عزت الله مهرداد

هل سيتحقق السلام المنتظر في أفغانستان يوماً؟

29 تموز 2020

المصدر: The Diplomat

02 : 00

في أفغانستان، تجدّد الأمل لوقتٍ قصير في شباط 2020 بإنهاء الحرب الوحشية والمدمّرة القائمة منذ 18 سنة. اعتُبِر تراجع أعمال العنف خلال أسبوع كامل ثم عقد اتفاق بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان" حينها خطوة كبرى نحو تحقيق السلام. لكن بعد مرور خمسة أشهر على تلك الأحداث، انهارت آمال الناس مجدداً بانتهاء تلك الحرب اللامتناهية بسبب نشوء خلاف حول كيفية إرساء السلام. حققت "طالبان" انتصاراً يفوق مكاسب الحكومة الأفغانية بعد اتفاقها مع الولايات المتحدة، لكن ارتبطت حماسة الرأي العام بالمفاوضات المرتقبة بين "طالبان" والحكومة. سرعان ما أدى تأخير المفاوضات خلال الأشهر اللاحقة (كان يُفترض أن تبدأ في آذار الماضي) إلى تبديد آمال الناس بإنهاء الحرب مع أن عملية السلام مستمرة ولو بإيقاع بطيء.

في الفترة الأخيرة، اقترح متحدث باسم "طالبان" إطلاق المفاوضات في بداية شهر آب، بعد عيد الأضحى، شرط أن تُحرّر الحكومة الأفغانية عدداً إضافياً من أسرى الحركة. ترددت كابول سابقاً في تنفيذ هذا الشرط وقد تكون هذه المهلة الجديدة مجرّد اقتراح عابر آخر.

كلما طالت مدة استئناف محادثات السلام، ستتخذ الحرب منحىً قاتلاً مضاعفاً. من الواضح أن هذه العملية البطيئة والشاقة تنعكس سلباً على الإجماع الأفغاني الواسع الذي يعتبر الحرب في جوهرها غير مقبولة. في المقابل، تؤدي خيبة أمل الرأي العام إلى إضعاف فرص السلام وتفوّق الجماعات التي تعادي السلام وتحاول استغلال ساحة المعركة. في ظروف مماثلة، لا مفر من أن تتدخل القوى الإقليمية لحماية مصالحها.

قبيل الاتفاق بين "طالبان" والولايات المتحدة في شباط الماضي، انهارت آمال الناس بإنهاء أعمال العنف الوحشية في مناسبات متكررة. على مر العقد الماضي، حين كانت الولايات المتحدة تضغط لإقرار اتفاق سلام مع "طالبان"، لم تكن العملية سلسة يوماً. علمت الحكومة الأفغانية في العام 2015 أن المُلا عمر، زعيم "طالبان" الذي حاولت الحكومة التفاوض معه طوال سنوات، مات في العام 2013.

أدى ذلك الإحراج العلني إلى ترسيخ انعدام ثقة الناس بعملية السلام. تأكد الجميع من تهميش الحكومة الأفغانية حين انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اتفاق وشيك مع "طالبان" في 9 أيلول 2019 غداة مقتل أميركي. في النهاية، تابعت الولايات المتحدة محادثاتها مع "طالبان" رغم سقوط أعداد كبيرة من القتلى الأفغان خلال الحرب.

لكن يظن علي أميري، مُحاضِر في جامعة ابن سينا الخاصة في كابول، أن الشعور العام بالتعب من الحرب "كان عاملاً إيجابياً في عملية السلام": "زادت حماسة الناس بعد عقد الاتفاق بين الولايات المتحدة و"طالبان". تكون ثقة الرأي العام ودعمه للسلام عاملاً مهماً في أي عملية مماثلة. لكن لا مفر من مواجهة المشاكل عند طرح عملية سلام تقنية جداً إذا كانت تفتقر إلى ثقة الرأي العام ودعمه".





نفذ صبر ترامب من الحرب وحاول الانسحاب منها بأي طريقة، حتى لو لم يعقد أي تسوية سلام شاملة. أراد بذلك أن يزيد فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل. اتخذت "طالبان" والحكومة الأفغانية قراراتهما بناءً على هذا الواقع، حتى لو أضعفتا بذلك ثقة الرأي العام بعملية السلام.

