علي الشاهين

خلفيات وأبعاد صدام عشائر خلدة و"حزب الله"

5 أيلول 2020

02 : 00

وقع الاعتداء على أهالي خلدة (عشائر العرب) من قبل عناصر في "حزب الله"، حيث سقط للعشائر شهيد (حسن زاهر غصن) وجرحى. وتناقلت الوسائل الاعلامية تفاصيل الحدث. من ناحية المكان، فإن خلدة تحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً على ساحل المتوسط ويصفها مسؤول امني بـ"بوابة لأربعة مواقع: العاصمة بيروت، الجنوب، الجبل، وللبنان على العالم وذلك من خلال وجود المطار في نطاقها الجغرافي (مطار خلدة سابقاً)".

يبلغ عدد القاطنين في منطقة خلدة نحو 400 الف نسمة، اما الاهالي (العشائر، اهل الارض) فهم نحو 8 آلاف نسمة (200 صوت انتخابي، قضاء عاليه). وترتبط العشائر بعلاقات عريقة وودية مع فاعليات الجبل منذ مئات السنين، وخطابها يقوم على: العيش المشترك، الدولة والمؤسسات، سيادة القانون، حفظ السلم الأهلي، التنوع، رفض الضيم وصون الكرامة الإنسانية، والالتزام باستراتيجية دار الفتوى، والحرص على تعزيز التوجه نحو امتلاك جيل كفوء (100 منهم يحملون اجازات جامعية، منهم ثلاث طبيبات، وفي المنطقة 32 مدرسة). وللملاحظة أنه حتى أواخر الستينات لم يكن في خلدة الا العشائر وكانوا يملكون أكثر من 90% من مساحتها، مع تواجد عائلات تقدر بعشرات من عائلات بيروت. قبل خروج السوري من لبنان عام 2005 بدأت تظهر اشارات دخول أفراد من طبقة رجال أعمال من منطقة الجنوب، عملوا على شراء أراض وبناء مجمعات سكنية كبيرة والعملية نفسها حصلت على مداخل الشويفات وبشامون وتلال خلدة وصولاً الى تلال دوحة الحص. استطاعت هذه التجمعات ان تدخل تعديلاً ديموغرافياً ولو طفيفاً إلى أن وصلنا إلى هذه الحال اليوم. هذا التغيير اوجد توجّسات وتساؤلات ظهرت اشاراتها في أحداث 7 أيار 2008. وقال وليد جنبلاط في أحد تصريحاته: "منطقة خلدة وحتى تلال دير قوبل اصبحت منطقة تماس سني - شيعي".

ومنذ 2014 بدأت تظهر دلالات حول اهتمام "حزب الله" تجاه خلدة، وحاول أن يقيم علاقة مع مكونات العشائر هناك لكنه فشل، لم يفلح الا بما شكله من "سرايا المقاومة" بأعداد تقدّر بالعشرات وهم أفراد يقيمون بعيداً من موقع الحدث.

تطور الأحداث يظهر أن هناك علاقات صراعية ببن العرب و"حزب الله" طوال السنوات العشر الأخيرة تخللتها صدامات وكان من ابرزها يوم 30 تشرين الثاني 2014 ضد عرب خلدة. منذ ذاك الوقت وبعدما تبيّن أن العلاقة بين الحزب والعشائر لن تستقيم بدأت تظهر إشارات عديدة لأهداف "حزب الله" منها:

- تشكيل لجنة أمنية بين الاشتراكي والديموقراطي و"حزب الله" وحركة امل في منطقة الجبل.

- اعتماد "حزب الله" أساليب الترهيب والترغيب للهيمنة ولاختراق مجتمع العشائر ولم يفلح الا نادراً، من خلال انضمام عشرات من العرب لا يناهزون الخمسين فرداً الى ما يسمى بـ"سرايا المقاومة".

حمل الاعتداء الأخير مؤشرات تهديد السلم الأهلي، قد تكون بذور الجمرات الأولى لحرب أهلية أو فتنة مذهبية لا سمح الله وهي التي يرفضها اللبنانيون وخصوصاً العشائر، فضلاً عن دلالات لجهوزية في اعطاء الحادثة أبعاداً وامتدادات اقليمية وانعكاسات على مستوى الامن الاستراتيجي في لبنان، خصوصاً بعد أن تجلت العلاقة العصبوية بين العشائر في خلدة وعشائر لبنان (نحو 435 ألف نسمة في الشمال والبقاع والجنوب). ولحساسية الأمر وانعكاس الحدث على امن خط الساحل والجبل خصوصاً ولبنان عموماً وما يعني هذا الجانب في اهتمامات واستراتيجية "حزب الله" ناهيك عن حرص المؤسسات العسكرية الشرعية ومكونات المجتمع اللبناني على السلم الأهلي، وبعد أن ظهرت جلياً المظلومية التي تعرضت لها العشائر في خلدة. هناك من يرى أن من المفترض بدوائر "القرار والمشورة" عند "حزب الله" أن تدرس جيداً أبعاد ما يجري. بعد وقوع الحدث بساعات والاهتمام الإعلامي به وضخامة الاتصالات ومروحتها الواسعة التي شملت غالبية القوى السياسية والدينية، يبدو أن "حزب الله" استشرف خطورة الوضع فتمنى من جنبلاط أن يتقدم بمبادرة إلى العشائر، وهكذا كان. وتسلم مطالبها. فهل تعيد المبادرة خريطة جديدة للجبل والساحل؟

مبادرة جنبلاط ولدت من رحم مكونات عديدة:

1 - المظلومية التي تعرض لها شباب العرب في خلدة، حيث خسروا شاباً يافعاً (14 عاماً).

2 - صلابة موقف العشائر ومستوى وعي لشباب خلدة تجلى بعدم التعرض للجيش اطلاقاً.

3 - حصر العرب المشكلة فقط بالمدعو علي عصام شبلي ورفاقه، واوضحوا أن المشكل مع هؤلاء فقط من "حزب الله" و ليس مع الشيعة ابداً ابداً.

إذاً هل العشائر قد جعلت "حزب الله" من خلال اعتدائه الاسبوع الماضي يتوجه إلى ضرورة إعادة بناء استراتيجية محلية جديدة؟ وهل هذا التوجه يؤكد ان "حزب الله" يستشعر ويدرك خطورة ما ارتكبه على الساحة الداخلية مما قد يثير فتنة مذهبية تطيح بما وصل اليه "حزب الله" من هيمنة في عملية القرار؟

ان ادخال وليد جنبلاط و(أرسلان) في معادلة التسوية، يشير الى ان "حزب الله" يريد الإشارة الى ان أمن الجبل مسؤولية مرجعيات الجبل. لذلك يجب ان تكون التسوية مبنية على أسس واضحة وصريحة وهي عدم وجود وظهور عناصر وسلاح "حزب الله" في المناطق المدنية كافة دون استثناء منعاً لوقوع احداث مماثلة ومشابهة لان السلاح المتفلت والمنتشر لا يمكن ضبطه، كما ان الحل يجب الا يكون مرحلياً او بهدف التقاط الأنفاس استعداداً لجولة مقبلة ويجب وقف الحملات الإعلامية.

بانتظار ما ستأتي به المبادرة...


MISS 3