داود ختاك

هل يستطيع عمران خان البقاء في السلطة؟

11 تموز 2020

المصدر: The Diplomat

02 : 00

تكثر الشائعات حول مستقبل رئيس الوزراء عمران خان في الأوساط السياسية الباكستانية، علماً أنه كان يوماً الرجل الأكثر شعبية في البلاد. كان هجوم خان اللاذع على النُخَب السياسية قبل تموز 2018 كفيلاً بتقريبه من المؤسسة العسكرية القوية، وقد أكسبه صورة المنقذ الوحيد بنظر الأغلبية الساحقة في الطبقة الوسطى الباكستانية. لكن بعد مرور 22 شهراً على وجوده في الحكم، خيّب خان اليوم آمال الكثيرين. لقد اتّضحت استحالة تحقيق التوقعات الكبرى التي أطلقها على مر السنوات السابقة عبر التكلم عن المبادئ الأخلاقية العليا لمكافحة الفساد، وسوء الإدارة، والبطالة، والديون الخارجية، وهشاشة الاقتصاد، وسمعة باكستان السيئة على الساحة الدولية.

اليوم، استُبدِل الشعار الشائع "على الموجة نفسها" (يعني أن الحكومة المُنتخَبة تحظى بدعم جنرالات الجيش) بمعادلة "ناقص واحد"، التي تفسر استياء الجنرالات من المسؤول الذي يتولى أعلى مراتب السلطة. تنتشر شائعات عن وضع خطة لاستبدال خان بشخص آخر عبر مبادرة محلية.

أكد خطاب خان في 30 حزيران أمام المجلس الوطني الباكستاني والعشاء النادر الذي نظّمه في 28 حزيران لأعضاء الحزب وشركائه في الحكومة الائتلافية على تلك المعادلة.

أعلن رئيس الوزراء الباكستاني في البرلمان: "هم لا يعرفون أن الآخرين لن يغفلوا عنهم حتى لو طبّقوا معادلة "ناقص واحد"". لكنه لم يوضح من يعني بكلامه صراحةً.

اكتسب خان دعماً شعبياً هائلاً بعد عقدَين من النضال السياسي، وقد ساعدته مسيرته السابقة كلاعب كريكيت ومشاركته في بناء أول مستشفى متطور للسرطان في باكستان. لكن نُسِب انتصاره على خصومه الأقوياء في انتخابات تموز 2018 إلى دعم المؤسسة العسكرية والسلك القضائي.

بعد الوصول إلى السلطة، كان متوقعاً أن يطلق خان حملة جارفة ضد الفساد المالي عبر إعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة، وأن يحكم البلد بنزاهة، ويعيد الاستقرار إلى الاقتصاد، ويُحسّن صورة باكستان على الساحة الدولية بعدما تضررت بسبب الدعم الباكستاني للجهاديين المحليين والدوليين.





لكن ركّزت حملة مكافحة الفساد التي أطلقها خان في المقام الأول على اعتقال السياسيين المعارضين، لا سيما من ينتمون إلى "رابطة مسلمي باكستان" بقيادة رئيس الوزراء السابق نواز شريف. هذا التوجه منع خان وحكومته من معالجة مسائل جدّية أخرى، مثل الحكم الفاعل، كما أنه أنشأ بيئة سلبية تعيق أي استثمارات خارجية محتملة.

على صعيد آخر، فقدت ادعاءاته حول مكافحة الفساد مصداقيتها عند اتهام كبار مناصري حزبه وأعضاء من حكومته بالمشاركة في مخطط لكسب أرباح طائلة عبر افتعال نقص مزيّف في دقيق القمح وبيع السلع بأسعار مرتفعة في السوق المحلي وتأمين إعانات حكومية للصادرات.

فشل خان أيضاً في تحقيق وعده المرتبط بتحسين الاقتصاد. توقّع صندوق النقد الدولي في شهر نيسان من هذه السنة أن ينكمش الاقتصاد الباكستاني بنسبة 1.5% خلال السنة المالية الراهنة. أثّر فيروس "كوفيد-19" على تلك التوقعات طبعاً، لكن اقتصر النمو قبل ظهور الوباء على 3.3% خلال السنة المالية 2019. وبحسب مصادر وزارة المالية الباكستانية، أدى نقص العائدات وزيادة الإنفاق العام إلى ارتفاع العجز المالي من 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي (الهدف الأصلي) إلى 9.4%.

في الوقت نفسه، كانت الآمال مُعلّقة على تحسين صورة باكستان على الساحة الدولية وتطوير علاقتها مع دولة الهند المجاورة التي تُعتبر من أكبر منافسيها. لكن لم تحقق حكومة خان التوقعات المنتظرة منها في هذا المجال أيضاً. بل إن المجتمع الدولي بدأ يشكك مجدداً بموقف باكستان من الجهاديين العالميين بعد تصريحات خان المثيرة للجدل، وتحديداً حين اعتبر زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن "شهيداً" في 26 حزيران.





حتى الآن، لم يحقق خان، رغم جهوده المكثفة، أي إنجاز حقيقي لتطبيع العلاقات مع نظيره الهندي ناريندرا مودي. حتى أن المناوشات وتبادل إطلاق النار على الحدود أصبحت مظاهر اعتيادية بين البلدين.

كذلك، يُعتبر تعامل خان المتخبط مع فيروس كورونا أحدث فشل في سجله، وهو رأي يتقاسمه خصومه ومعظم المحللين المستقلين. يظن بعض المحللين أن الفشل في مكافحة وباء "كوفيد-19" هو واحد من أبرز الأسباب الكامنة وراء الخلاف بين خان وداعميه في الجيش.

