بشارة شربل

تنازَلوا للجيش... إنهُ خشبةُ الخلاص

30 تموز 2020

02 : 00

لا يسعنا ونحن نبارك للجيش وقائده بعيد 1 آب إلا ان نتمنى له وللبنان فرحة كبيرة في العيد المقبل، آملين أن يصبح الجيش، وحده بلا شريك، مدافعاً عن الوطن وأهله في وجه أي اعتداء أو عدوان.

ليس حلماً على الإطلاق أن يصير الجيش اللبناني كسائر جيوش الدول العادية، بل يجب أن يكون هذا الحلم برنامج كل اللبنانيين للخلاص. فلا دولة قادرة على تلبية متطلبات أبنائها بالأمن والكرامة والسلام إذا لم يكن جيشها بلا منازع ركيزة دولة القانون واحترام الدستور، وهو ما لا نزال نفتقده بشدة حتى الآن.

كلنا مع الجيش ووراءه ليبقى محافظاً على قيم الجمهورية في احترام الحرية وتنفيذ مصالح الدولة وليس النظام. كلنا مع الجيش للنهوض سوياً بلبنان الذي نريد والذي يتعارض كلياً مع سلطة المنظومة الفاسدة والسارقين الذين نهبوا البلاد ودمروا اقتصادها وسمعتها واستولوا على ودائع الناس وتعبهم وحوّلوا رواتب الموظفين وكل العاملين وأبناء القوى المسلحة الى خردة لا تكفي لحد أدنى من العيش اللائق، ولن تلبي بالطبع طموح أي لبناني في خدمات محترمة وتعليم متقدم للأبناء ورفع مستوى الحياة.

لسنا مع الجيش أخطأ أو أصاب. نحن معه في اطار احترام القانون والدستور والحفاظ على الديموقراطية وحق الناس في الثورة والاعتراض والشتم وقطع الطرقات، ونعضده ليصبح وحده سيف الدولة والشعب والقانون. أما هؤلاء الذين يستهدفونه ويستهدفون قائده لأغراض رئاسية صغيرة "في نفس يعقوب" فكلامهم يدين مسيرتهم الفاشلة وسيذهب جفاء وهباء لأن لبنان تعِب من طموحات الأقزام، وسئِم الاستيلاء على مقدرات البلاد ومناصبها بقوة المحاصصة وتبادل المنافع بين الفساد والسلاح، وحان وقت أن ينزل هذا الوطن عن صليب العذاب، ويصير جيشه خشبة الخلاص.

لا ينفع اللبنانيين ان يتنافسوا في المزايدة بمحبة الجيش. وتخسرُ البلاد كثيراً إن تحوّلت هذه المؤسسة التي تمثل وحدته نقطة خلاف ونزاع. فالجيش للجميع، وليس في الأمر وجهات نظر، وواجب كلّ سلاح "مقاوم" أو "متفلّت" ان يوضع في تصرّفه. قوة الجيش لن تأتيه من تلقاء ذاته، ويجب ألا ينتظر أحد تطوّرات قاهرة ليأخذ دوره. يقتضي درء المخاطر بتسليمه الشأن الأمني الحدودي لينفّذ مع اليونيفيل القرارات الدولية وفق ما قاله قائده أمس بـ"أمر اليوم"، وهو بخبرته وحكمته ووطنيته قادر على الحفاظ على الأمن ورد العدوان حتى قبل ان تتوافر قيادة سياسية متوازنة وحكيمة تحل محل تلك الدمى المستولية على شؤون الناس وتحركها مصالح فئوية وإقليمية لا تمت بصلة الى مصلحة لبنان.

سلّموا الجيش مقدرات الدفاع لتستغنوا عن مقاومة مشروع الإنقاذ المتمثل بمطلب الحياد. اجعلوا مشروعكم دولة لبنانية سيدة تعترف بمصالحها الوطنية أولاً وآخراً، فلا يدخل لبنان في أتون الصراعات.

الهدف واضح، وليس أسهل من اختصار الطريق. هذا جيشكم، فتنازلوا له ولا تهمّشوه بأعذار واهية أو بادعاءات عدم الجهوزية. كفى استغلالاً لعرق هذا الشعب وإهداراً لمقدراته، كفى تزلفاً واستزلاماً من أجل الكراسي ومشاريع الخارج.

لبنان منهار والمخاطر الاقليمية تتفاقم. تحمَّلوا المسؤولية لمرة واحدة في هذا الزمان.