"ثورة جياع" في طهران!

02 : 00

لم يعد أمام المواطن الإيراني شيء ليخسره بعد، فبعدما استنزف النظام الحاكم في طهران كلّ مقدّرات الشعب في "طموحاته التوسعيّة" من بغداد مروراً بدمشق وبيروت وصولاً إلى غزة وصنعاء، ومع التدهور الدراماتيكي للوضع المعيشي بالتزامن مع انهيار التومان الإيراني أمام الدولار الأميركي، تجدّدت الاحتجاجات الشعبيّة في مدن إيرانيّة عدّة أمس على الرغم من حملة الاعتقالات والتضييق ضدّ "الثوّار" الذين خرجوا إلى الشوارع ليلة الخميس. وأظهرت لقطات مصوّرة نشرها ناشطون ومعارضون إيرانيّون تجمّع المئات في مدينتَيْ كنغان ومعشور في إقليم الأحواز، الغني بالنفط، جنوبي إيران، في وقت ينعقد فيه مؤتمر ضخم للمعارضة الإيرانيّة بمشاركة مناصرين بارزين لها من أوروبا والولايات المتحدة، عبر الإنترنت، للدعوة إلى إسقاط "نظام الملالي".

وأفاد ناشطون بأنّ المحتجّين في مدينة معشور قطعوا الطرق الرئيسيّة، فيما أطلق المتظاهرون في كنغان هتافات تُندّد بفشل سياسات النظام الإيراني وتدعو إلى اسقاطه، بينما اعترفت الشرطة الإيرانيّة أمس أنّها "فرّقت بحزم" تظاهرة في محافظة خوزستان في جنوب غربي البلاد، موضحةً أن المشاركين فيها ردّدوا شعارات "مخالفة للأعراف"، وهذا المصطلح عادةً ما تلجأ إليه السلطات الإيرانيّة للإشارة إلى الشعارات المناهضة لنظام الحكم.

وبالعودة إلى مؤتمر المعارضة، اجتمع عشرات من المجلس الوطني للمقاومة الإيرانيّة، الذي تحظره طهران، في ألبانيا، حيث انضمّ إليهم الآلاف عبر الإنترنت. وأمام الوفود ومئات الشاشات، تحدّثت خلال المؤتمر زعيمة المجلس الوطني مريم رجوي التي تُقيم في فرنسا. وقالت: "التزامنا الأوّل أنّنا نحن، الشعب الإيراني والمقاومة، سوف نُطيح بالنظام الديني ونستعيد إيران"، مضيفةً: "الكلمة الأخيرة هي أنّه لا يوجد حلول لدى الملالي ونظامهم محكوم بالسقوط بأكمله".

وأشارت رجوي إلى التظاهرات الأخيرة التي اجتاحت إيران في الوقت الذي يُعاني فيه الاقتصاد هناك بفعل العقوبات وسياسة "الضغوط القصوى" لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وزعمت أن منظّمتها تملك متعاطفين على الأرض يعملون على تسجيل الأحداث في إيران، قائلةً": "هذه الأنشطة هي شرارة للانتفاضة. إنّهم يضحّون بحياتهم للابقاء على شعلة الانتفاضة متّقدة".

وخلال حديث رجوي هتف الحاضرون باسم زوجها مسعود الذي كان زعيم الجماعة المعارضة لفترة طويلة، لكنّه لم يظهر علناً منذ عقود، والمنظّمة لم تؤكد وفاته أبداً. وهتف أنصاره: "مسعود رجوي زعيمنا وسنُحقّق انتصارنا"، لتردّ مريم رجوي: "سنُحقّق انتصارنا!".

وكرّر المتحدّثون الأجانب رسالة رجوي، وبينهم النائب البريطاني ماثيو أوفورد والنائب الفرنسي فيليب غوسلين ووزيرة الخارجيّة البولنديّة السابقة آنا فوتيغا. لكن نجم المؤتمر كان رودي جولياني، المحامي الخاص لترامب الذي حضر سابقاً مؤتمرات عدّة للمجلس الوطني، إذ أعلن عبر تطبيق "زووم" أن "هذا النظام على حافة الهاوية في الوقت الحالي"، مشيراً إلى طريقة تعامل إيران مع أزمة فيروس "كورونا المستجدّ". وتابع: "تغيير النظام في إيران في متناول اليد. لا تصغوا إلى المتشائمين".

وبخصوص التحرّكات الميدانيّة، كشف موقع "نيتبلوكس" الذي يُراقب حركة الإنترنت حول العالم أن استخدام الشبكة كان صعباً، مشيراً إلى أنّه تمّ تخفيضه أو قطعه لنحو ثلاث ساعات في خوزستان بالتزامن مع التظاهرة الخميس. ويأتي التجمّع في بهبهان بعد أيّام على تأييد المحكمة الإيرانيّة العليا عقوبة الإعدام بحق ثلاثة أشخاص على صلة باحتجاجات تشرين الثاني الماضي الدامية، التي أثارها رفع أسعار الوقود.

وفي هذا السياق، دعت مجموعة من الخبراء الحقوقيين في الأمم المتحدة إيران إلى إلغاء أحكام الإعدام التي صدرت بحقّ المتظاهرين الثلاثة، بعد مزاعم أيضاً عن تعرّضهم للتعذيب للإدلاء باعترافاتهم، في حين يُتوقع أن يكون وقع احتجاجات 2020 أشدّ من تلك التي حصلت العام الماضي، في ظلّ التراجع الرهيب في قيمة العملة المحلّية واشتداد الخناق على رقاب الإيرانيين الذين ينزلون بالآلاف كلّ يوم إلى ما دون "خطّ الفقر"، ما سيدفعهم للخروج إلى الشارع بشكل أكبر وأوسع إذ باتوا لا يملكون شيئاً ليخسروه، وهذا ما قد يُفجّر "ثورة جيّاع" قد تُطيح بالنظام الحاكم، بحسب مراقبين.

في الغضون، تملك الولايات المتحدة معلومات استخباراتيّة عدّة تُشير إلى أن إيران وضعت أجزاء من دفاعاتها الجوّية في "حالة تأهّب قصوى" في الأيّام الماضية، بحسب ما أفاد مسؤول أميركي لشبكة "سي أن أن"، وذلك على خلفيّة التطوّرات المرتبطة بالانفجارات الغامضة التي طالت عدداً من المنشآت النوويّة والعسكريّة والصناعيّة.

وأوضح المسؤول الأميركي المطّلع أن حالة التنبيه تعني أن بطاريات الصواريخ الجوّية الإيرانيّة ستكون جاهزة لإطلاق النار على أهداف "يُعتقد أنّها تُشكّل تهديداً"، فيما حذّرت وكالة السلامة الجوّية الأوروبّية الطائرات من التحليق فوق إيران، مشيرةً إلى خطر تعرّضها لصواريخ على غرار الطائرة المدنيّة الأوكرانيّة التي أسقطها "الحرس الثوري" قرب طهران مطلع العام الحالي.


MISS 3