تنجم الزيادة السريعة في إصابات فيروس كورونا وارتفاع حالات الوفاة عن تردد خان في فرض إقفال تام في البلاد. فيما طبّقت معظم بلدان العالم تدابير متشددة لكبح انتشار الفيروس، تراوحت إجراءات الحكومة في باكستان بين غياب الإقفال التام والاكتفاء بإقفال جزئي. هذا التردد وجّه رسائل خاطئة إلى شعبٍ لم يقتنع أصلاً بخطورة الفيروس، وهذا ما زاد الوضع سوءاً.

بعد انكشاف الحقائق اليوم، تبرز أسئلة محورية حول احتمال بقاء خان في السلطة خلال السنوات الثلاث المتبقية من ولايته الممتدة على خمس سنوات وطبيعة علاقاته مع المؤسسة العسكرية وأحزاب المعارضة.

في عالم السياسة الباكستانية، من المعروف أن أي حكومة مدنية، بغض النظر عن قوتها، تعجز عن البقاء في السلطة لوقتٍ طويل إذا انقلبت المؤسسة العسكرية ضدها.

في حالة خان، قد لا يشعر الجنرالات بالرضى على أداء حكومته وخياراتها، لكنهم لم يصلوا إلى مرحلة التخلي عنه بالكامل. بعبارة أخرى، هم لم يجدوا بعد بديلاً مناسباً عنه. بالتالي، قد يبقى خان في منصبه مع أنه لم يعد "على الموجة نفسها" مع السلطات الأخرى. تقف المؤسسة العسكرية اليوم أمام خيار صعب بين تعويم خان أو تركه يغرق.

إذا تحقق السيناريو الأول، سيُنسَب كل فشل في حكومة خان إلى الجيش، إذ يظن معظم الباكستانيين في أوساط عامة الناس (وحتى المطّلعين على الأوضاع) أن الجنرالات هم من دعموا فوز خان في انتخابات تموز 2018. لذا لا مفر من أن يشككوا بدور الجيش إذا بقي خان في السلطة. سيُعتبر أي إخفاق في حكومته فشلاً للمؤسسة العسكرية، إذ يظن الكثيرون أنها دعمت "حركة الإنصاف" التي ينتمي إليها خان من وراء الكواليس.





لكنّ التخلي عنه يطرح مخاطر كبرى من وجهة نظر الجيش. أدى سوء أداء خان مجدداً إلى زيادة الدعم الشعبي لـ"رابطة مسلمي باكستان" و"حزب الشعب الباكستاني": إنهما حزبا المعارضة الأساسيان اللذان حكما البلد بوتيرة متقطعة بدءاً من العام 1988، لكنّ كبار المسؤولين في الجيش يبغضون قادتهما. سيستفيد الحزبان حتماً من تنحي خان في مرحلة مبكرة، لكنّ الجيش لا يعتبر هذا الخيار قابلاً للتنفيذ.

على صعيد آخر، لا تبدو أحزاب المعارضة مستعدة لإخراج عمران خان من السلطة عبر تغيير داخلي أو احتجاجات شعبية. بالكاد تحصد الحكومة الائتلافية التي يرأسها خان الأغلبية في البرلمان المؤلف من 342 عضواً بعد انفصال أحد حلفائها، "حزب بلوشستان الوطني". كذلك، عبّرت "رابطة مسلمي باكستان" (جناح القائد الأعظم)، وهي حليفة أخرى للحكومة، عن امتعاضها من أداء عمران خان.

رفض قادة "رابطة مسلمي باكستان" بقيادة نواز شريف و"حزب الشعب الباكستاني" دعوة العشاء في 28 حزيران. لكن تواجه أحزاب المعارضة خلافات وانقسامات كبرى في موضوع إقالة خان وعلاقاتها المستقبلية مع المؤسسة العسكرية.

من خلال الامتناع عن التحرك ضد حكومة خان، يريد أكثر الأعضاء عدائية في أحزاب المعارضة تلقين المؤسسة العكسرية درساً كي يوقف الجنرالات هندساتهم وألاعيبهم السياسية وراء الكواليس.

يرتبط ثالث وأهم جانب من مصير خان في السلطة بحزبه الخاص. قد لا تبقى "حركة الإنصاف" الباكستانية موحّدة، ولا حتى لأسابيع قليلة، من دون عمران خان، فكيف ستصمد إذاً لأشهر وسنوات طويلة؟

لم تعد الانقسامات بين أعضاء الحزب وكبار قادته سراً اليوم. خلال اجتماع حكومي جديد، اتّهم أحد الوزراء زميلَين له بالسعي إلى تولي منصب رئاسة الحكومة.

يمكن اعتبار خان صلة الوصل التي تضمن تماسك الحزب والحكومة الائتلافية. في حال إقالته، يسهل أن تتشتّت "حركة الإنصاف" خلال أسابيع. حين تضطر المؤسسة العسكرية لاتخاذ قرار حاسم، يظن المحللون أن أقرب خيار إلى الواقع يقضي بتشكيل حكومة وفاق وطني بدل إقالة خان وحده.

لكن حتى بلوغ تلك المرحلة، يستطيع خان أن يَطْمَئِنّ ويحتفظ بمنصبه بلا مشكلة لأن خصومه غير مستعدين لإسقاطه وداعميه السابقين لا يملكون بديلاً مناسباً عنه.


MISS 3