّر في أي عائلة وفي أي وقت ممكن، "فسامر واحد من آلاف اللبنانيين الذين يئنّون تحت وطأة الأزمة الإقتصادية والذين اصبحوا، إمّا عاطلين عن العمل، أو أن عملهم لا يكفي قوت يومهم، في ظلّ الإنهيار المالي والغلاء وارتفاع الأسعار فتراكمت الديون، وضاقت خياراتهم مع أوضاعهم الصعبة"، موضحاً أنّ "سامر متزوّج من منطقة البقاع ولديه إبنة وحيدة "مروة"، وكان يستأجر منزلاً في جدرا لأنّه أرخص من المدينة، وقد عمل بالألمنيوم فترة من الزمن، قبل أن يُصبح سائق فان"، مُشدّداً على "أنّ الضائقة تُفقد الإنسان أعصابه خصوصاً في ظلّ ضغوط الحياة، ارتفعت أسعار كلّ شيء وبقيت أجرة الفان كما هي، فلم يعد يكفي نفسه".


نعوة الصيداوي سامر حبلي



مأساة سامر الإنسانية تحوّلت قضية رأي عام لبنانية وصيداوية، خصوصاً وأنّها تزامنت مع عملية انتحار أخرى في بيروت مع رسالة مؤثرة "انا مش كافر" وباتت "هاشتاغ"، فتفاعل معها أبناء المدينة ومنطقتها وزملاؤه من سائقي الفانات العمومية، الذين نظّموا في الموقف المُخصّص للفانات خلف قصر العدل القديم في المدينة اعتصاماً رمزياً، احتجاجاً على تردّي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية التي دفعت سامر الى شنق نفسه، مُعلنين الإضراب العام المفتوح بدءاً من اليوم وفي كافة المناطق اللبنانية، داعين المسؤولين الى دعمهم وتقديم مساعدات عاجلة لهم، والى وقفة جادة تُنقذ البلد من الخراب والضياع والذهاب الى المجهول قبل فوات الأوان، خصوصاً وأنّ لقمة عيشهم مُغمّسة بالعرق والتعب.

وقال أحمد العجمي: "إن سامر حبلي انتحر لأنّه ضحية لبعض المسؤولين الفاسدين في البلد، الذين أوصلوا الدولار الأميركي الى عشرة آلاف ليرة لبنانية، لانه لم يستطع أن يُعالج زوجته المريضة بداء عُضال، ولأنّه لم يستطع إطعام اولاده أو دفع أجرة البيت والنمرة العمومية"، مُضيفاً: "كلّنا سامر حبلي وسيكون بداية الثورة للسائقين"، داعياً رئيس اتحاد النقل البري بسام طليس "الى تصعيد التحرّكات الإحتجاجية من أجل إنصافنا قبل الموت، نُريد إعلان الإضراب المفتوح ونحن مستعدّون للنوم في الشارع وأكل رغيف خبز ناشف ولا نعيش بـ"البهدلة"، مؤكّداً أنّ "معاناة السائقين فوق الوصف وأي عطل في الحافلات لا نستطيع اصلاحه بسبب الغلاء، فيما الدولة لا تسأل عنا ونحن قادرون على إقفال البلد من شماله الى جنوبه"، مُناشِداً "دفع التعويضات المالية الى السائقين قبل ثورة الغضب".

وروى أحد السائقين القريبين من سامر، أنّ نبأ انتحاره نزل عليه كالصاعقة، لم يُصدّق بداية لهول المصيبة، وقال: "لقد اشتكى لي أمس من ضيق الحياة، حيث لم يجمع في غلة يومه سوى دولارين فقط (عشرين الف ليرة لبنانية) وهي لا تكفي لإطعام ابنته او لعلاج زوجته المريضة، والتي تحتاج الى خمسمئة دولار أميركي ثمناً للإبرة والأدوية، الضائقة دفعته الى الإنتحار، الله لا يوفّقهم، سامر من أطيب الشباب وأكثرهم نُبلاً وأخلاقاً".

توزاياً، نظّم عدد من الناشطين في "حراك صيدا" مع سائقي تاكسي الأجرة وقفة تضامنية مع عائلة حبلي، فأقفلوا جانباً من تقاطع أيليا لبعض الوقت، بسياراتهم التي ركنوها في وسطها، قبل أن يُعيد الجيش اللبناني فتحها. وقال ربيع بديع: "الجوع كافر، أصبحنا نعيش في بلد أجساداً بلا أرواح، بعدما قتلوا كل شيء حلو وكل أمل فينا، فلا عجب أن يُقدم البعض على الإنتحار يأساً، انها صرخة غضب للمسؤولين كي يعالجوا الأزمات الخانقة".


MISS 3