رفيق خوري

مأزق السلطة ومعادلة لبنان

25 تموز 2020

02 : 00

الوضوح عدو المافيا السياسية والمالية والميليشيوية القابضة على لبنان. والحليف الوحيد لها هو ما يسميه الفرنسيون "إغراق السمكة" وما وصفه ألدوس هوكسلي بأنه "طمس الحقيقة" بأكبر قدر من الثرثرة خارج الموضوع. وليس بين التوقعات ان تحقق السلطة ما حدده بوضوح كامل وحشرها به وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، وهو طبعاً من مطالب الثورة الشعبية السلمية التي جرى اغراقها بالعصبيات وقمع الناشطين فيها. الزائر الفرنسي الذي يتكلم باسم الغرب والعرب والذي لا تزال بلاده، بعد الفاتيكان، تهتم للبنان بذاته يرى ان الاصلاحات هي الممر الوحيد الى انقاذ لبنان. والسلطة التي لا هم لها سوى مصالحها تضع الاصلاحات في باب "الانتحار السياسي" لها. وهي سقطت في الامتحان الشعبي والعربي والدولي.

لكن السلطة وصلت الى مأزق ضيق جداً، وهي تتلاعب بالحقائق وتلعب بأزمات لبنان وتعيش عليها وتقترض للنهب: طريق الاصلاح والتغيير مسدود، والحفاظ على الستاتيكو لم يعد ممكناً وسط تسارع الانهيار. فإلى اين يهرب المسؤولون في واجهة السلطة واللامسؤولون الذين هم اصحاب السلطة والمتحكمون بكل شيء؟ الى أي "شرق" وهو يبحث عن علاقات مع " الغرب"؟ الى أي "غرب" ما دمنا نريد قوات دولية بلا مهمة واخراج اميركا من "غرب آسيا"، ونهدد دول الخليج ونسخر من اوروبا ونرفض حتى ابسط مطلب فرنسي وهو اصلاح الكهرباء؟ وأي لا شرق ولا غرب، ان لم نسأل انفسنا: من نحن وهل نقف في موقع لبنان الطبيعي؟

شيء من مسرح العبث ان تتحكم بنا سلطة لا تستطيع التوصل الى حل من الداخل، ولا ضمان مخرج من الخارج. حل موضعي، لا جذري، ومخرج من هاوية الازمات الى سطح الارض، لا الى قمة النهوض الاقتصادي. وهذا ما يجعلنا اسرى معادلة ليس في يدنا شيء منها: الارتباط بأزمات المنطقة وحروبها عبر الانخراط في صراع المحاور يقود حكماً الى الارتباط بالحلول والتسويات فيها. والترجمة العملية لذلك هي انه لا مجال لتسوية ازماتنا بمساعدة الاشقاء والاصدقاء، ان لم نفك الارتباط بالمحاور وصراعات المنطقة. وهذه تبدو مهمة صعبة. ولا حل بالمعنى التاريخي الا ضمن الحل الكبير الذي يعيد تشكيل المنطقة ورسم خرائطها. وبالتالي انتظار ما تنتهي اليه حرب سوريا وحرب اليمن وحرب ليبيا وتجربة العراق وتسوية الصراع العربي- الاسرائيلي، أي اللعبة الكبيرة بين اميركا وروسيا وايران وتركيا واسرائيل.

يقول مثل في ويلز: "المحنة هي أمّ الحكمة". والواقع في لبنان، مع الاسف، ان المحنة أمّ الجهالة.