روبوتات قاتلة تخوض الحرب بدل البشر!

13 : 33

New generation technological research team on the Mars.

ظهرت روبوتات جديدة مزوّدة بأجهزة استشعار ومُدعّمة بالذكاء الاصطناعي، وبدأت تستعد لاستبدال الجنود في بعض ساحات المعارك! فليحذر الجميع من الأضرار الجانبية!

ربما يبرع روبوت "فيدور" في تغيير المصابيح الكهربائية أو استعمال آلات الحفر، لكن لن تكون هذه المهارات اليدوية الشائعة مسؤولة عن تحويله قريباً إلى آلة تدمير مخيفة! ابتكر علماء روس هذا الروبوت الذي يشبه البشر ويستطيع إطلاق النار من مسدسَين على أهداف من اختياره. علّق نائب رئيس الوزراء الروسي السابق، ديمتري روجوزين، على استعمالات هذا الابتكار الذي يحظى بدعمه قائلاً: "نتابع العمل لتحسين براعته الحركية وأنظمة اتخاذ القرارات فيه، لكن سبق وأثبت "فيدور" قدرته على إطلاق النار بيديه".

بعدما تعلّمت هذه الآلات الحساب، والكلام، والقيادة، والمشي، والطيران، والطبخ، وشدّ البراغي، ليس غريباً أن تحصل على الإذن بالقتل! قال الجنرال مارك ميلي، رئيس الأركان في الجيش الأميركي، بكل حماسة منذ بضعة أشهر: "من المتوقع أن تُحدِث الروبوتات المستقلة ثورة شاملة في الحروب".

قدرة على اختيار الأهداف

تبدو الأجهزة الطائرة المتّصلة بشبكات متشعّبة أقوى من النماذج التقليدية التي تتطلب تدخّل البشر لاختيار الضحايا، كما أنها مزوّدة بأجهزة استشعار وأنظمة حلول حسابية، وتستطيع أن تقرر بنفسها إطلاق النار. حتى اليوم، لا تحمل معظم المحركات المستعملة ميدانياً هذه "الميزة"، لأن ذكاءها الاصطناعي ليس متطوراً بما يكفي لتكليفها بالضغط على الزناد. لكنّ مستوى الأتمتة فيها لا يكفّ عن التطور. تستطيع طائرة "هاربي" الإسرائيلية منذ الآن رصد رادارات الأعداء أثناء طيرانها، من دون أبسط تدخّل بشري. وبعد تحديد مواقعها، تنسحق الطائرة فوقها تزامناً مع إشهار رأسها الحربي، على غرار الطائرات الانتحارية. وفق "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، تمت برمجة نسخ "هاربي إن جي" و"هاروب" و"أوربيتر 1كي" أيضاً لرصد الدفاعات المضادة للطائرات وتدميرها.

تتمتع أجهزة أخرى بالفاعلية نفسها. ترصد منظومة "القبة الحديدية" الإسرائيلية، مثلاً إطلاق الصواريخ عبر رادارها تلقائياً. يحتسب هذا النظام الدفاعي الجوي مسارها ويُحدد نقطة تأثيرها. وإذا كان الجسم المشبوه يطرح تهديداً، يطلق الجهاز صاروخاً لتدميره في الجو. في الجانب الأميركي، يستطيع نظام "أيجيس" المدسوس في 80 سفينة تابعة للبحرية الأميركية اعتراض إطلاق النار تلقائياً. ومن الآن فصاعداً، قررت القوى العظمى في العالم خوض تجارب جديدة من هذا النوع.

في الولايات المتحدة، تُخصص الأبحاث مبلغ 15 مليار يورو لتطوير وحدة من الجنود الآليين. لتنفيذ هذا المشروع، وضعت وزارة الدفاع الأميركية الذكاء الاصطناعي وعلم الروبوتات على رأس أولوياتها منذ خمس سنوات.

تعلّم آلي مبني على التجارب

لا تبدو روسيا بعيدة من هذه الأجواء، فقد قررت بدورها الاتكال على الابتكارات التكنولوجية لترسيخ هيمنتها. تماشياً مع عقيدتها العسكرية الجديدة التي أعلنت عنها في العام 2015، تسعى إلى استبعاد جميع أنواع التدخل البشري من ساحات المعارك. في السنة الماضية، بدأت شركة "كلاشينكوف" الشهيرة إنتاج وحدات قتالية جديدة، فاستعملت تقنية اسمها "نورو نت". ترتكز أنظمة التعلم التلقائي هذه على شبكات من الخلايا العصبية الاصطناعية وتتولى تعليم الروبوت عن طريق التجارب، كي يجيد وحده رصد أهدافه ويُحدد من تلقاء نفسه الضربات التي يريد إطلاقها. تكون الدبابة الهجومية المصغّرة "نرختا" بطول مترين ونصف، وفيها مدفع رشاش بحجم 12.7 ملم أو قاذفة قنابل، ويمكن إدراجها في خانة هذا النوع من الأجهزة، على غرار النسخة الآلية من دبابة "أرماتا" المدرّعة.

من الناحية الإيجابية، لا تتكل الأنظمة المؤتمتة فحسب على سرعة الرد أو التنفيذ في هذه الترسانة التي تتسم بتطورها التكنولوجي العالي وتفوقها الواضح على الجنود العاديين، بل إنها تساهم أيضاً في إنقاذ حياة البشر خلال الصراعات المستقبلية، بحسب قول باتريك بيزومب، نائب مدير "المركز المشترك للمفاهيم والعقائد والتجارب". بفضل دقة الروبوتات، يمكن الحد برأيه من الخسائر العسكرية والمدنية في آن.

