مريم مجدولين لحام

إتصالات ومراجعات نتيجتها "لا تندهوا ما في حدا"

أموال اليمن رهينة المصارف اللبنانية

29 تموز 2020

02 : 00

تدهور غير مسبوق للعملة اليمنية
يدفع المواطنون ورجال الأعمال اليمنيون، غالياً ثمن لجوئهم إلى المصارف اللبنانية كوسيط مالي لشركاتهم ولفتح اعتمادات الاستيراد وتنفيذ التحويلات المالية مع الموردين والعملاء، إذ، وبسبب الأزمة الإقتصادية والنقدية في لبنان، وتوقف المصارف اللبنانية عن القيام بالتحويلات النقدية التجارية إلى الخارج، تعطّلت غالبية أعمالهم وحُجزت ودائعهم. ولم تتوقف تأثيرات هذه الأزمة على القطاع التجاري الخاص في اليمن، بل طاولت بشكل كبير البنوك والقطاع المصرفي اليمني الذي يعتمد على البنوك اللبنانية كحسابات مراسلة في العمليات المصرفية اليومية.





بعد هروب ثلاثة أضعاف الاقتصاد اليمني إلى خارج البلاد، لا تبدو آمال الشركات والمصارف اليمنية في استرجاع ودائعها سهلة التحقق، نظراً لحظر المصارف اللبنانية غالبية التحويلات الخارجية منذ أشهر، ولخوفها من هروب رؤوس الأموال في حين يواجه لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية والمالية منذ ثلاثين عاماً. ووسط التطمينات التي أعطيت لهم تحت عنوان "ودائعكم بخير" يبدو أن لا خيار أمام اليمنيين سوى الإمتثال للمثل اللبناني القائل "إلحق الكذاب عباب الدار"!

من الملاذ إلى "الجلّاد"

مع بداية الحرب الأهلية في اليمن، أُفرِغ البنك المركزي اليمني من الاحتياطي النقدي الأجنبي لديه والمقدّر بـ 4.7 مليارات دولار في كانون الأول 2014 فتراجع إلى أقل من مليار دولار في أيلول 2016. كما نُقل مركزه من صنعاء إلى عدن متكبداً خسائر تخطت التريليون ونصف من العملة الوطنية، بينما فقدت العملة الوطنية وفق تقارير رسمية، 150% من قيمتها بخاصة مع استخدام العملة التالفة من قبل الميليشيات، وطبع أوراق نقدية بشكل مختلف عن العملة الوطنية اليمنية من دون تغطية حتى وصل سعر الصرف حالياً إلى 765 ريالاً للدولار في عدن، ونحو 598 في صنعاء، بعد أن كان يعادل نحو 225 ريالاً للدولار الواحد في سعر موحّد للبلاد مطلع العام 2015. وعليه، عانى الشعب اليمني مطولاً من الضغوطات الإقتصادية ومن تضييق الخناق على قطاعه المصرفي وهو ما دفع البنوك اليمنية للإتكال على مصارف لبنان لتقديم اعتمادات مستندية نيابة عنها بخاصة بعد انخفاض مستواها الائتماني لدى أغلب المؤسسات المالية العالمية.



الإقتصاد اليمني على حافة الإنهيار



ولكن منذ أشهر، تحوّل القطاع المصرفي اللبناني من الملاذ الآمن إلى الجلّاد. وجاءت القيود التي وضعتها المصارف لتزيد أوجاع الملايين من المواطنين اليمنيين في بلدهم الذي يشهد حروباً إقليمية على أرضه والتي للمفارقة، يشارك فيها أيضاً فريق لبناني مهم هو "حزب الله".

