شهادات

02 : 00

حصل كل شيء بلمح البصر. انقلب المكان خلال جزء من الثانية. أدركتُ مدى هشاشة هذا الجسم وفهمتُ أن كبريائي نجح في الاختباء مني. شعرتُ بأنني حفنة غبار في مهب الريح وقُذِفتُ على الجدار وكأنني غصن جاف، فقلتُ في نفسي للحظة: "انتهى كل شيء، أنجزتُ مهمتي". ثم حصلت معجزة بفضل تدخّل ملائكة حراس مجهولين. كنت لا أزال مترنحاً لكن على قيد الحياة، فوجدتُ نفسي أمام فرصة ثانية. السؤال الأهم هو التالي: "هل سأجيد اقتناصها"؟ ونحن، أيها المواطنون في هذا البلد الذي نجاهر بحبه، هل سنقتنص هذه الفرصة لإعادة إحياء أنفسنا؟ قد يكون لبنان الجديد في متناول يدنا، ومع ذلك يبدو لنا بعيد المنال.

نتمنى أن تساعدنا هذه الكارثة على توضيح رؤيتنا. لا أريد أن أترك لأولادي عالماً مليئاً بالكره والعنف. أريدهم أن يفتخروا بإرثهم. يجب أن نتحرك اليوم وليس غداً! أتفهم مظاهر الغضب، لكننا لن نخرج من هذا الوضع عبر تبادل التُهَم ومحاولة إيجاد أنسب كبش محرقة للتضحية به. نحن جميعاً نتحمّل جزءاً من المسؤولية على ما يصيبنا ولن نتمكن من تجاوز هذا المأزق إلا يداً بيد. لنستفد من هذه الفرصة لطرح ميثاق حياة مشترك جديد يتجاوز اختلافاتنا المزعومة. في بلدان معيّنة، يشير ذلك الاختلاف إلى "لون البشرة". وفي بلدان أخرى، يشير إلى "الأصل العرقي". لكنه يعني في بلدنا "الطائفة". لنتحلَّ بالشجاعة اللازمة، لمرة واحدة وأخيرة، لتجاوز هذا العائق الذي نفرضه على أنفسنا.

ذلك الشاب المغطى بالدماء لم يتردد في اصطحابي إلى أقرب مستشفى على دراجته النارية الصغيرة عشية يوم الثلثاء. أنا لا أعرف إلى أي إله يصلّي ولا أعلم أصلاً إذا كان مؤمناً ولا أهتم بذلك. مُعتقده ما كان ليؤثر عليه حين قرر مساعدتي، بل إن توزيع وظائف إدارية معينة بحسب الانتماء الطائفي في البلد ليس عقيماً فحسب بل إنه إجراء قاتل. يتّضح ذلك حين نشاهد المتعصبين غير الكفوئين الذين يحكموننا بحجة هذا القانون الجائر وهذا العُرف الاختزالي.

لكنّ من يستحق الشنق ليسوا هؤلاء الحكام (رغم مسؤوليتهم...) بل ثمة حاجة إلى تجديد النظام القائم، بدءاً من مفهوم الطائفية الذي يعود إلى القرون الوسطى ولا يتوانى عن خنقنا وقتلنا. يبقى انفجار يوم الثلثاء 4 آب، بغض النظر عن أسبابه، نتيجة مباشرة لنظام فاشل يتطلب منا العمل على تغييره معاً اليوم.