إصابة ذاتية

سبق وأثبتت روبوتات معينة قدرتها على التحرك في الأراضي الملغومة أو إبطال المتفجرات بدل الجنود، كي لا يجازف هؤلاء بحياتهم. هذا ما يفعله روبوت "باك بوت" المزوّد بأجهزة تعقب وأذرع مفصلية. استعمله الأميركيون في 6 آلاف عملية تقريباً، لا سيما في العراق، حيث تُعتبر هذه القنابل مسؤولة عما يفوق 60% من قتلى قوات التحالف التي تحارب تنظيم "الدولة الإسلامية". لكنّ اللجوء إلى وحدات من آلات التدمير المسلحة مسألة مختلفة، لأن أنظمة الحلول الحسابية لم تصبح معصومة عن الخطأ بعد. في العام 2003، أُسقِطت طائرة "تورنادو" البريطانية وناقلة "إف-18" التابعة للسلاح الجوي الأميركي في الشرق الأدنى، نتيجة إطلاق صواريخ "باتريوت" الأميركية المضادة للطائرات بعد تشغيل وضعها التلقائي.

أسراب من الطائرات المستقلة القاتلة

قد يؤدي حصر الصراعات المسلحة بمواجهات آلية إلى أضرار جانبية. عبّرت رشا عبد الرحيم، نائبة مدير "برنامج التكنولوجيا" في "منظمة العفو الدولية"، في لندن، عن قلقها بهذا الشأن: "هل من المقبول أن نعلّم فن الحرب للآلات ونعطيها حق اختيار أهدافها وتوقيت إطلاق النار"؟

تخشى هذه المنظمة غير الحكومية تضرر المدنيين وتُعبّر في الوقت نفسه عن مخاوفها من نشوء تهديدات جديدة، منها ظهور أسراب من الطائرات المستقلة القاتلة التي تستطيع إحداث أضرار هائلة. من المتوقع أن تعمد هذه المحركات الطائرة والمدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي إلى استنزاف الدفاعات المعاكسة من خلال تغيير استراتيجيتها بحسب خيارات العدو. أوضح إيريك مارتل، باحث مساعِد في "المختبر متعدد التخصصات لعلوم العمل"، ومسؤول في "المعهد الوطني للفنون والحِرَف"، ومؤلف كتاب Robots tueurs (روبوتات قاتلة): "إنها الدورية القتالية الأكثر تناسباً مع الأسلحة المستقلة. بفضل الأبحاث التي تتمحور حول نظريات الفوضى والأنظمة المعقدة، يمكن تشغيلها من الآن فصاعداً".

أطلق الجيش الأميركي أول تجربة في نهاية السنة الماضية في أجواء أريزونا وكانت نتائجها حاسمة. حتى أن الطائرات بلا طيار أثبتت، بفضل ذكائها الاصطناعي، قدرات غير متوقعة على التكيّف مع التهديدات في البيئات العدائية. وحتى عند انقطاع اتصالاتها وإشارات نظام تحديد المواقع العالمي أو التشويش عليها، تمكنت من متابعة رحلتها وبلوغ أهدافها، من دون أي تدخل بشري! لا نجرؤ على تخيّل مدى فاعلية هذه الطائرات بعد تسليحها أو تزويدها بشحنات متفجرة. أكد فرانك كانديل، أحد شراة الأسلحة الأساسيين القدامى في البنتاغون، على أن الدبابات الآلية الروسية لا تخيفه بالقدر نفسه!

هل يمكن أن تحترم هذه الأسلحة الإلكترونية المُصمَّمة للتدمير قوانين الحرب التي تُركّز على حماية المدنيين، لا سيما الجرحى والأسرى؟ يجيب فريديريك كوست، خبير في "مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية": "تصطدم برمجة أي ذكاء اصطناعي أخلاقي بقانون دولي إنساني يتألف بشكلٍ أساسي من مفاهيم مثل مبدأ الإنسانية الذي يهدف إلى تجنب أي معاناة غير مبررة. يصعب تشفير هذا المبدأ كي تفهمه الآلات".

تصاميم هدفها الدمار التام!

أدى هذا الخوف من آلات التدمير الخارجة عن السيطرة إلى احتجاج عدد كبير من المنظمات غير الحكومية وثلاثين دولة، معظمها من أصحاب القوة العسكرية المحدودة. تطالب هذه الجهات، من خلال حملتها الاحتجاجية التي رفعت شعار "أوقفوا الروبوتات القاتلة"، بمنع تلك الآلات من نشر الدمار. لكن يعترف تيري فورتين، مسؤول الدراسات في "مرصد التسلّح"، بأن الأبحاث حول الأسلحة المستقلة أصبحت متقدمة لدرجة أن العودة إلى الوراء تبدو مستحيلة.

في فرنسا أيضاً، تسود فكرة شائعة مفادها أن أتمتة الترسانة العسكرية خطوة حتمية. لكن لا مجال لإعطاء الروبوتات القتالية حرية التصرف. قدّمت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية، فلورانس بارلي، تطمينات في هذا المجال فقالت: "لا مكان لهذه الآلات في صفوفنا إذا كانت مستقلة بالكامل. سيتولى إنسان دوماً اتخاذ قرارات إطلاق النار مثلاً".

إذا أصبحت أول دفعة من الجنود الإلكترونيين جاهزة للتشغيل بحلول العام 2021، سيتحكم بها جنود من لحم ودم. ستتولى هذه الآلات المعدنية الضخمة في المقام الأول نقل المعدات أو إجلاء الجرحى... لكن هل يمكن أن يسقط هؤلاء الجرحى يوماً نتيجة تعرّضهم لإطلاق نار على يد روبوتات؟


MISS 3