وفي دراسة حديثة لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية تحت عنوان "الإنهيار المالي في لبنان يخنق حركة أموال البنوك اليمنية" وجد الباحثان ريان بايلي وأنتوني بيسويل أنه وبما أن اقتصاد لبنان "مدولر" وبما أن المصارف في لبنان تتعامل بالدولار بشكل رسمي، "لجأت المصارف اليمنية ورؤوس الأموال التجارية والعملاء، تحديداً التجار ورجال الأعمال اليمنيون إلى فتح حسابات مصرفية في لبنان، كحسابات مراسلة يحولون عبرها الأموال إلى الصين وغيرها من الأسواق العالمية لشراء البضائع الأساسية والأدوية والدفع لوكلاء الشحن والوسطاء من دون الحاجة إلى دفع رسوم إضافية". ووفقاً لتقريرهما، أصبحت البنوك اللبنانية مركز جذب للودائع اليمنية بشكل أساسي بعدما أنهت مصارف عدة في أوروبا الغربية وكندا تعاملاتها مع اليمن حتى صار "للبنوك اليمنية في لبنان حوالى 240 مليون دولار من العملات الأجنبية وهو ما يمثل حوالى 20% من إجمالي ودائع النقد الأجنبي خارج اليمن والتي، تماماً كحال المودعين اللبنانيين، لا يمكن لليمني الوصول إليها".

في السياق، أشار مصدر مصرفي في البنك المركزي اليمني في عدن (رفض الكشف عن اسمه) لـ"نداء الوطن" أنه "وفيما تتجه المصارف اللبنانية نحو إعادة الهيكلة في خطوة تقود إلى عمليات دمج في سوق يضم حوالى 47 مصرفاً، يتخوّف اليمنيون، على مصير ودائعهم المحتجزة في لبنان من دون أي سند قانوني أو دستوري". وأضاف المصدر "تسبب احتجاز أموال اليمنيين في لبنان بسلسلة من الأزمات المعيشية والخدماتية ومشكلة في انقطاع لبعض السلع الأساسية في الأسواق وازدياد في متوسط أسعار المواد الغذائية وارتفاع لكلفة سلة الغذاء بما أن معظم مستوردي البضائع اليمنيين فقدوا قدرتهم على فتح الإعتمادات المصرفية وتوقفوا عن الإستيراد".



البنك المركزي اليمني



مفاوضات فاشلة

سلّطت القيود المصرفية اللبنانية على التحاويل الضوء على هشاشة الوضع المالي والإقتصادي في اليمن إذ أنها حتى الآن تقف عائقاً أمام العمليات المصرفية للبنوك اليمنية، وخصوصاً في ما يتعلق بإجراءات الاستيراد، التي يحتاج إليها اليمن لضمان واردات السلع الأساسية وأهمها الأرز والطحين.

أما وبحسب مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية فقد فشلت المفاوضات "شبه اليومية" التي أجراها وفد يمني رفيع المستوى مع الحكومة اللبنانية ومع مسؤولي بنك بيروت، الذي يحتفظ بغالبية الأموال اليمنية، في إيجاد حل للمأزق لسحب تلك الأموال حيث رفضت المؤسسات المالية اللبنانية صرفها على الرغم من عرض الوفد لقضيته على حاكم البنك المركزي اللبناني رياض سلامة. فكانت المحادثات "ودية ولكن لم يكن هناك أي مؤشرات قوية توحي بأنه سيتم الإفراج عن الأموال في وقت قريب. وفي الأسبوع الثالث من شباط، غادر الوفد خالي الوفاض. أما المصيبة حالياً فهي أنه لا يمكن للبلاد الإقتراض بخاصة بعد تداعيات فيروس كورونا على كل الدول التي يمكنها دعم اليمن ونتيجة لذلك تتضاعف أهمية الأموال المجمدة في لبنان وخطورة فقدان الثقة في البنوك والمستوردين اليمنيين".


من جهته أسف رئيس جمعية البنوك اليمنية محمود ناجي في حديث مع "نداء الوطن" لتدهور العلاقات المصرفية بين لبنان واليمن بخاصة "أنها كانت علاقة تعاون وثيقة ومهمة للبلدين جمعت بين القطاعين لعدة سنوات"، وبحسبه "كانت المصارف اللبنانية المنجد الأول لهم وللشعب اليمني وأعطتهم "الأوكسيجين" في حين كانت البنوك الأجنبية الأخرى تخنقهم وترفض التعامل معهم. لا بل أتى لبنان كخيار وحيد وممتاز للبنوك اليمنية من بين جميع البدائل المطروحة ومنها إيران، إذ سهلت المصارف اللبنانية إمكانية فتح حسابات بنكية لتمويل التجارة مانحة إياها فوائد عالية على الودائع، كما حفظت لها الخصوصية والسرية الملحوظتين في القوانين اللبنانية، بخاصة بعد أن واجه البنك المركزي اليمني ضغوطات كبيرة لتسهيل استيراد السلع الأساسية بعد تعليق صادرات النفط والغاز في العام 2015، المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي في اليمن".


