كيث ج. كراش

إيران والصين... التوأم التوتاليتاري

24 تموز 2020

المصدر: The Wall Street Journal

02 : 00

أعلن وزير الخارجية الإيراني حديثاً أن حكومته تتفاوض مع الصين لعقد "شراكة استراتيجية" تمتد على 25 سنة وتشمل استثمارات صينية تصل قيمتها إلى 400 مليار دولار. ثم بدأ السيرك الإعلامي! اعتبرت عناوين الصحف العالمية ذلك الاتفاق "ميثاقاً محورياً" يطرح "تحدياً جريئاً" على الولايات المتحدة. لكنّ هذا الاستنتاج السريع ليس دقيقاً!

في المقام الأول، يجمع هذا الاتفاق بين نظامَين مخادعَين يستعملان الحملات الدعائية للتفاخر بنفسَيهما. لكنّ قابلية تنفيذ الاتفاق تدعو إلى الشك. يُفترض أن نشكك بقدرة بكين على تمويل بنى تحتية إيرانية بقيمة 400 مليار دولار. لفهم حقيقة الوضع، يجب أن نعرف أن قيمة استثمارات الصين في إيران كانت أقل من 27 مليار دولار في آخر 15 سنة. هكذا كان الوضع قبل أن يتأثر الاقتصاد الصيني بفيروس "كوفيد - 19" المستجد. في أفضل الأحوال، يمكن اعتبار هذا الاتفاق إطار عمل للتعاون بين الطرفَين إذاً.

على صعيد آخر، يواجه هذا الاتفاق المزعوم غضباً واسعاً من جانب الشعب الإيراني الذي لا يحبذ أن يصبح بلده دولة عميلة للصين لأي سبب كان. تكثر التخمينات التي تتوقع أن يشمل الاتفاق تنازلات نفطية لصالح الشركات الصينية، ومنح الجيش الصيني الحق بنشر قواعده العسكرية، واستئجار الجزر الإيرانية على المدى الطويل. هذه التوقعات كلها ممكنة نظراً إلى تاريخ الصين الحافل بالصفقات الجشعة والإمبريالية الجديدة. يحافظ البلدان على سرية الدعم العسكري الصيني المقترح لإيران، وسبق واخترق الاتفاق على الأرجح قرار الأمم المتحدة بحظر توريد الأسلحة. من المتوقع أن تتفاقم أزمة الشرعية القائمة بين النظام الإيراني وشعبه في حال تنفيذ الاتفاق.





تمنع أسباب أخرى إتمام الاتفاق بالشكل الذي تذكره التقارير. لا تستطيع الشركات الصينية المملوكة للدولة، لا سيما في قطاع الطاقة، تحمّل كلفة التداعيات المالية المترتبة عن العقوبات الأميركية نتيجة دخول الصين إلى السوق الإيراني. إلى جانب هذه المخاطر، من المعروف أن الاقتصاد الإيراني فاسد جداً ويسيطر عليه الحرس الثوري المُصنّف كمنظمة إرهابية خارجية. هذا العاملان يجعلان أي عائدات استثمارية غير مؤكدة.

يكفي أن نقول إن الاتفاق مبالغ فيه إذاً، لكنه يكشف جانباً مهماً عن كل بلد ويفسّر سبب تلاقي الطرفين في هذا التوقيت.

من الواضح أن إيران لجأت إلى هذه الشراكة من باب اليأس المتزايد. أصبح النظام ضعيفاً بسبب العقوبات الأميركية جزئياً، لذا يبدي الملالي استعدادهم لعقد صفقة مع قوة مفترسة طالما يمنحهم هذا الاتفاق الرساميل التي يحتاجون إليها. يبدو النظام مستعداً إذاً للتقرب من الحزب الشيوعي الصيني رغم إقدامه على احتجاز مسلمي الإيغور في مخيمات التلقين. يتخلى الملالي بهذه الطريقة عن مبادئ أبيهم الروحي، آية الله روح الله الخميني، الذي اختصر الطموحات العالمية بجمهوريته الإسلامية التي كانت حديثة العهد في العام 1981 قائلاً: "نتمنى أن تذبل جذور الشيوعية الفاسدة في أنحاء العالم". كما أنه دعا أتباعه إلى "تدمير" الشيوعية. هل ماتت ثورة الخميني إذاً في عمر الواحد والأربعين؟

على الجانــــــب الصيني، يبدو أن إصرار بكين على دعم أول دولة راعيـة للإرهاب ومعادية للسامية في العالم هو جزء من سلسلة خطوات تثبت قلة مسؤولية الصين في مختلف قراراتها. أخفت بكين انتشار فيروس "كوفيد - 19" في المراحل الأولى من ظهوره، وحاولت أن تستفيد من الوباء في المرحلة اللاحقة عبر فرض "دبلوماسية أقنعة الوجه"، وأطلقت حملة قمع في هونغ كونغ، وافتعلت حرباً حدودية دموية مع الهند.