يقول أندرو واتكينز، محلل بارز لشؤون أفغانستان في "مجموعة الأزمات الدولية": "الوضع الراهن هو عبارة عن ترقّب عصيب لما سيحصل. يقف الأفرقاء أمام مدخل وتكمن الفرصة الواقعية الوحيدة لإنهاء العنف في الداخل. لكن يُركّز كل طرف على منع الطرف الآخر من الدخول قبله".

فضّلت "طالبان" العودة إلى أعمال العنف لاكتساب أوراق ضغط مؤثرة فيما تنتظر الحكومة توسّع نفوذها في عملية السلام بعدما همّشتها المحادثات بين الولايات المتحدة و"طالبان".

يوضح أميري: "تسعى الحكومة و"طالبان" إلى كسب النفوذ قبل المفاوضات. كثّفت الحركة أعمال العنف والقتل لإثبات قوتها والتأكيد على عدم تراجعها".

بعيداً عن كابول وأنظار الرأي العام، في عمق الجبال والمراكز الريفية، لا تزال الحرب محتدمة. بما أن الاتفاق بين الولايات المتحدة و"طالبان" لا ينصّ بكل وضوح على تخفيض حدة العنف، تستهدف الحركة مراكز الأمن والقواعد الأفغانية من دون أن تخشى التعرّض للضربات الجوية الأميركية التي كانت تتكل عليها الحكومة الأفغانية في ساحة المعركة.

عادت "طالبان" إلى تفجيرات السيارات القاتلة التقليدية وتَلَتْها اعتداءات بأسلوب المغاوير ضد الحكومة. هاجمت الحركة مُجمّعاً في مقاطعة قندهار الجنوبية في بداية شهر تموز وقادت سيارة مليئة بالمتفجرات نحو مقر وكالة استخبارية أفغانية في مقاطعة "سامانجان" الشمالية في منتصف تموز. كذلك، يُقتل يومياً بين 30 و40 جندياً أفغانياً.

يقول أمين أحمدي، عضو في فريق التفاوض بين الحكومة الأفغانية و"طالبان": "إذا استمر هذا الوضع، قد يقتنع الرأي العام الأفغاني بأن "طالبان" ليست مستعدة لعقد السلام، وبالتالي من حقهم أن يستعملوا القوة ضدها حتى لو امتنعت الحكومة عن فعل ذلك. يسهل أن تُمهّد هذه الظروف لنشوب حرب بالوكالة وانتشار الفوضى والاضطرابات في أنحاء البلد. إذا فَقَد الناس الأمل بعقد السلام، لن يجدوا أمامهم أي خيار آخر".

تبرر حركة "طالبان" أعمال العنف التي ترتكبها برفض الحكومة إطلاق سراح عناصرها، وتلوم الحكومة الأفغانية "طالبان" على تأخير إطلاق الأســرى بسبب اسـتمرار عملياتها العنيفة. بموجب الاتفاق بين الولايات المتحدة و"طالبان"، سهّـل الأميركيون إطلاق حتـى 5 آلاف مقاتل من السجون الأفغانيـة مقابل إطلاق ألـــف سجين تابع للحكومـة من قبضة "طالبان".

تعهد الرئيس الأفغاني أشرف غني بإطلاق سراح مقاتلي "طالبان" شرط أن يحصل على ضمانات بعدم عودة السجناء المحرّرين إلى ساحة المعركة. سلّمت الحركة من جهتها لائحة بالأسماء التي تطالب بتحريرها، لكن لم توافق الحكومة على إطلاق عدد من الأسرى البارزين بسبب تورطهم في اعتداءات قاتلة في العاصمة الأفغانية كابول. لكن رغم هذه الخلافات، أطلقت الحكومة على مر أشهر عدة أكثر من 4 آلاف أسير تابع لـ"طالبان"، بينما حررت الحركة حوالى 770 سجيناً.

