خالد أبو شقرا

كوراب لـ "نداء الوطن": ربع الناتج المحلّي مهدّد بالضياع

مطوّرو العقار يحاولون إختراق الأزمة مرحلياً

6 آب 2019

01 : 01

قبل نحو ست سنوات، وتحديداً في العام 2013 بدأت تصدر عن قطاع العقارات مؤشرات سلبية. المطورون العقاريون امتصوا الصدمة الأولى، وسوّقوا لنظرية "الهدوء" برباطة جأشٍ، وبأملِ تحسن الأوضاع بأسرع وقتٍ ممكن. إلا أن حساب المطورين لم يطابق حساب الدولة، التي تحولت إلى شريك منافس على التمويل، بدلاً من أن تكون راعية ومسهلة. وفي سنوات قليلة، انحدرت الأمور دراماتيكياً حتى باتت اليوم على قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار.

إنتكاسة قطاع العقارات كانت المؤشر الأقوى لعدم صحة الإقتصاد، وليس العكس، بالرغم من كل الأخطاء والعثرات التي شابت القطاع العقاري. فالأزمة التي أتت كنتيجة طبيعية لعدم قوننة القطاع، تزامنت مع تراجع النمو، توقف ضخ الأموال، عجز الدولة وارتفاع أسعار الفوائد. وعلى عكس المنطق تُرك القطاع الذي يمثل 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في مهب التجاذبات، وعرضة لسقطة قد تطيح أكثر من 70 مهنة ومصلحة ومؤسسة، ومن ضمنها المؤسسات التمويلية.

حتمية جدولة الديون

وحده الإيمان بلبنان كوطن سيُترك للأبناء، هو ما حفز المطورين العقاريين في الإستبسال لعدم التخلي عن المطالبة بإعادة جدولة ديون قطاع العقارات، وعدم ترك المبنى يسقط فوق رؤوس قاطنيه. فحجم ديون القطاع العقاري بلغ 20 مليار دولار، وهو يتوزع بين ديون الأفراد وديون المطورين. وإذا كان الأفراد ما زالوا، لغاية اللحظة، قادرين على التسديد، فإن المطورين وقفوا عاجزين أمام تراجع حركة البيع وارتفاع الفوائد التي لامست الـ 14 في المئة. "مساعدة القطاع تعني مساعدة الإقتصاد. لأن أي تعثر في العقارات، سينسحب على المصارف والدولة والإقتصاد"، تقول نائبة رئيس جمعية مطوري العقار "ريدال"، ميراي كوراب.

هل المصارف تخسر بالرهونات؟

قبل نحو عام ونصف العام، وتحسساً بخطر إنزلاق قطاع العقارات نحو الهاوية، سمح المركزي للمصارف التجارية بتملك العقارات المتعثرة، وتحصيل كامل قيمة الدين عينياً، مع إمكانية الاحتفاظ بالعقارات قبل تسييلها، لمدة 20 عاماً، بعدما كانت المدة الاقصى المسموح بها للمصرف سنتين. إلا أن هذه الإجراءات على أهميتها لم تساعد القطاع. فبالرغم من تشجيعها المصارف على استرداد الدين عينياً، فهي لم تقدم لقطاع العقارات البديل الجدي. فتمديد فترة الدفع وإعطاء إعفاءات معينة زمنية ومادية يعتبران بمثابة حجر الزاوية الذي يبني عليه المطورون آمالهم، وهو لن يساهم في رأيهم بإعادة بناء القطاع على أساس صلب فحسب، إنما سيحمي أرباح حاملي الديون أي المصارف، من التصنيفات السلبية، ويجنبها خطر الديون المعدومة. "يجب ان تحلها لئلا تكسرها"، تقول كوراب، باشارة واضحة إلى أن الإستحواذ على العقارات بدلاً عن الدين، لم يعد مربحاً للمصارف في ظل تراجع القدرة على اعادة البيع، وانخفاض الاسعار، وبالتالي فان اعادة الجدولة تصب في مصلحة الجميع.

يسأل أحد المطورين العقاريين الذي يبلغ حجم دينه 5 ملايين دولار أميركي عن الحل، بعدما وصل إلى طريق مسدود. وقد عجز نتيجة انعدام البيع، وتجاوز معدل الفائدة على دينه الـ 13 في المئة، عن سداد دفعاته الشهرية. وبحسب المطور، فإن مختلف السيناريوات المعتمدة اليوم تقود إلى مأزق ولا تؤمن الحل. ويقول: "عدم إتخاذ اجراءات بحق المتعثر، من قبل المصرف، يخالف الاصول المصرفية، وتملك أصوله قد يكون غير مفيد في ظل انخفاض الأسعار". وما بين انعدام القدرة على السداد وموقف المصارف، يدور مطور بعد آخر في حلقة مفرغة، حلها الوحيد، بحسب كوراب "إعادة جدولة ديونهم". فيأخذ المصرف على سبيل المثال بقيمة 2 مليون دولار عقارات، ويقسم الباقي على دفعات مع تحديد سنة اولى إعفاء. أو بطرق أخرى يجرى الاتفاق عليها بين جمعية المصارف و"ريدال" التي أصبحت تضم اليوم أكثر من 60 شركة عقارية.

وبحسب كوراب فان "ما ستقوم به المصارف لن يكون تضحية منها. فهي من ناحية استفادت أيام الفورة العقارية من التوظيفات وتدفق الاموال. ومن ناحية ثانية، توجد في المصارف ودائع لأصحاب الرهون تفوق مرة ونصف المرة حجم الدين، وعلى المصارف استعمالها بما يفيد ويسهل على القطاع العقاري لحمايته وحماية نفسها". تحدي استمرار الأزمة

المنطق الذي ينطلق منه المطورون العقاريون تقابله مجموعة من الأسئلة والهواجس أولها، هل إعادة الجدولة بما تعنيه من تأجيل الإستحقاق وشراء الوقت، كافية في ظل استمرار انخفاض النمو، حيث عدم إنتعاش الاسواق وعودة الازدهار يعنيان تكبد المصارف الكثير من الخسائر؟ وثانيها، يتصل بطريقة استعمال القروض المدعومة، والدور الذي لعبته في انتفاخ القطاع وإحداث فورة نتيجة زيادة العرض والطلب. وهذا ساهم في تعميق الأزمة الحالية على المطورين والمواطنين جراء تراجع العقارات. وثالث هذه الاسئلة، هو في قدرة المصارف على فتح الباب أمام المطالبة بجدولة الديون، والتي ستبدأ تنهال عليها من كل حدب وصوب، خصوصاً في ظل ما تشهده مختلف القطاعات من عثرات.

في المقابل يراهن المطورون العقاريون على أن مدة الدورة الإقتصادية هي سبعة أعوام، وقد شارفت على النهاية إذا اعتبرنا العام 2013 هو تاريخ بدء الأزمة، وبالتالي فإن الجدولة ستصيب هدفها في ظل معاودة النمو. فرضية قد تتوافق مع علم الإقتصاد، لكنها تتعارض مع ما نشهده من مؤشرات إقتصادية ومالية، دلالتها الوحيدة عمق الأزمة وفشل الرهان على الوقت.