توقيف جواسيس صينيّين في الولايات المتحدة

بكين تأمر بإغلاق القنصليّة الأميركيّة في شينغدو

02 : 00

حرّاس يضعون كمامات واقية يقفون أمام القنصليّة الأميركيّة في شينغدو أمس (أ ف ب)

أمرت الصين أمس بإغلاق القنصليّة الأميركيّة في مدينة شينغدو الكبيرة في جنوب غربي البلاد، ردّاً على إغلاق إحدى بعثاتها في الولايات المتحدة، في نهاية "أسبوع غضب حافل" من ديبلوماسيّة تُذكّر بلغة التخاطب إبّان "الحرب الباردة". وجاء الإعلان عن إغلاق القنصليّة في أعقاب وابل من التحذيرات من مسؤولين أميركيين كبار من "طغيان" الصين الشيوعيّة، فيما وُجّهت إلى مواطنين صينيين في الولايات المتحدة اتهامات مختلفة بالتجسّس.

وأوضحت وزارة الخارجيّة الصينيّة في بيان أن "هذا القرار يُشكّل ردّاً شرعيّاً وضروريّاً على الإجراءات غير المنطقيّة للولايات المتحدة"، مشيرةً إلى أن "الوضع الحالي للعلاقات الصينيّة - الأميركيّة هو ما لا ترغب بكين في رؤيته، والولايات المتحدة مسؤولة عن هذا كلّه". كما أكدت الخارجيّة أن الإغلاق هو ردّ مباشر على قرار الولايات المتحدة الثلثاء إغلاق القنصليّة الصينيّة في هيوستن، والتي وصفها وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو بأنّها "وكر جواسيس صيني" و"مركز لسرقة الملكيّة الفكريّة".

ولم تذكر الخارجيّة الصينيّة مهلة لإغلاق الممثليّة. وكانت الأجواء خارج القنصليّة هادئة أمس، وفق ما أظهر بثّ مباشر للتلفزيون الرسمي الصيني، وشوهد الحرّاس أمام مدخلها. وإلى جانب سفارتها في بكين، لدى الولايات المتحدة 5 قنصليّات في مدن كانتون وشنغهاي وشينيانغ وشينغدو ووهان، وكذلك في هونغ كونغ. وتُغطّي قنصليّة شينغدو، التي فُتِحَت العام 1985، كلّ جنوب غربي الصين، خصوصاً منطقة التيبت ذات الحكم الذاتي. وبعثة شينغدو، هي المكان الذي لجأ إليه المسؤول الصيني وانغ ليجيون العام 2012 هرباً من رئيسه المتنفّذ بو تشيلاي، الذي كان آنذاك مسؤول مدينة شونغكينغ المجاورة. تزامناً، حضّ البيت الأبيض الصين على عدم الردّ بالمثل، بإصدار أمر بإغلاق القنصليّة الأميركيّة في شينغدو، إذ قال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي جون أوليوت: "جاء تحرّكنا للتوجيه بإغلاق القنصليّة العامة لجمهوريّة الصين الشعبيّة في هيوستن لحماية الملكيّة الفكريّة الأميركيّة والمعلومات الخاصة للأميركيين"، مضيفاً: "نحثّ الحزب الشيوعي الصيني على وقف هذه الأعمال الخبيثة بدلاً من الردّ بالمثل".

وفي هذا السياق، أكّد مسؤول كبير في الخارجيّة الأميركيّة أنّ أمر الولايات المتحدة للصين بإغلاق قنصليّتها في هيوستن رسالة إلى بكين لوقف أنشطة التجسّس الاقتصادي في الولايات المتحدة. وقال المسؤول الذي أصرّ على عدم كشف هويّته: "يأتي وقت يتعيّن عليك فيه أن تقول كفى"، لافتاً إلى أنّ بكين "أساءت بشكل فاضح استخدام قدرتها على الدخول الحرّ والمفتوح إلى المجتمع الأميركي من خلال إدارة عمليّات لجمع الملكيّة الفكريّة الأميركيّة بشكل غير قانوني". واعتبر أن "إغلاق قنصليّة هيوستن دليل قوي على أنّنا جادون".

