مايا الخوري

التشكيلي جوزف رحيّم: أنا مع الثورة ضد الفاسدين

29 آب 2020

02 : 00

كرّس الرسّام جوزف رحيّم ريشته لتصوير "أرز الربّ" والزيتون وطبيعة لبنان الجميلة، فكانت لوحاته مشرقة بألوان نارية صاخبة تحاكي النور والحياة. لكن الفنان إبن بيئته، ويتعلّق أكثر بأرضه، فما استطاع الحياد أمام جوع وطنه وصرخة "بيروت". عن لوحتي "جعنا" و"صرخة بيروت" وأعماله الأخرى يتحدث إلى "نداء الوطن".

لم يتجرأ الرسّام جوزف رحيّم في الأيّام الأولى التي أعقبت الإنفجار على رسم "بيروت" المدمّرة، رغم أنه رغب في تجسيد الحدث. أسوة بكل اللبنانيين عاش الصدمة، وتسمّر طويلا أمام شاشة التلفزيون يتابع الأخبار. لكنّه بعد مشاركته في مسيرة "الثورة" يوم السبت، مرّ بشوارع الجميزة والعاصمة، التي يحفظها عن ظهر قلب واعتاد الإستمتاع بنشاطاتها، "فكان لا بدّ من "صرخة" تعبّر عن هول الفاجعة والموت والجريمة والضحايا والوجع".



جعنا



عادة لا يحبّ رحيّم تقديم أعمال فنيّة تصوّر العنف والعدوان. ويقول: "لا أحب التشاؤم عادة في أعمالي الكلاسيكية، لذا أجسّد في لوحاتي الوجع والألم بشكل مخفّف لا يصدم المشاهد، أي من دون دم ودمار. لكن لوحة "صرخة بيروت"، هي صرخة المفقودين تحت الأنقاض، أنقاض الدمار الذي لم نرَ مثيلا له في لبنان حتّى في مرحلة الحرب". ويضيف: "في العام 1994 زرنا كطلاب في الهندسة المعمارية "أسواق بيروت" التي كانت مدمّرة تمامًا، لكنها لم تضاهِ دمار إنفجار المرفأ الذي يشبه "هيروشيما".

وكأنك تربط ما بين الثورة والإنفجار في هذه اللوحة؟ يجيب:" صحيح، لأنه لا يمكن فصل إنفجار المرفأ عمّا سبقه من أحداث وعمّا سيأتي لاحقًا. من هنا إرتباط صرخة "الثورة" بالإنفجار". ويوضح أنه ليس محللاً سياسياً أو مهتمّاً بالشأن السياسي بل هو فنّان يعبّر من خلال اللون والخطّ عن أفكاره كما يعبّر آخرون من خلال الكتابة أو الكلام".


وعن سبب تأييده الثورة، يقول: "أنا مع الثورة، مع الإنسان، ضد السياسة الخطأ، فالسياسيون اللبنانيون فاسدون. لو كانوا مستقيمي الأخلاق في العمل، لما وصلنا إلى هذا المستوى المتدني. لم أسخّر لوحاتي يومًا لخدمة سياسيّ أو لهجاء سياسي. بل أنا أعبّر عن الإنسان مثلما عبّرت عن جوع الشعب من خلال لوحة "جعنا".

ويستطرد:" منذ عامين توقّف عملي، فأنا أنفّذ ديكور المناسبات والحفلات والمهرجانات، وهذه النشاطات كلها تضرّرت بفضل أحوال البلاد، وبالتالي تضررت مهنتي. أنا مواطن يصرخ لأن وطنه غير آمن، ما ينعكس بطالة وجوعاً وصولاً إلى الفوضى التي نشهدها حاليًا".





بالعودة إلى لوحاتك الأخرى ما سبب تداخل الألوان النارية فيها؟ يجيب:" يهمّني الضوء كثيراً في اللوحات، وذلك تأثراً بالفنّ المقدس، أي الأيقونات التي تخصصت في بعد إنهاء الهندسة المعمارية. ففي الأيقونات نركّز كثيراً على الضوء، لأننا لا نرسم جسد القديس بل روحه التي هي شعلة مضيئة من الرب. فيما الطبيعة والأشكال تستمدّ نورها من الشمس. لذا إنطلاقًا من دراستي وقناعتي، أعطي أهمية كبيرة للضوء وبالتالي للألوان النارية التي تعبّر عنه مثل الأصفر الصارخ والأحمر وما يندرج منهما، وما يحدد هذه الألوان هو الخطوط السود الواضحة في اللوحات".



صرخة بيروت



عمّا تعبّر هذه الخطوط؟ يقول:" أمزج في الرسم الحديث أنواع ألوانٍ مع بعضها البعض، معتمداً تقنية معيّنة وأسلوباً خاصاً. إعتمدت الخط الأسود تأثراً بالزجاج الملوّن “vitrail” في الكنائس، وذلك لأن الخط الأسود يجمع الزجاجتين الملونتين مع بعضهما البعض، فضلا عن تأثري بفنانين حديثين من بينهم الرسام الأميركي"جاكسون بولوك".

وردّاً على سؤال عن أهمية الفن المقدّس بالنسبة إليه، يفسّر بأن هذا الفنّ هو الأكثر عمقاً وصعوبة، والتخصص فيه ركيزة بحث عنها للإنطلاق في أعماله. وهذا التأثير واضح في تصوير الوجوه في لوحاته، حيث الذقن مجذّبة والعيون كبيرة والفم صغير والأنف منتفخ كتعبير عن عملية التنفّس".


MISS 3