مريم مجدولين لحام

الأزمات تفرض سطوتها على الجامعة اللبنانية... الإنفجار بات قريباً

11 تموز 2020

02 : 00

البعض لا يرتدي الكمّامات

أشهرٌ قليلة، تفصِل تلامِذة لبنان الجامعيين عن سنتهم المقبلة. ومع تفاقم الأزمة الإقتصادية في البلاد، تبدو عملية الإستجابة للتحدّيات المطروحة، وفي مقدّمها إجراء الإمتحانات التي انطلقت البارحة، فادحة في الجامعة اللبنانية، المُجرّدة من القدرة على التعامل مع الأوضاع المُستجدّة. ولا شكّ أنّ الجامعات الخاصة تفاعلت مع تداعيات زمن وباء "كورونا" على نحو مختلف عن الكيفية التي تعاملت بها "جامعة وطن"، باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد استهتار الدولة بها، والإنتقاص من ميزانيتها.

بين "امتحانات الموت" وحِراك الأساتذة ومعضلة التسجيل في السنة الدراسية المقبلة، للأسف فضح أول أيام الإمتحانات هشاشة الوضع وضُعف الإمكانيات، واستهتار وزارة التربية في التفاعل مع مُتطلّبات زمن "كورونا" الطارئة سريعاً، ومن دون تعقيدات كبرى.



انطلاق الإمتحانات



إمتحانات الموت

في ظلّ ظروف استثنائية غير مسبوقة، بسبب حالة الطوارئ الصحّية المفروضة منذ آذار الماضي، جراء تفشّي الفيروس، أُقيمت الإمتحانات وسط استهتار ومخاوف فرضها تسجيل ارتفاع في الإصابات خلال الأيام الماضية، وبالتزامن مع الانتقال إلى المرحلة الثانية من تخفيف الحجر الصحي، بخاصة بعد إعلان رابطة طلاب الجامعة اللبنانية، ليل الأربعاء، عن تسجيل إصابة في كلية الإعلام - الفرع الأول، الأمر الذي أحدث بلبلة بين الطلاب في مختلف الكلّيات، موحّدين جهودهم ومُطالباتِهم بتعليق الإمتحانات حتى إشعار آخر.

وعلى خلفية جائحة "كورونا" التي كثُرت تداعياتها على أكثر من صعيد في كل أنحاء البلاد، وبخاصة على الطبقة الفقيرة والمتوسّطة، التي تُرسل أبناءها إلى الجامعة اللبنانية، اشتعلت من جديد الأزمة بين تلامذة جامعة الوطن وعمادة الجامعة ووزارة التربية. وناشد الطلاب إدارة الجامعة اللبنانية تعليق الإمتحانات، طالبين من وزارة الصحّة تأمين فحوص PCR للطلّاب والأساتذة والموظّفين في الكلية، قبل استكمال الإمتحانات، إذ أنّ الإجراءات المُتّبعة لم تكن صارمة، باعتبار أن فحص الحرارة لم يشمل الجميع قبل الدخول إلى القاعة، كذلك لم يلتزم عدد كبير من الموجودين بوضع الكمّامة".

من جهتها، تقول هالة رمضان، وهي طالبة في كلية التربية الموسيقية - الفرع الأول، لـ"نداء الوطن" إنّ امتحانات كلّيتها لم تبدأ بعد، لكنّ الوضع لا يُطمئِن، وبحسبها، "كان يجدر بكافة الكليات وفروع الجامعة اللبنانية التنسيق مع وزارة الصحة، والطلب من الطلاب القدوم باكراً بصفة استثنائية، لقياس درجة الحرارة وتوزيع الكمّامات، مع الحرص على التباعد، وتعقيم الصفوف والمقاعد وصولاً إلى قاعة الإختبار، حيث يكون هناك مسلكان للطلاب، خصوصاً إذا اشتبه في إحدى الحالات. كلّ ذلك، في ظلّ تخصيص فريق لإجراء التحاليل في المكان عينه ليواصل التلاميذ إجراء امتحاناتهم بصورة عادية، وإذا كان أحدهم حاملاً لفيروس "كورونا"، يُنسَّق مع عائلته لنقله إلى مركز للعزل الصحّي، مع إعطائهم الحقّ بإعادة الإمتحان بعد تعافيهم. فكلّ ما نُريده هو ضمان إجراء الامتحانات في ظروف آمنة تضمن سلامتنا. لكن يبدو أن أبسط مُتطلّبات الوِقاية معدومة في جامعة الوطن، وشتّان ما بين الواقع والمطلوب".



رئيس الجامعة فؤاد أيوب في خضم تحضير المعدّات الوقائية



حِراك الأساتذة

أشهر معدودة تفصل الجامعة اللبنانية عن كارثة العام الجديد، فيما يتواصل الحِراك الإحتجاجي للأساتذة المُتفرّغين في الجامعة اللبنانية، بقيادة رئيس الهيئة التنفيذية للرابطة الدكتور يوسف ضاهر الذي تخوّف في حديث هاتفي مع "نداء الوطن"، من انتشار ظاهرة "التسرّب الجامعي" قريباً، إذ يبدو وضع المؤسسات التعليمية والبحثية على المحكّ.

