أريكان إيرديمير

الصين تشتري صمت تركيا حول قمع جماعة الإيغور

27 آب 2020

المصدر: The Diplomat

02 : 15

بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المسؤولين الصينيين والشركات الصينية المتورطة في إساءة معاملة جماعة الإيغور وأقليات مسلمة أخرى، تستغل بكين مواردها المالية الوافرة لشراء صمت معظم البلدان المسلمة حول العالم. لكن من الصادم أن تنجح في إسكات تركيا تحديداً كونها تتقاسم الانتماء الديني والعرقي نفسه مع أكثر من 12 مليون إيغوري في الصين.

فضّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتخاذ موقف متحفظ من قضية الإيغور مع أنه يعتبر نفسه بطل المسلمين في أنحاء العالم. في تموز 2019، حين أصدرت مجموعة من 22 دولة، بما في ذلك 14 بلداً حليفاً لتركيا في الناتو، رسالة مشتركة خلال الجلسة الحادية والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإدانة "الاعتقالات التعسفية الجماعية والانتهاكات ذات الصلة" بحق الإيغوريين وجماعات أخرى، تجاهلت أنقرة الموضوع بكل بساطة. وعندما طرح حزب تركي معارض اقتراحاً في 10 تموز بإنشاء لجنة خاصة في البرلمان للتحقيق بـ"مشاكل الإيغور الأتراك المعرّضين للممارسات الصينية القمعية"، اتّفق "حزب العدالة والتنمية" الذي يرأسه أردوغان وشركاؤه المتطرفون في "حزب العمل القومي" بالإجماع على إحباط هذه المحاولة. تعليقاً على ذلك الاقتراح، اتّهم نائب معارض الحكومة التركية بالتخلي عن جماعة الإيغور وأضاف قائلاً: "أنا أقول بكل وضوح إن "حزب العدالة والتنمية" و"حزب العمل القومي" باعا الإيغوريين مقابل 50 مليار دولار".



مظاهرة لجماعة الإيغور الأتراك إحتفالاً بالذكرى السنوية للاضطرابات العرقية المميتة في العام 1997 في غولجا، منطقة شينجيانغ أويغور ذاتية الحكم في أقصى غرب الصين



في العام 2012، كتب نوري توركيل، الرئيس السابق لرابطة الإيغور الأميركية وناشط بارز في مجال حقوق الإنســـان، في صحيفـــة "وول ستريت جورنال" أن تركيــا "قدّمت نموذجاً يُحتذى به أمام البلدان الديموقراطيـة الأخرى حول طريقة التعامل مع مشاكل الأقليات في الصين". لكن تبدّل أسلوبه بشكلٍ جذري بعد مرور ثماني سنوات. أصبح توركيل اليوم مفوضاً في "المفوضية الأميركية للحرية الدينية الدولية" وكتب التغريدة التالية في 27 تموز: "من غير المقبول أن تخضع تركيا لضغوط الحزب الشيوعي الصيني، بعدما كانت تُعتبر ملاذاً آمناً للإيغوريين، فتقبل بترحيلهم إلى دول ثالثة تعود وترسلهم إلى الصين. على تركيا أن تنهي عمليات الترحيل هذه وتحمي جميع الإيغوريين الباحثين عن ملجأ آمن".

قرر توركيل كتابة هذه التغريدة بعدما نشرت صحيفة "ذا تلغراف" البريطانية في 26 تموز تقريراً مدوياً يفصّل رضوخ أنقرة للمطلب الصيني بتسليم المطلوبين من بين المعارضين الإيغوريين الصينيين. قبل شهر على ذلك، نشر الموقع الإخباري "أكسيوس" مجموعة سرية من الوثائق الصينية التي تثبت أن بكين طلبت سراً تسليم المعارض الإيغوري إنفر توردي في العام 2016، فعمدت السلطات التركية إلى مضايقته نتيجةً لذلك. نشر موقع "إن بي آر" في آذار الماضي أيضاً تقريراً عن "باع الصين الطويل" في تركيا وذكر أن السلطات التركية طلبت من ناشط إيغوري أن يمتنع عن مهاجمة الصين علناً. هذه المعلومات تتماشى مع النمط العام لسياسة أردوغان تجاه الإيغوريين، لكنها تتعارض بكل وضوح مع تعاطف الرأي العام التركي معهم.

