د. حبيب البدوي

بعيداً من السياسة... إستراتيجية القوة السعودية الناعمة في لبنان

22 آب 2020

02 : 00

مع تولّي القيادة السعودية الحالية للحكم، بدا واضحاً أن هناك مقاربة ديبلوماسية جديدة تجاه السياسة الدولية وتحدّياتها المعاصرة، أساسها الكفاءات السعودية الشابة.

بالطبع وزارة الخارجية السعودية هي الجسر التواصلي مع العالم للمبادرة بهذه الإستراتيجية الجديدة، مع تولّي الوزير فيصل بن فرحان منصبه، مُستفيداً من خبراته الدولية.

يعرف المؤرّخ إرنست ساتو الديبلوماسية كما يلي: "إن الديبلوماسية هي استعمال الذكاء والكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة"، فيما قسّم معجم أوكسفورد المعنى إلى مهمتين: "الديبلوماسية هي علم رعاية العلاقات الدولية بواسطة المفاوضات، وهي الطريقة التي يتبعها السفراء والممثلون الديبلوماسيون في تحقيق هذه الرعاية". وفي إرثنا الحضاري العربي، جاء في كتاب "أخلاق الملوك" للجاحظ الكناني تحت عنوان "آداب السَّفير" ما نصه: "من الحقِّ على الملك أن يكون رسولُه صحيح الفِطرة والمزاج، ذا بيانٍ وعبارة، بصيراً بمخارج الكلام وأجوبتِه، مؤدِّياً لألفاظ الملِك ومعانيها، صادق اللَّهجة، لا يميل إلى طمَعٍ أو طبْع، حافظاً لِما حُمِّل".

على الصعيد اللبناني، وفي ظلّ التخبّط الدولي والصراع الإقليمي المشتعل والإستقطاب المحلي الحادّ، غادر السفير علي العسيري مقرّه في بيروت خلال فترة تاريخية محلية وإقليمية حاسمة، وسط تغلغل النفوذ الإيراني في دوائر القرار المحلية والإقليمية.

هنا برز وجه ديبلوماسي سعودي شاب هو السفير وليد البخاري (القادم من السفارة في ألمانيا أيضاً)، والذي تولّى بفترة قياسية أعلى هرم التمثيل الديبلوماسي للمملكة في بيروت.

يقول إسحق نيوتن: "اللباقة هي أن توضح وجهة نظرك من دون كسب عداوات". التطبيق الحرفي كان عبر الأداء الديبلوماسي للبخاري الذي تحرّك على مختلف الصُعد، راسماً البسمة على وجوه المواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين.

وسط الرسالة التوافقية السياسية للديبلوماسية السعودية، برز نشاط ثقافي مميز على الأراضي اللبنانية، مع إنعقاد الملتقى الثقافي اللبناني – السعودي الأول بعنوان "عروبة أمين الريحاني" فيلسوف الفريكة. اللافت كان الرسالة الديبلوماسية الخليجية المتّحدة في هذا الإجتماع، حيث تواجد سفراء مجلس التعاون الخليجي معاً.

اقتصادياً، تم تدشين "مركز الأعمال السعودي – اللبناني" في مبادرة "تعكس حرص المملكة الدائم على تمتين العلاقات الثنائية لتعكس عمقها التاريخي والطموحات المستقبلية لنا جميعاً".

وكان من البارز على الصعيد الإجتماعي توجّه السفير البخاري نحو البيئة المحبّة للمملكة، والمُتمثّلة بأهالي وفاعليات ومؤسسات بيروت، مثل دار الفتوى للجمهورية اللبنانية، وجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وإتحاد الجمعيات البيروتية.

وبعيداً من التجاذبات السياسية الداخلية وكثرة المتطاولين على المملكة والمُهدّدين لأمنها الوطني ودورها القومي، وما إن ألمّت الفاجعة بلبنان مع إنفجار المرفأ الأليم، سارع مركز "الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" الى مساندة الطواقم الطبية اللبنانية في إسعاف المتضرّرين من الإنفجار، عبر الجمعيات وفرق الإسعاف الطبّية التي يموّلها في مجمل الأراضي اللبنانية. وأعلن السفير البخاري أنّ "السعودية ستُسيّر جسراً جوياً إلى لبنان لمساعدة المتضرّرين من انفجار مرفأ بيروت". وفي اليوم التالي، لفت سعادته إلى أنّ خادم الحرمين الشريفين أوصى بتسيير إغاثة لمواجهة الكارثة، تضامناً مع الشعب اللبناني. وتالياً وصلت طائرتان وعلى متنهما أكثر من 120 طناً من الأدوية والأجهزة والمحاليل والمستلزمات الطبية والإسعافية والخيم والحقائب الإيوائية والمواد الغذائية، يرافقها فريق مختصّ لمتابعة عمليات التوزيع والإشراف عليها.

وبعيداً من غابة السياسة، نستنتج أننا أمام نهج جديد في تعامل المملكة السياسي والسيادي مع الدول الشقيقة، مع التواصل مع المكوّنات المحلية في مختلف الشؤون الثقافية والإقتصادية والإنمائية. ونحن كلبنانيين نتوسّم خيراً بالدور الريادي للمملكة، ونتطلّع لمزيد من الدعم الأخوي، ونتمنّى أن يُدرك شركاؤنا في الوطن مكانة حامية الديار المقدّسة عند شريحة واسعة من الشعب اللبناني، ومقاربة المملكة ودّياً تجاه المجتمع اللبناني بكلّ أطيافه وطوائفه.