بشارة شربل

ترميم بيروت و"الطائف"

12 آب 2020

08 : 27

مهما كان شكل الحكومة المنوي تأليفها، يجب أن تعكس على الأقل رغبة اللبنانيين منذ 17 تشرين، وبعد 4 آب، في مرحلة جديدة يتزاوج فيها الإصلاح مع الإنقاذ والتحضير لإعادة تكوين السلطة برلماناً ورئاسة جمهورية عبر التعجيل بالانتخابات.

تشكل الرعاية الدولية للحدث اللبناني ولعملية تأليف الحكومة علامة فارقة في المعادلة السياسية، يُفترض ان يرعوي معها مَن مَللْنا ممارسته الاستقواء ليَفهم ان لبنان ليس متروكاً، ولا هو ساحة أو حديقة خلفية مفتوحة. أما إرادة اللبنانيين الصلبة في إحداث التغيير على كل المستويات، خصوصاً بعد كارثة التفجير المجرم، فستبقى الأساس في تهذيب نزعة الغلبة بُغية تغليب نوازع التفاهم والالتقاء.

كان لا بدّ لـ"حزب الله" أن يقوم بتجربة السلطة بأشكالها التي تتراوح بين الحُكم من وراء الستارة مثلما حصل زمن الوصاية السورية، أو المشاركة المتوازنة مع الأخصام فيما اليد على الزناد إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو الهيمنة على الحكومة استناداً الى "اتفاق الدوحة" الذي هدف الى الانقضاض على وثيقة الوفاق والدستور، وصولاً الى حكومة "القمصان السود" وانتهاء بتشكيل حكومة الدمى برئاسة حسان دياب.

في كل تلك التجارب منذ مطلع التسعينات حقق "حزب الله" نفوذاً غير مسبوق، لكنْ اتضح ان تبادل المنافع بين السلاح والفساد دمَّر كل مقومات الحياة الوطنية والدولة والمؤسسات. ولم يكن بمقدور الفساد وحده التسبب بكل هذه الانهيارات لولا تغطية "الحزب" لمسار انقلاب على "الطائف"، أودى بمبدأ تداول السلطة مُنهياً أساس الديموقراطية القائم على المعارضة والموالاة والمحاسبة واحترام الاستحقاقات الدستورية.

إذا أُتيحت مهمَّةٌ تأسيسية للقوى الحريصة على مصلحة البلاد والمعنية بتشكيل الحكومة العتيدة فيجب ان تتولّى محو آثار العدوان على الدستور متمثلة بـ"إتفاق الدوحة" و"الرئيس القوي" و"تفاهم المكونات" و"الثلاثية الذهبية"، والتي كلَّفت اللبنانيين أغلى أثمان دفعها شعبٌ على الاطلاق.

حان الوقت ليدرك "حزبُ الله" أن ليس أمامه سوى خيار التواضع أمام رغبة كل اللبنانيين في التوافق تحت سقف الدستور. فلا حياةَ لمشروع خاصٍ بطائفة حتى ولو تسلَّحت حتى الأسنان، لأنه وصفة دائمة لحروب أهلية باردة وساخنة ومحركٌ شرعي لدعوات الفرقة والافتراق.

حكومة ما بعد 4 آب قد لا تكون مولجة بمعالجة الخيارات الاستراتيجية والخلافات السياسية الحادة، لكنها يجب ان تشرَعَ بترميم "الطائف" عبر إعادة الاعتبار للمؤسسات. وسواء كان لـ"حزب الله" علاقة بتخزين نيترات الأمونيوم أم لا يدَ له في ذلك، فإن مشروعه - وهو نفسه مشروع ايران - وصل الى ذروة ليس بعدها سوى الانحدار أو الاندحار. وما نشهده في العراق وسوريا وفي ايران نفسها يشي بانسداد آفاقه.

لم يُكتب يوماً النجاح لمشاريع الطوائف العابرة للكيان. و"حزب الله" يملك قرار استمرار المغامرة، أو الاعتراف بأن التعايش تحت سقف الدستور والقانون في دولة عادية يحفظ الوحدة ويختصر العذابات ويعطي أملاً بالنهوض من تحت الركام. فحبذا لو يبادر تسهيلاً لمهمة حكومة ما بعد 4 آب.