محمد علي مقلد

الثورة والمحكمة الدولية

22 آب 2020

02 : 00

قرار المحكمة الصريح اكتفى بإدانة قائد المجموعة التي تولت الإعداد لعملية الاغتيال وتنفيذها، منذ بدأت تتعقب الرئيس رفيق الحريري في كل تحركاته، أي قبل أشهر على يوم التفجير. وهي برّأت أعضاء المجموعة لعدم كفاية الدليل، بحسب القانون الجزائي اللبناني، على ارتكابهم الجرم "عن سابق تصور وتصميم".

ما لم تقله تصريحاً قالته تلميحاً فأدانت "حزب الله". فهو الحزب الذي وصفته بعبارة "محكم التنظيم" الواردة في نص القرار، والذي تنتمي إليه تلك المجموعة مع المسؤول عنها، وهو قائد عسكري نعاه حزبه بعد سقوطه في معارك سوريا. كما أدانت النظام السوري لأن "السياق السياسي" برأيها، لا يترك مجالاً لأي شك معقول بمسؤوليته عن قرار الاغتيال.

الجهة التي اتهمتها المحكمة بعملية الاغتيال تخطيطاً وتنفيذاً، هي ذاتها التي تواجه الثورة. الثورة معنية إذن بالمحكمة، على الأقل بما ورد في قراراتها تلميحاً لا تصريحاً، لأن معسكر الممانعة، قوى وأجهزة، الذي ناصب العداء في الماضي لرفيق الحريري، هو ذاته الذي يعتدي اليوم على الثورة بالعصي وبالسلاح الناري. موقف "حزب الله" من المحكمة واضح. فهي، بحسب تصريحات قادته، لا تعنيه لا هي ولا قراراتها. لكنه لا يخفي، مع حلفائه في السلطة، إمعانه في قمع الثورة أو التخريب عليها.

قوى الممانعة لها مصلحة في نقد مرحلة الحريري الأب التي بدأت قبل ثلاثين عاماً، تبريراً لعملية الاغتيال وتشكيكاً بالمحكمة، وتمويهاً على المسؤول الحقيقي عن الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي الذي يهدد الوطن ومصيره. فما هي مصلحة الثورة في العودة بأسباب الأزمة إلى"ثلاثين عاماً" غير الوقوع، من حيث لا تدري، في فخ قوى الممانعة؟

لا يعني ذلك أن تكون الثورة مطالبة بالانحياز إلى المحكمة وقراراتها أو بالدفاع عن النهج الحريري، فلكل منهما أتباع يجيدون التطبيل والتزمير، بل هي مطالبة على العكس من ذلك تماماً، بعدم الدفاع عن أحد من رموز المرحلة السابقة، والإصرار على إحالتهم جميعاً أمام القضاء، أي بعدم الوقوع في فخ الاصطفاف السياسي الذي فرضته قوى الممانعة واستظلت به لتغتال الحريري، ولتعتدي، بعد اغتياله، على كل من يسعى إلى إعادة تشكيل السلطة وبناء الدولة وعلى كل من يناضل من أجل قيام الوطن السيد الحر المستقل.

شعار "الثلاثين عاماً" هو الفخ الذي تستخدمه قوى الممانعة للتهرب من مسؤوليتها عن انتهاك الدستور وتخريب مؤسسات الدولة وعن نهب المال العام وتدمير الاقتصاد الوطني. الثلاثون عاماً هي عقد ونصف العقد تراكم خلاله ثلث الدين العام، لكن معظمه أنفق على إعمار ما هدمته الحرب، طرق المواصلات والهاتف الأرضي والخلوي والجسور والمدارس والمدينة الرياضية والمرفأ والمطار، وعقد ونصف آخر تولت خلاله القوى ذاتها المدانة باغتيال رفيق الحريري عملية الهدم المنظم، وراكمت نصف الدين العام وتحاصصته في أكثر عمليات النهب المنظم وحشية وفجوراً، وها هي اليوم تستكمل فجورها استخفافاً بالثورة وبمطالب الشعب وبالمصير الوطني، وتهرباً من محكمة دولية ومن أي محكمة أخرى قد تدينها بالتفجير الهيروشيمي وبتدمير بيروت.