على جميع المستويات، قد تبدو تركيا حليفة منطقية في المعركة القائمة للمطالبة بحقوق الإيغوريين. تتقاسم معهم تركيا الديانة واللغة نفسها وقد شكّلت وجهة طبيعية لخمسين ألف إيغوري نجحوا في الهرب من الصين على مر السنين. أصبحت أحياء اسطنبول، على غرار "أكســــــاراي" و"زيتين بورنو"، نقاط جذب ثقافية للإيغوريين ومراكز لنشاطاتهم. ويحتجّ المواطنــون الأتراك بشكلٍ متكرر على سياسات الصين تجاه جماعة الإيغور.





ينجم رضوخ أردوغان لمطالب الصين عن حاجته المتزايدة إلى الاستثمارات الصينية تزامناً مع هرب الرساميل الغربية من الأسواق التركية. تواجه تركيا عجزاً مزمناً في حسابها الجاري وقد أدى تخلي الغرب عن السندات والأسهم التركية إلى تفاقم المشكلة القائمة، فزادت الضغوط على العملة التركية المتداعية أصلاً. في المقابل، عقدت الصين وتركيا صفقة مبادلة اليوان والليرة التركية منذ العام 2012. حوّلت بكين الأموال إلى أنقرة بموجب هذا الاتفاق للمرة الأولى خلال شهر الانتخابات في العام 2019. وفي حزيران الماضي، استفادت تركيا مجدداً من صفقة مبادلة العملة لدفع ثمن مجموعة من الواردات الصينية. كان أردوغان قد فشل في تأمين أي صفقات مبادلة مع البنوك المركزية الغربية رغم محاولاته المتكررة في العام 2020، لذا يأمل في أن تنضم الصين إلى أقرب حليفة له، قطر، لضخ رساميل إضافية عن طريق الاستثمارات وصفقات المبادلة تمهيداً لإنقاذ الاقتصاد التركي المتعثّر.

بالإضافة إلى شراء صمت تركيا، تحاول الصين تحويل البلد إلى جزء محوري من "مبادرة الحزام والطريق". تتمتع الصين في الوقت الراهن بحضور قوي في مشاريع تطوير البنى التحتية في تركيا، فتقوم باستثمارات كبرى في أنحاء اسطنبول. في مدينةٍ تربط بين أوروبا وآسيا، قد يُعتبر هذا النوع من الاستثمارات أساسياً بالنسبة إلى طرق التجارة الصينية نحو الغرب. كذلك، تشقّ قطارات الشحن الصينية طريقها اليوم عبر مضيق البوسفور وتمرّ بنفق "مرمراي" للسكك الحديدية وصولاً إلى أوروبا، وتملك الصين في الوقت نفسه 65% من الأسهم في "كومبورت"، ثالث أكبر ميناء للحاويات، على الجانب الأوروبي من اسطنبول. فيما تتابع بكين ضخ الموارد في اقتصاد تركيا وبناها التحتية، من الطبيعي أن يصبح أردوغان أكثر ميلاً إلى تجاهل مشاعر الرأي العام المتعاطف مع الإيغوريين.

تعني هذه التطورات كلها أن تركيا انضمّت الآن إلى لائحة البلدان ذات الأغلبية المسلمة التي فضّلت التزام الصمت في تعاملها مع واحدة من أكثر المسائل إلحاحاً في مجال حقوق الإنسان في الزمن المعاصر. قررت المملكة العربية السعودية السكوت وإعلان ولائها للصين لأنها تنتظر بكل شوق أن تستثمر بكين 10 مليارات دولار في شركة النفط السعودية "أرامكو". وفي باكستان، شجّعت الاستثمارات الصينية التي بلغت قيمتها 62 مليار دولار إسلام أباد على توسيع طموحاتها بتحويل ساحلها إلى نسخة جديدة من دبي، وعمد رئيس الوزراء عمران خان إلى تجاهل المشكلة ورفض مجرّد التفكير بانتقاد الحكومة الصينية وفضّل الإشادة بها على اعتبار أنها أنقذت باكستان حين كانت في أسوأ حالاتها. وحتى إيران التي اعتادت على رفع راية الإسلام لتنفيذ أجندتها السياسية بدأت تنحاز بقوة اليوم إلى الصين ومواردها المالية.

قد لا تكون تركيا الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي تتجاهل أزمة جماعة الإيغور، لكن يُعتبر تواطؤ أردوغان الأكثر إثارة للصدمة نظراً إلى عمق الروابط التاريخية والثقافية بين الأتراك والإيغوريين. مجدداً، يثبت نفاق الرئيس التركي واستعداده لمنح الصين تفويضاً مطلقاً لارتكاب أعمال وحشية ضد المسلمين مقابل منافع اقتصادية أن المصالح الشخصية تتفوق دوماً على المُثل العليا التي يجاهر بها القادة المستبدون شفهياً ولا يطبقون منها شيئاً على أرض الواقع.


MISS 3