بحسبه، سيكون خيار العديد من الطلاب الإتّجاه نحو العمل بدل الدراسة، ولو براتب زهيد، إذ يبدو أن التسرّب الجامعي سيكون أحد أهمّ عناوين المستقبل القريب، نتيجة الأزمة وتداعياتها على مئات آلاف الأُسر التي فقدت مصادر رزقها، والقطاعات التي أُصيبت بالشلل، وبسبب ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة في لبنان. كما بدا ضاهر مُمتعضاً من عدم رصد أعداد الطلاب الأشدّ فقراً، وتأمين المساعدات لهم لمنعهم من ترك مقاعدهم الدراسية، وبدا قلقاً من "خلق جيل من الشباب غير المُتعلّم والعاطل عن العمل، ما يؤدّي في غالب الأمر الى التطرّف أو الهجرة.

وبرأيه، على ادارة الجامعة إنشاء ما يُعرف بـ"خلية الأزمة" للتحضير والتجهيز لاستقبال أعداد متزايدة من الطلاب الجدد في مطلع العام القادم، والعمل على آلية واضحة لاستيعاب أعداد أكبر في قاعات التعليم في السنة المقبلة، وتجهيز الأبنية والمختبرات والساحات الخضراء. وأكمل: "أنا على يقين أنّه حتى الساعة، لا أحد يعلم ما إذا كان هناك أساتذة بالعدد الكافي، ملاكاً وتفرغاً وتعاقداً، وِفق الكفاءة والشروط القانونية والشفافية".

ولعلّ البارز في عودة المواجهة والتصعيد كان موازنة الجامعة، التي ما زالت نفسها منذ عدة سنوات بالليرة اللبنانية، وقد انخفضت من 280 مليون دولار إلى 50 مليون دولار مع تغير سعر الصرف وتهاوي قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار وهو ما وصفه ضاهر بأنه "يساوي أقل من تهرب ضريبي واحد". وأكمل: "من المخيف أن ترى أن حتى الورق والمحابر باتت خارج المستطاع ولم تبدأ السنة الدراسية الجديدة، ما يدل حتماً على أن هناك كارثة قادمة لا محالة، ونحن لا نندد بما يحصل لمجرد المعارضة، بل للتوصل إلى حلول فالأضرار طاولت الجميع والمعلّمون جزء من كلّ".

إلى ذلك، حذّر ضاهر من أنّ "وضع الجامعة ليس بخير، إذ أنّ هناك تجاهلاً لوضعها كما أوضاع سائر المؤسسات التي يرتكز عليها الوطن، ولدور الجامعة المفصلي على كافة الصعد، من ترسيخ الوحدة الوطنية إلى إظهار وجه لبنان الثقافي، إلى الإنماء في كل المناطق، إلى الإسهام الفاعل في تعزيز الإقتصاد، وفي بناء أجيال مُثقّفة".

يتواصل القلق في لبنان بشأن مصير السنة الدراسية الجامعية المقبلة الذي سيتأثّر به آلاف التلاميذ، لا سّيما صفوف السنة الأولى، وتتباين المُقترحات بين الأساتذة الجامعيين، ولكن لا تصريح من وزير التربية حتى الآن حول هذا الموضوع. وفي هذا الإطار أيضاً تقول الدكتورة فاطمة حماصني، وهي أستاذة في الجامعة اللبنانية، لـ"نداء الوطن": "كما في ملفّات الدولة اللبنانية كذلك في ملفّات الجامعة، تكدّست المطالب والملفّات التي هي بحاجة إلى حلّ على مدّة طويلة، وبات الإنفجار قريباً، ولا حياة لمن تنادي". وتابعت: "هناك ملفّ الأساتذة المتعاقدين الذين استوفوا الشروط وينتظرون التفرّغ... وملفّ الدرجات المتوقّفة... وملفّ دخول المُتفرّغين المُتقاعدين إلى الملاك الذي يوفّر بالمباشر أموالاً على الخزينة... وملفّ صندوق التعاضد، أي الضمان الإجتماعي الذي يحقّ للأساتذة، والذي يجب عدم المسّ به، لا بل يجدر بالدولة زيادة موازنته لتغطية جميع المُتفرّغين الجُدد... وملفّ مجلس الجامعة الذي ما زلنا نُطالب بعودته واستعادة صلاحياته... كل تلك الملفّات، أضف إليها الأزمة الكبيرة التي نحن مُقبلون عليها من تدفّق بأعداد الطلاب وتسرّب آخرين".

وتُتابع: "إعتصمنا عدّة مرات أمام مبنى الجامعة المركزي، وسنعتصم مُجدّداً مِراراً وتكراراً، حتى نرى تجاوباً من الإدارة المركزية، فنحن كمن يقف على سكّة حديد وهناك قطار مُسرع قادم نحونا، علينا التحرّك فوراً وإلا ستقع الواقعة قريباً، وستكون نتيجتها وخيمة. الكلّ يرى القطار المُسرع وما من مُستجيب حتّى الآن، كما حصل في مشكلة النفايات مُسبقاً، وكما يحصل حالياً أيضاً في ملفّ الكهرباء! هناك إقصاء من الوزارة للتكتّلات الطلّابية، وتهميش لآراء الأساتذة والنقابات المهنية. على رئيس الجامعة والوزير التعاون معنا فوراً لصوغ قرارات نهائية مُتعلّقة بإنقاذ الموسم الجامعي القادم"!