محمد دهشة

صيدا الحزينة تهبّ لنجدة بيروت المنكوبة... خلية أزمة وبحث جهوزية مرفأ صيدا

6 آب 2020

02 : 00

خلال حملات التبرّع بالدم في صيدا

خيّم الوجوم والأسى على مدينة صيدا التي عاشت يوماً حزيناً تضامناً مع بيروت المنكوبة، اثر الإنفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت، ولم تسلم من تداعياتها اذ أُصيب عدد من ابنائها بجروح وغرقت الباخرة السياحية "أورينت كوين" لمالكها رجل الأعمال مرعي ابو مرعي، والتي شكّلت على مدى عقود معلماً سياحياً عائماً، رفع اسم لبنان عالياً على الخريطة السياحية الدولية.

يوم صيدا الحزين فرض استنفاراً بكافة الإتّجاهات، وهبّت المدينة بقواها السياسية والإقتصادية والبلدية والمدنية والطبية والإسعافية لنجدة العاصمة، والمساهمة بلملمة جراحها وبلسمة أوجاعها، فاستقبلت مستشفياتها الخاصة والحكومية ليلاً، عشرات الجرحى من ذوي الإصابات غير الخطرة، الذين نقلوا اليها، بعدما امتلأت مستشفيات بيروت، وتبرّع المئات من ابنائها بالدم للمُصابين فيها، وفي مركز رامي محمد زيدان لخدمات نقل الدم التابع للصليب الاحمر اللبناني، بينما توجّهت فرق كثيرة من أطباء ومسعفين لبنانيين وفلسطينيين للمساعدة في إسعاف الجرحى والمُصابين في مستشفيات بيروت، ومنهم فوج الإنقاذ الشعبي في مؤسسة الشهيد معروف سعد.

وبالرغم من أنّ الاسواق الشعبية والمؤسسات والمحال التجارية فتحت أبوابها، باستثناء المصارف التي توقّفت عن العمل، الّا أنّ الحركة كانت خجولة صباحاً، خلت الشوارع من السيارات والمارة كالمعتاد، وسرعان ما تحوّلت مشلولة في ساعات المساء، حيث لازم المواطنون منازلهم وتابعوا مجريات الكارثة عبر شاشات التلفزة، فيما أعطى رئيس بلدية صيدا محمد السعودي توجيهاته لفرق البلدية للإستنفار والجهوزية، ومدّ يد المساعدة لمواجهة تداعيات الإنفجار.

واستكمالاً للإستنفار العام، عقدت النائبة بهية الحريري اجتماعات طارئة مع محافظ الجنوب منصور ضو ورئيس البلدية محمد السعودي، واتّصلت بوزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار وبمدير عام النقل البحري عبد الحفيظ القيسي، وتشاورت معهما في إمكانية اعتماد مرفأ صيدا لإستقبال وتحميل البضائع التي كانت تفرّغ أو تحمّل عبر مرفأ بيروت.

وشكّلت الحريري خلية أزمة وضعت خطّة عمل إغاثية عاجلة لمساعدة المنكوبين والمُتضرّرين من خلال التبرّع بالدم للجرحى الذين ما زالوا بحاجة لوحدات دم في مستشفيات بيروت، وتأمين مراكز إيواء في صيدا والجوار لعائلات فقدت بيوتها جراء الإنفجار، وتدريب متطوّعين على إعمال الإغاثة، تفقّد العائلات المتضرّرة من أبناء صيدا والجوار المُقيمين في بيروت، والتأكّد من استمرار توافر الإحتياجات الحياتية الأساسية، ولا سيما الخبز والمازوت، وتأمين الأدوية لمن يعانون أمراضاً مزمنة. وقالت الحريري: "أمام الكثير من علامات الإستفهام حول أسباب الإنفجار وسبب وجود هذه المواد المتفجّرة فيه وتوقيته وظروفه، ما يستدعي تحقيقاً قضائياً وأمنياً شفّافاً لا مكان فيه لمواربة الحقيقة أو إنكارها، أو المساومة عليها وصولاً الى تحديد المسؤوليات والمسؤولين عن الكارثة ومحاسبتهم"، مشيرة الى "موقف كتلة "المستقبل" والمجلس التنفيذي لتيار "المستقبل" بضرورة الإستعانة بمحقّقين وخبراء دوليين في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة".

وقال النائب أسامة سعد: "اليوم يدفن اللبنانيون أحباءهم، يداوون جراحهم، يتدبّرون خسائرهم، بعد فقر وبطالة وإنهيار مؤسسات. من جديد يختبرون فساد حكّامهم. كان الإنفجار مهولاً بحجم فسادهم. يدفن اللبنانيون أحبّاءهم ولن يدفنوا غضبهم وثورتهم". وتابع الدكتور عبد الرحمن البزري أوضاع المصابين والجرحى، ودعا اللبنانيين الى التكاتف والتضامن في ما بينهم للتصدّي للأزمات الخطيرة التي تعصف بالبلاد، والعمل على إسقاط السلطة العقيمة العاجزة.

وتساءل نائب رئيس المكتب السياسي لـ"الجماعة الإسلامية" في لبنان بسام حمّود: "أيُعقل أنّ دولتنا تستطيع توقيف أصحاب الرأي والفكر بتهمة الإرهاب ولا تستطيع توقيف من نفّذ هذا الإرهاب ودمّر بيروت"؟

وأعلنت جمعية تجّار صيدا وضواحيها عن تضامنها الكامل مع بيروت المنكوبة، سائلة الله تعالى "أن يُمكّن بلدنا لبنان من تجاوز التداعيات في أسرع وقت وبأعلى درجات التضامن والتماسك الوطني، وطالبت الجهات المختصّة بتحديد المسؤولين ومُحاسبتهم.

غرق باخرة

ومن صيدا، أعلن مرعي ابو مرعي عن غرق الباخرة السياحية "أورينت كوين"، حيث سقط شهيدان وسبعة جرحى من طاقمها، قائلاً: "للاسف فإن الباخرة أصابها الإنفجار بأضرار جسيمة وبالغة، قبل أن تدخل المياه اليها بشكل كبير، ولم تنجح كل الجهود المبذولة ومحاولات إنقاذها، فغرقت في يوم أسود من تاريخ لبنان"، مُعتبراً أن ما جرى "كارثة بكلّ المعايير الإنسانية والإقتصادية والمالية والسياحية"، داعياً الدولة "الى تحقيق شفّاف سريع وإعلان النتائج ومحاسبة المسؤولين من دون أي تلكّؤ، وبلسمة جراح ذوي الضحايا والجرحى والمتضرّرين، لأنّ ما جرى لا يُصدّقه عقل أو خيال".

ولم تقف المخيّمات الفلسطينية مكتوفة، بل هبّت فرقها الطبية والإسعافية والدفاع المدني لنجدة بيروت، وسارع ابناؤها الى التبرّع بالدم، وأعلنت قواها السياسية عن فتح منازل المخيمات لإستضافة المتضرّرين، فيما قرّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد وتنكيس الأعلام، تضامناً مع الشعب اللبناني الشقيق، ووجّه السفير أشرف دبّور لوضع الإمكانيات الفلسطينية تحت تصرّف الاشقاء في لبنان، وهاتف رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب، مؤكّداً بأن لبنان من القوة والتماسك لتجاوز هذه المحنة. وأعلن مدير جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وضع المستشفيات الخمسة بتصرّف وزارة الصحّة اللبنانية.