على صعيد آخر، تكشف الشراكة الصينية الإيرانية عن القواسم المشتركة بين الطرفَين. الحكومتان هما عبارة عن بقايا ثورية معروفة بالسلوكيات الخارجة عن القانون، وازدواجية المواقف، والتنمر، والظلم المحلي، والهيمنة الفكرية، والممارسات الاقتصادية القسرية، والانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان. كان اجتماع هذا التوأم التوتاليتاري عبر "شراكة استراتيجية" مسألة وقت إذاً. على العالم أجمع أن يُطوّر وينفذ استراتيجيات لمجابهتهما اليوم، لا سيما بكين.

من الناحية الإيجابية، بدأ العالم يدرك مخاطر التعامل مع إيران، وتفهم الشركات الأميركية بشكلٍ متزايد اليوم كلفة التعامل مع الصين.

في إيران، انسحبت أكثر من 100 شركة أجنبية كبرى من السوق أو ألغت استثماراتها هناك منذ أن أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات في العام 2018، ما أدى إلى خسارة استثمارات بقيمة عشرات مليارات الدولارات. كذلك، تبدو البنى التنظيمية في إيران فاسدة لدرجة ألا تعرف الشركات التي تحمل أفضل النوايا ما إذا كانت تُسهّل النشاطات الإرهابية من دون علمها. لهذا السبب، قرر فريق العمل المالي في باريس وضع إيران على اللائحة السوداء حديثاً، كونها ترفض وقف تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.في الصين، تحمّلت الشركات الأجنبية طوال سنوات مشاريع مشتركة شائبة، وسرقات فاضحة للملكية الفكرية، ومظاهر تنمّر تطاول جميع أنحاء العالم، ومحاولات متواصلة لجمع معلومات عن الحياة الشخصية والأملاك كي تستعملها الصين لمصلحتها في صفقاتها التجارية. لكن لم يعد الوضع كذلك.

بدأت محاولات الصين الرامية إلى طرح نفسها كشريكة عالمية حسنة النية ويُساء فهمها دوماً تفشل. تعمد الشركات إلى تنويع سلاسل الإمدادات بعيداً عن الصين وتبقي التكنولوجيا الأساسية خارج سطوة الحزب الشيوعي. من خلال شركة "هواوي"، يحاول هذا الحزب أن يصدّر تقنيات المراقبة التي يستعملها عبر شبكة الجيل الخامس، إلى جانب تطبيقات خليوية إضافية مثـــــــل WeChat وTikTok.





انضمّت بريطانيا إلى لائحة متوسعة من البلدان التي تعيد التأكيد على أهمية أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية بعد قرارها في الأسبوع الماضي بمنع استعمال معدات "هواوي" في شبكة الجيل الخامس المحلية. كذلك، بدأت صفقات "هواوي" مع شركات الاتصالات حول العالم تتبخر، فقد منعت بلدان ديمقراطية مثل اليابان، وأستراليا، وجمهورية التشيك، وبولندا، والسويد، وإستونيا، ورومانيا، والدنمارك، ولاتفيا، والولايات المتحدة، استعمال معداتها التي تحمل مخاطر غير مقبولة. وفي الأسابيع الأخيرة، قررت "تلكو إيطاليا" و"تيليفونيكا" وشركات الاتصالات الثلاث الكبرى في سنغافورة وكندا حظر معدات "هواوي" أيضاً.

أصبح هذا النجاح ممكناً بفضل تصميم إدارة ترامب على فضح الصين وإيران ومحاسبتهما، وستتابع الولايات المتحدة أداء دور رائد في هذا المجال. فرض الأميركيون حديثاً ضوابط على تكنولوجيا أشباه الموصلات الأميركية لمنع وصولها إلى "هواوي"، وطرحوا "مبادرة المسار النظيف" في شبكة الجيل الخامس لمنع الأنظمة الدبلوماسية الأميركية من نقل المعلومات إلى معدات "هواوي". كذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكثر من ألف فرد وكيان له علاقة بالنظام الإيراني، ما حرم طهران من المليارات التي كانت لتنفقها على الإرهاب. لقد أثبت الأميركيون بذلك أن السياسة الاقتصادية الذكية تكون مرادفة لأي استراتيجية عقلانية في مجال الأمن القومي، ومن الواضح أن أصدقاءهم وشركاءهم حول العالم يستجيبون لهذه الدعوة بطريقة غير مسبوقة. بدأ العالم يتجه نحو شركاء جديرين بالثقة يؤيدون القيم الأميركية، ومن المتوقع أن تتسارع هذه الحركة في المراحل المقبلة. إنه وضع ممتاز لجميع الدول التي تقدّر قيمة الحرية والأمن.