يوضح أميري: "لم يكن تأخر إطلاق سراح الأسرى يتعلق بالمخاوف الأمنية، بل بعرقلة عملية السلام. يشعر الرئيس أشرف غني وعدد من صانعي القرار الآخرين في الحكومة الأفغانية بالتشاؤم من هذه العملية. هم يظنون أن الحكومة ستخسر أكثر من "طالبان" في نهاية المطاف".

سبق وانعكس عجز الحكومة الأفغانية و"طالبان" عن إطلاق محادثات السلام على البلد كله. يظن أميري أن الخلاف القائم "يسبّب أضراراً عامة لا يمكن عكسها" مستقبلاً. لذا حذّر من احتمال أن تحاول "طالبان" إحداث اختراق حاسم، على غرار الاستيلاء على مقاطعة كاملة. في هذه الحالة، ستضعف الحكومة بدرجة إضافية أو تنهار في نهاية المطاف".





تتعدد الآثار الجانبية لهذا الوضع، أبرزها اليأس العام. منذ أربعين سنة، يتحمّل الناس السياسات والاستراتيجيات الفاشلة. أصبح 35 مليون شخص في أفغانستان عالقين في ساحة معركة معقدة لا تكف عن سفك دماء الشباب وتدمير العائلات وبث الصدمات في أنحاء البلد أسبوعياً، حتى أنها تحرم الناس من أي أمل بمستقبل أفضل.

يضيف أميري: "في زمن اليأس العام، تستغل الجماعات الإرهابية والمعادية للسلام هذه الأجواء التشاؤمية لتنفيذ أجنداتها. تقتنص الجماعات الإرهابية الفرصة لتحقيق مصالحها في ظل انتشار الاضطرابات والفوضى".

تكلـــم غني ومسؤولون أفغان وأميركيون آخرون مراراً عـن عشرات الجماعـــات الإرهابية الصغيــرة الناشطة داخل البلـد. تكون "الدولة الإســـلامية" معرّضة للخسـارة في أي اتفاق سلام، وقد تتكاتف الحكومة الأفغانية و"طالبان" لمحاربة الجماعات المتطرفة في البلاد. شدّد مبعوث السلام الأميركي زلماي خليل زاد على هذه الفكرة في مقابلات متنوعة مع الصحافيين.

أقدمت المديرية الوطنية للأمن (وكالة الاستخبارات الأفغانية) على اعتقال مقاتلَين من "الدولة الإسلامية" حديثاً لأنهما كانا يخططان لمهاجمة مستشفى الإمام علي الخاص الذي يملكه الشيعة في حي شيعي في كابول، وقناة تلفزيونية خاصة في كابول أيضاً. كانت تلك المحاولة الفاشلة لِتُسبّب سخطاً عاماً تجاه جهود السلام لإنهاء الحرب.

يقول أميري: "في كل عملية سلام، تستفيد أطراف معينة دون سواها. لا تستفيد جميع القوى الإقليمية مثلاً من السلام في أفغانستان. من المتوقع أن تحاول البلدان التي لا تعتبر السلام هناك من مصلحتها إعاقة تلك العملية. وحين تتباطأ هذه العملية أو تتأخر، تزيد قدرة تلك القوى على إعاقة مسارها".

تحاول أكثر من قوة إقليمية واحدة استغلال ساحة المعركة الأفغانية لمصالحها الشخصية. بالإضافة إلى باكستان (لم يعد دعمها لحركة "طالبان" سراً)، انضمّت إيران وروسيا المعاديتان للولايات المتحدة إلى هذه اللعبة المزدوجة، ما يعني أنهما تدعمان الحكومة الأفغانية و"طالبان" معاً لتجنب أي مخاطر ضدهما.

في مؤشرٍ جديد على تعقيدات الحرب القائمة، يُقال إن روسيا دفعت المال لحركة "طالبان" مقابل قتل أميركيين وعناصر من قوات حلف الناتو في أفغانستان. تواصل وسيط مع الروس وجعلهم يتواصلون مع "طالبان". تثبت هذه التطورات أن القوى الإقليمية تملك قنوات عدة لتحقيق مصالحها. لكن من سيضمن مصالح الشعب الأفغاني وكيف؟


MISS 3