رفيق خوري

من ممر الاصلاحات الى "ممر الافيال"

29 تموز 2020

02 : 00

خيار السلطة ثابت. ما كان قبل صدمة جان ايف لودريان التي مختصرها: الاصلاحات او الانهيار، لا يزال بعدها. هو دق جرس الانذار الاخير باسم العرب والغرب. وهي اختارت عملياً الانهيار، ولو بالخبث في الحديث عن الاصلاح، والرهان على اعجوبة تمنع الانهيار الكامل. ولا فرق، سواء كان ذلك على طريقة مكره لا بطل او بقوة الخوف من الاصلاح على مصالح المافيا السياسية والمالية والميليشيوية.

وخيار صاحب السلطة، اي "حزب الله"، ثابت في الصراع الجيوسياسي. بين اعطاء الاولوية لانقاذ لبنان من ازماته الملحة، او لفعل ما يتطلبه المشروع الاقليمي الايراني وصراعاته تحت عنوان "محور الممانعة"، يختار الامر الثاني. بين الرد من سوريا حيث يقاتل، على قصف العدو الاسرائيلي لمواقع ايرانية له فيها عناصر، يختار الرد من لبنان المتعب على طريق الانهيار. حساباته الاقليمية تتقدم على الحسابات اللبنانية لأي فريق والحسابات التي يفرضها على المسؤولين الموقع الرسمي للبنان. هو يعرف ان اسرائيل ليست جاهزة لحرب شاملة. وهي تعرف انه ليس جاهزاً لحرب. وهما يعرفان ان الحرب تدمر لبنان وتؤذي اسرائيل، من دون ان تتغير معادلة الصراع على المستوى الاقليمي. فلا اسرائيل تريد العودة الى احتلال لبنان، ولا "حزب الله" يستطيع تحرير فلسطين، وهو لم يعد يقاوم حتى في مزارع شبعا.

لكن اللعبة تقضي بان يبقى لبنان في حال "حرب دائمة". شيء من تقليد نظريات تروتسكي ثم ماوتسي تونغ عن "الثورة الدائمة" و"الحرب الدائمة". وشيء من الرهان على خوف المجتمع من تدمير لبنان، وحرصه على امن اسرائيل، ورغبته في ابقاء باب التفاوض مفتوحاً مع ايران، بحيث يستمر الستاتيكو الذي يسمح لكل طرف بان يقول ما يخدمه تحت عنوان "الردع المتبادل".

والترجمة العملية هي المثل الافريقي القائل: "عندما تتقاتل الافيال يقاسي العشب". فنحن نهرب من ممر الاصلاحات الى "ممر الافيال". الاول يقود الى المساعدات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي بما يفتح الطريق واسعاً الى انقاذ لبنان. والثاني يؤدي الى تكريس "الحرب الدائمة" وصراع الافيال الاقليمية والدولية على ارض لبنان، بحيث تزداد معاناة الشعب على طريق الانهيار. ويصبح الانخراط في حرب سوريا وكل صراعات المحاور الاقليمية والدولية هو التعبير عن دور لبنان كما يراد له ان يكون، خلافاً لدوره التاريخي الطبيعي.

"ممر الافيال" من جهة، والعزلة العربية والدولية للسلطة من جهة اخرى. ومن سخرية القدر في هذا الوضع ان اهل السلطة الذين يبالغون في التنمر والتبجح، يبحثون عن كلمة او اشارة من رئيس او وزير او سفير للاطمئنان الى انهم باقون، والتصرف كأن انقاذ لبنان مهمة العالم.


MISS 3