وشوهدت الشاحنات تعمل ليلاً نهاراً لإزالة الممتلكات والمعدّات، كما شوهدت أعمدة الدخان الأربعاء تتصاعد من المبنى، ما يُشير إلى أن المسؤولين الصينيين كانوا يحرقون وثائق سرّية. وفي وقت مبكر من يوم أمس، شوهد العديد من المسؤولين الصينيين، وجميعهم يضعون أقنعة واقية، وهم يقومون بتحميل أكياس كبيرة على شاحنات ويلقون بأكياس في صناديق القمامة القريبة من مبنى القنصليّة في هيوستن. وأوضح مسؤول في وزارة العدل للصحافيين، طالباً عدم كشف هويّته أيضاً، أنّه "في حين تتوقع الولايات المتحدة أن تقوم البعثات الأجنبيّة ببعض أعمال التجسّس وسرقة الملكيّة الفكريّة، غير أن ما كان يجري في قنصليّة هيوستن تجاوز الحدود". وتابع أن هذه الجهود تضمّنت توجيه الطلاب والباحثين الصينيين في شأن أنواع المعلومات والتكنولوجيا التي يجب الحصول عليها، واستقطاب أميركيين في برنامجهم التكنولوجي، واستهداف معارضين صينيين مقيمين في الولايات المتحدة.

كذلك، أشار المسؤول في وزارة العدل إلى أن الأمثلة العلنيّة على مثل هذا السلوك والتي عرفت من خلال سلسلة من القضايا الجنائيّة على مدى السنوات الثلاث الماضية، "ليست سوى جزء بسيط" ممّا تعرفه الاستخبارات الأميركيّة، بينما كشف مسؤول استخباراتي أميركي للصحافيين أن "جامِعي" المعارف المتّصلة بالعلوم والتكنولوجيا في قنصليّة هيوستن "تصرّفوا بجرأة وكانوا ناجحين بشكل خاص".

وفي الغضون، أعلن مسؤول أميركي كبير إيقاف باحثة صينيّة متّهمة بإخفاء علاقاتها مع جيش بلادها للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة، وذلك بعد لجوئها إلى قنصليّة الصين في سان فرانسيسكو. وذكرت وزارة العدل الأميركيّة في بيان الخميس أن "أربعة أشخاص اتهموا أخيراً بالاحتيال في التأشيرات لأنّهم كذبوا في شأن انتمائهم إلى الجيش الصيني، بهدف الحصول على تصاريح إقامة تسمح لهم بإجراء أبحاث أو الدراسة في الولايات المتحدة، وقد أوقف يومها ثلاثة منهم".

وأوضح مسؤول في الوزارة للصحافيين الجمعة أن "إمرأة من بين هؤلاء الأشخاص كانت في حالة فرار الليلة الماضية، ولجأت إلى القنصليّة في سان فرانسيسكو". وهذه المرأة التي تُدعى جوان تانغ، مختصّة في معالجة السرطان، وعملت منذ كانون الثاني في مختبر تابع لجامعة كاليفورنيا. ووفق لائحة الاتهام، اكتشف محقّقون صوراً لها وهي تضع زيّاً نظاميّاً وثبُت لهم أنّها عملت في مستشفى عسكري صيني.

وأضافت الوزارة أنّها "رهن الحبس الاحتياطي وستمثل للمرّة الأولى أمام محكمة خلال اليوم"، من دون أن توضح الظروف التي جرى فيها ايقافها. وأشارت الوزارة أيضاً إلى أنّها "لا تتمتّع بحصانة ديبلوماسيّة". ووفق المسؤول، فإنّ حالات التجسّس الاقتصادي التي تُوجّه فيها اتهامات مثل هذه "ليست إلّا جزءاً بسيطاً" من المجمل. ويقود بومبيو الهجوم الجديد للرئيس الأميركي دونالد ترامب على النظام الشيوعي الصيني. وقال وزير خارجيّة الولايات المتحدة الخميس إنّ "الصين هي اليوم دولة تزداد استبداداً في الداخل، وعدوانيّة في عدائها للحرّية في كلّ مكان آخر". وأكد في سياق حديثه عن إيديولوجيّة الحزب الشيوعي أن "على العالم الحرّ أن ينتصر على الطغيان الجديد".


MISS 3