رئيس جمعية البنوك اليمنية محمود ناجي





وتابع ناجي" "وفجأة تدحرجت كرة النار المتمثلة بفرض المصارف اللبنانية قيوداً على سحوبات العملاء ضمن عدة مسارات أهمها الغضب الشديد لدى المصارف والشركات اليمنية التجارية إذ أنها لم تتمكن من استخدام حساباتها لدى المصارف اللبنانية في تغطية اعتماداتها المستندية أو تحويلاتها إلى الخارج. وقد ضاعف ذلك من الصعوبات والعوائق التي تواجه البنوك اليمنية في تعاملاتها مع العالم الخارجي من دون ان تلتفت إلى الأضرار الهائلة التي تسببت بها من إفلاس عدد من الشركات أو دخول أخرى في مشاكل مالية كبيرة مع المصانع والموردين.

وبحسبه "حاولت جمعية البنوك اليمنية التوصل إلى تفاهم ودي مع السلطات النقدية اللبنانية في سبيل الخروج بمعالجات لهذه الأزمات أو على الأقل فتح التحويلات الى الخارج بشرط ابراز دليل أنها لشراء مواد أولية مهمة للبلاد التي تقبع تحت حرب ضارية الأمر الذي يحتاج معالجة طارئة وعلى وجه السرعة لتمويل حاجات اليمن الإستيرادية واللازمة وأهمها الدواء والطعام بخاصة أن النظام المصرفي في اليمن صار كالجنين المتواجد في رحم المصارف اللبنانية لارتباط أكله وتغذيته منها عبر "حبل سرة" هو التعاملات الإلكترونية التي تتم عبر الصرافات الآلية وعبر شركات وأنظمة مصرفية تعمل في لبنان بمعظمها. فإذا كانت الأم مريضة، الجنين سيمرض حتماً وللأسف هذا هو الوضع في اليمن اليوم، فقدان مصالح وشبه توقف للحركة النقدية التي تربطنا بالخارج. أصبحنا معزولين تماماً عن الخارج، محاصرين في الرحم".

وختم ناجي قائلاً "راسلنا كبار المسؤولين في القطاع المالي والنقدي اللبناني كجمعية المصارف، كما ناشدنا ونناشد مجدداً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بإيجاد توليفة ما تنقذ عمليات استيراد البضائع على الأقل نظراً لما نمر به من وضع لا نحسد عليه".

وفي تصريح لـ"نداء الوطن" يقول الباحث اليمني المتخصص في الشؤون الاقتصادية عبد الواحد العوبلي أن المشكلة تكمن في أن معظم المواطنين اليمنيين لا يستخدمون النظام المصرفي الرسمي، بل يعتمدون على لبنان. وفي بلد يستورد ما يصل إلى 90% من السلع الغذائية الأساسية، أثرت الضائقة المالية في لبنان على اليمن بشكل كبير وأدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل هستيري. وعليه اتجه التجار اليمنيون قسراً نحو المصارف الإماراتية والأردنية وعدد قليل منهم إلى تركيا بشروط أكثر تعقيداً لتنفيذ عملياتهم المصرفية الأساسية وللوفاء بالتزاماتهم أمام الموردين الذين رفضت المصارف اللبنانية تحويل الأموال لهم، لكنه حل موقت لأن احتجاز أموال التجار والمصارف في لبنان يشكل ضغطاً هائلاً على التجار بخاصة أنه لا حل يلوح في الأفق سوى "التطمينات ذاتها التي تتردد على مسامع المودعين اللبنانيين".