محمد دهشة

دموع وجع "أم محمد" تقابلها شموع صمود في صيدا

6 تموز 2020

02 : 00

الناشطون أضاؤوا هواتفهم ورفعوها عالياً

تذرِف الصيداوية الحاجة "أمّ محمد" الدموع، غضباً وحزناً على ما آلت اليه الأزمة الإقتصادية والمعيشية الخانقة، التي حرمت فقراء المدينة من إدخال اللحم والدجاج ومشتقاّتهما الى منازلهم، أو حتّى التمكّن من شراء الشموع، لإضاءة العتمة والظلام نتيجة الغلاء وارتفاع الأسعار، وتقول بحرقة: "أصبح عمري ثمانين عاماً ولم تمرّ عليّ أيّام صعبة مثل هذه حتّى في الحرب، انها نهاية حزينة".

والحاجة "أم محمّد" واحدة من مِئات الأُسر الفقيرة والمُتعفّفة في صيدا التي فقدت مُعيلها، وباتت عاجزة عن تأمين قوت يومها، وترفض في الوقت نفسه مدّ اليد تعفّفاً، تؤكد أننا "نعيش اليوم أسوأ أزمة اجتماعية ومالية يمرّ بها لبنان، ولكن لن أستعطي أحداً لو متّ جوعاً، وسأحافِظ على كرامتي حتّى ألفظ أنفاسي الأخيرة حيث تُطاردني أوجاع أمراضي وأعجز عن تأمين الأدوية".

حال الفقر وصل ببعض العائلات الى بدء بيع أثاث المنزل بعد الحلي. أقسمت نور الهدى لـ"نداء الوطن" انّها باعت قارورة الغاز كي تؤمّن الطعام لأبنائها، فمنزلها المُتهالِك في منطقة "خطّ السكة" عند طرف التعمير التحتاني لا يعرف النور، تعجز عن شراء الشموع بشكل دائم، وتنتظر التيّار الكهربائي لتقضي حوائجها، وفوق كل ذلك لديها ابنة مريضة، تتنقّل فيها من مستشفى الى آخر لإنقاذ حياتها"، أكّدت "أنّ مستوى الجوع بلغ مداه ولم نعد نشتري لحمة أو دجاجاً، اتذكّر ان آخر مرة اشتريت فيها لحمة كانت في شهر رمضان المبارك.. صرنا نسمع بأسعارها ونتأّفف فقط".

في أرجاء المدينة، يتردّد صدى إقفال المحال بالجملة، العشرات منها باتت خارج الخدمة بين ليلة وضحاها. ويقول رئيس "جمعية تجار صيدا وضواحيها" علي الشريف لـ"نداء الوطن" إنها الحقيقة المرّة، قبل أن يُضيف: "خلال الشهر الماضي أقفلت نحو خمسة محال في السوق التجاري وعشرين خارجه، هذا الشهر نتوقّع أضعافاً مًضاعفة"، ليؤكّد: "انها نتيجة حتمية للتردّي الإقتصادي، وعدم قيام الحكومة بواجباتها نحو القطاع، لقد رفعنا الصوت أكثر من مرة وأصبحنا في الإنهيار السريع، لم يعد أمامنا مجال سِوى دعوة الله أن يرفع الوباء والغلاء".

والوضع الإقتصادي الصعب في صيدا يُشابه كلّ المناطق اللبنانية بمختلف طوائفها ومذاهبها، بعدما لامس سعر صرف الدولار في السوق السوداء العشرة آلاف ليرة، وهو ما أدّى إلى موجة غلاء غير مسبوقة، وصلت معه الشمعة الواحدة الى ألفي ليرة، وعلبة شاي صغيرة الى 14 ألف ليرة لبنانية، ويقول وليد شعبان: "لم يعد هناك مكان لحياة الفُقراء، لقد ابتلع حيتان المال والفاسدون خبزهم ولقمة عيشهم بلا رحمة أو شفقة، حتى الكفن لم نعُد قادرين عليه، الموت بشرف أصبح أفضل من الحياة بذلّ".

أدار سائقو الفانات العمومية زملاء سامر حبلي، مُحرّكات حافلاتهم ولم يهدأوا، واصلوا تحرّكاتهم المطلبية إحتجاجاً على الأسباب التي دفعته الى الإنتحار، وهي تأزّم الأوضاع الإقتصادية والمعيشية على نحو بات يُهدّد مصدر رزقهم الوحيد، ونفّذوا ثلاث وقفات احتجاجية توزّعت بين جسر الأولي ومُحيط مسجد الزعتري وساحة "ايليا". حدّدوا هدفين لتحرّكهم: إستنكار ما جرى مع زميلهم حبلي، وعرض سلسلة مطالب أساسية للعاملين في هذا القطاع ليتمكّنوا من الصمود في مواجهة الأزمة المالية والمعيشية، فطالبوا بـ"إلغاء المعاينة الميكانيكية وإعفائهم من رسوم السير، ووضعهم في جدول الضمان، ووقف احتكار المحطّات للمازوت وشمول جميع السائقين بالمساعدات".

وقال السائق محمود المحمّد: "متنا من الجوع والدفن مؤجّل.. هل مطلوب ان ننتحر مثل سامر؟".

ولم تقتصر كُرة الغضب والإحتجاج على السائقين بل تدحرجت الى الناشطين في حراك صيدا، حيث نظّمت "مجموعة انا مستقلّ" مسيرة تحت شعار "فلّو ما بدنا ياكن". وفي ساحة الثورة، نظّم الناشطون وقفة رمزية حداداً على روح المواطنين الذين قضوا انتحاراً، ووقفوا دقيقة صمت وأضاؤوا هواتفهم ورفعوها عالياً، في رسالة تحفيز للشعب اللبناني على عدم فقدان الأمل والصمود لأنّ التغيير آتٍ لا محالة".