خالد أبو شقرا

التجارة الإلكترونية "تسرح" خارج الشرعية

5 آب 2019

17 : 34

التجارة الإلكترونية تساهم في دعم صغار المنتجين وتخلق آلاف فرص العمل
في الوقت الذي تتصدر فيه التجارة الإلكترونية العمليات التجارية حول العالم، ما زال لبنان يتاجر على هامش الثورة الرقمية، أو فيها. النية برَكبِ الموجةِ العالمية موجودة، إنما الجدية ما زالت غائبة. E-COMMERCE تتكفل بالتجربة لفتح أبواب تصديرية جديدة لم تُطرق بعد، توفر فرصاً تسويقية متساوية أمام كبار المصنعين والتجار، وربات المنازل، اللواتي يسوّقن منتجات "المونة" البيتية والأعمال الحرفية.



في السنوات القليلة الماضية تحول كل هاتف خلوي موصول على شبكة الإنترنت إلى متجر عالمي، وانتشرت حمى البيع والشراء ONLINE بين مختلفت الأفراد والمؤسسات، مع أفضلية بارزة للعملية الثانية. هذه الفرصة وفرت بإلاضافة الى الشراء من المتاجر العالمية، إمكان التحكم بالسعر، الذي باعتقاد الجميع، يبقى مع كلفة الشحن أقل بكثير من الأسواق المحلية. وما عزز هذه الظاهرة هو الرغبة في توفير الوقت وعناء التجول في شوارع العاصمة المزدحمة والمكتظة. فبلغ عدد الشحنات التي تصل إلى لبنان عبر موقع معين، حوالى 250 الف شحنة شهرياً. وهو ما يجعل الجمارك عاجزة عن مراقبتها، والمقارنة بين الفاتورة والمحتوى الفعلي، بسبب عدم توفّر المقاصة الإلكترونية. الأمر الذي يسمح بالتلاعب بمحتوى الفواتير وقيمتها للتهرب من دفع الضرائب الجمركية والضريبة على القيمة المضافة. حيث تُعفى الشحنات التي تقل قيمتها عن 200 الف ليرة من دفع الرسوم والضرائب. وبالتالي فإن الكثير من الشحنات يوضع في هذه الخانة، ويستمر تفويت فرصة استفادة الخزينة من العائدات.

ظهور الأزمة

على الرغم من بعض المشاكل التي كانت تثيرها المتاجرة الإلكترونية بين الأفراد في لبنان، إلا أنها بقيت مُرضية إلى حد وصولها إلى الشركات الكبيرة، وتحديداً شركات الشحن، التي حاولت فتح أسواق جديدة بالاعتماد على التجارة الإلكترونية. وهنا ظهرت المشكلة، كما ظهر قصور لبنان على الصعيد التشريعي وتخلّف بناه التحتية، فـ "عَجِزنا عن تسويق ما لا نملكه"، يقول رئيس تجمع شركات النقل السريع في لبنان، مراد عون. وعندها، لمعت عند عون، فكرة إعداد ورقة مطلبية عرفت بـ "الخطة الإستراتيجية للتجارة الإلكترونية".

تنطلق الخطة من مبدأين أساسيين: القوننة والحماية. فهما يشكلان علة وجود التجارة الإلكترونية وسبب تطورها. والمطلوب اليوم وقبل أي شيء آخر، إعداد قانون وإصدار مراسيمه التطبيقية في الوزارات المعنية والجمارك. وهو ما يكفل البدء بعملية تنظيم القطاع وتطوير بنيته التحتية وتأمين سلامة المتاجرين وحماية المعلومات الشخصية المصرح عنها كأرقام بطاقات الإعتماد والهاتف، والعنوان وغيرها. وبحسب عون، فإن "هذا القانون لا يحمي قاعدة معلومات الأفراد ويؤمن عدم تعرضهم للغش والتلاعب فحسب، إنما يحمي الدولة أيضاً من خسارةٍ مادية تتعاظم سنوياً جراء الإزدياد المطرد بعمليات التجارة الإلكترونية وغياب التنظيم وقدرة المراقبة والمحاسبة". فالدولة ببقائها خارج اللعبة، لا تلحظ ولا تستفيد من آلاف عمليات البيع التي تجرى يومياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي البسيطة مثل فيسبوك وانستغرام وواتساب وغيرها...

تعزيز التنمية والنمو

بالإضافة إلى تعزيز الصادرات وتنويعها، فإن التجارة الإلكترونية تساهم في تطوير التجارة الداخلية، ونقل السلعة من المنتج إلى المستهلك مباشرة من دون المرور بحلقة الوسطاء حيث يتضاعف السعر، وهو ما يصب في مصلحة صغار المنتجين في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والحرفية في المناطق والأرياف، ويوفر على المستهلكين الأعباء المادية. وهذه العملية ستخلق المزيد من فرص العمل، وتساهم بشكل مباشر في تنمية المناطق البعيدة عن العاصمة والأرياف وصغار المنتجين.

المجلس الوطني أولوية

الإنتقال إلى هذه المرحلة الجديدة من التعامل التجاري، يتطلب بحسب الخطة إنشاء "المجلس الوطني للتجارة الإلكترونية"، الذي تكون مهمته جمع وتنسيق المعلومات، وإبداء الرأي والنصح، وحفظ حقوق المساهمين والمتعاملين، وربط المرافئ الأساسية بشبكةٍ إلكترونية، وتحديث قوانين التجارة القائمة وعمليات التحويل الإلكتروني، وضبط ومراقبة ومحاسبة عمليات الغش والقرصنة الإلكترونية، وتطوير أنظمة الجمارك والشروع في تطبيق التوقيع الإلكتروني، وإكمال ربط لبنان بشبكة الألياف البصرية.

حجم التجارة الإلكترونية سيتجاوز عالمياً الـ 4.9 تريليونات دولار في العام 2021. والـ 250 الف شحنة التي تصل شهرياً إلى لبنان ستصبح مليوناً. وعليه فإن كل يوم تأخير في إصدار القوانين والمراسيم لتشريع هذه العملية وضبطها، يعني المزيد من إهدار الفرص وتفويت ملايين الدولارات على الخزينة، والتسبب بخسائر كبيرة جراء إقفال مئات المؤسسات التجارية التقليدية، التي ستخرج من اللعبة تلقائياً مع استمرار إرتفاع وتيرة التجارة الإلكترونية غير المضبوطة. فهل تضع الدولة يدها التنظيمية على هذا القطاع أم تتركه "سائباً" كما غيره الكثير من القطاعات الأساسية؟


MISS 3