خالد أبو شقرا

خوري لـ "نداء الوطن": الموازنة حسابية و"سيدر" في خطر

لبنان يعيش على "زحل"

14 آب 2019

00 : 50

لبنان دخل دوامة انخفاض النمو وارتفاع الفوائد

كان يفترض بلبنان وفق «الخطة الإقتصادية للنهوض» التي وضعتها «ماكينزي» منذ حوالى عام ونيّف بطلب من الحكومة، وبجهد من وزير الإقتصاد آنذاك رائد خوري، أن يكون منهمكاً في ورشة ترميم إقتصادية، تعيد اليه بحلول العام 2025 ما فقده من مقومات، نتيجة تراكم السياسات اللإقتصادية. إلا أن نظرة سريعة على واقع الأمور تطرح من الأقربين قبل الأبعدين، عشرات الأسئلة عن مصير الخطة الطموحة والجدية، التي ارتكزت على ايجاد بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات، وتفعيل القطاعات الإنتاجية، وخلق فرص العمل. وزير الإقتصاد السابق رائد خوري أطلق عبر «نداء الوطن» صرخة في آذان المسؤولين لوقف التلهي، والبدء بخطة إنقاذ قبل فوات الأوان.

فبعد مخاض عسير وضعت الحكومة موازنة العام 2019، والتي أتت شكلاً ومضموناً مختلفة، إن لم نقل متناقضة مع تصور "ماكينزي"، خصوصاً لجهة حتمية اللجوء إلى تدابير مالية ونقدية مُهربة للإستثمارات ومقوضة للإنتاج. "فالذي يقرأ الموازنة لا يعلم ما هو توجه الدولة الإقتصادي، وباستثناء بعض الاجراءات الخجولة، فقد أتت الموازنة حسابية صرفة، ولا تتوافق مع الظرف الحرج والخطير الذي يمر به البلد"، يقول خوري. وباعتقاده أن "النموذج الاقتصادي المعمول به انتهت مدة صلاحيته. وعلى المسؤولين إدراك الواقع بأننا على حافة الهاوية، وإمكانية الوقوع كبيرة، إن لم يتم إعلان حال الطوارئ الإقتصادية، والإنطلاق بخطة انقاذ وطنية تشكل خريطة طريق للأشهر الستة المقبلة".

الإجراءات المطلوبة

تتوزع الإجراءات المفروض إتخاذها بالتوازي على الإقتصاد والمالية العامة والموازنة. وهي تقضي بشكل أساسي بتصغير الفارق في ميزاني التجارة والمدفوعات، ووقف نزيف الدولار. فالدولة تملك من الأدوات ما يكفيها لتنفيذ الإصلاحات، والتي منها: تقسيم المستوردات بين فارهة وضرورية، ووضع ضريبة مرتفعة على استيراد السلع غير الضرورية أو "السوبر كمالية". تحفيز الصادرات عبر دعمها بشكل مباشر، وذلك على غرار ما يحصل في مصر وتركيا، وهو ما يخفف العجز التجاري ويؤمن الدولار. الحد من خروج العملة الخضراء عبر العمالة الاجنبية، حيث تشير التقديرات الى خروج أكثر من مليار دولار من باب الخدمة المنزلية، اتباع موازنة تقشفية حقيقية، وليس بالشعارات. إعادة النظر بسلسة الرتب والرواتب وتجميدها اذا امكن...

فخّ الفوائد

منذ حوالى عامين أعد رائد خوري ورقة إقتصادية، وزّعها رئيس الجمهورية على المسؤولين، وقد تضمنت تصوراً لما ستؤول اليه الأمور في القريب العاجل، إن لم يتم الإصلاح. يتلخص التصور بالدخول في دوامة تراجع النمو وانخفاض التصنيفات وغياب الثقة وارتفاع الفوائد. "ومع الاسف هذا ما ننزلق نحوه اليوم من دون وعي لخطورة الموقف"، يقول خوري. مضيفاً: "بدلا من العمل على تكبير حجم الاقتصاد ورفع نسب النمو وزيادة الناتج المحلي لتخفيف نسب الفوائد، يجري العكس".

فاستمرار ارتفاع الفوائد لفترة طويلة يدفع الى افلاس الشركات والمصانع، ويهدم الإقتصاد، وهنا تكمن الخطورة، بحسب خوري. فمقابل قيام المصرف المركزي بالدور المنوط به تاريخياً على أكمل وجه لجهة تثبيت سعر صرف العملة، ما زالت الدولة عاجزة عن القيام بدورها لجهة تعزيز النمو وتكبير حجم الاقتصاد والقيام بالإصلاحات، وهذا ما يستنزف الطلب على الدولار ويفاقم المشاكل ويدفع الى تقويض البنيان. ولعل عدم الشروع بتطبيق خطة "مكينزي" بشكل جدي لغاية اليوم هو سبب إضافي من أسباب المشكلة. وهو ما دفع بخوري، الى اقتراح تشكيل لجنة من الخبراء يجري تفويضها من مجلس الوزراء للتنسيق بين الوزارت المعنية لتنفيذ المقترحات، والمساعدة في إعداد مشاريع القوانين. "والا فأن الخطة ستكون حبرا على ورق، وتوضع في الأدراج"، يقول خوري.


رائد خوري


"ماكينزي" حاجة

بالاضافة الى أهميتها في التوجيه الاقتصادي وتحفيز القطاعات الانتاجية وخلق فرص العمل، فإن تطبيق خطة "ماكينزي" يعتبر جزءاً لا يتجزأ من "سيدر"، وعدم السير بالخطة قد يعرض نتائج "سيدر" إلى الإلغاء. وبحسب خوري فإن الدول المشاركة في مؤتمر دعم لبنان طلبت التقيد بثلاثة أمور اساسية وهي : حل أزمة الكهرباء، الشروع بتطبيق خطة "ماكينزي"، وتخفيض العجز فعلياً الى 7 في المئة. واذا ثبت بعد أشهر قليلة عدم التزام لبنان، فان أموال "سيدر" ستذهب الى غير دول".

أهمّ إنجاز

ويسجَّل للوزير خوري تنفيذ خطة تنظيم عمل المولدات الخاصة، وإجبارهم على تركيب العدادات، والإلتزام بالتعرفة الرسمية التي تصدر عن وزارة الإقتصاد. وذلك بعدما استفحلت الفوضى في القطاع على مدى أكثر من 30 عاماً، وتحمّل آلاف المواطنين الفواتير المضخمة والملغومة. وفي هذا السياق يقول خوري: «إن القرار كان واحداً من اهم الإنجازات. وهو الوحيد الذي وصل إلى نهايته، وقد شعر به المواطنون فعلياً سواء لجهة انتظام العمل او التوفير. هذا الامر برأي خوري، إن دلّ على شيء فهو على ان الإصلاح ومكافحة الفساد ممكنان في حال توفر النية والإرادة.

الوقت يداهمنا بسرعة، والمسؤولون ما زالوا يتصرفون وكأن لبنان يعيش على كوكب "زحل" بعيداً من ملاحقة الأعين ومراقبة الدول لكل خطوة مهما صغرت أو كبرت. وبالتالي فإن العودة إلى أصول العمل الإقتصادي وما تضمنه البيان الوزاري، لجهة الاصلاحات وتنفيذ الخطط، يعتبران اولوية لا تحتمل التأخير او التسويف. وبحسب خوري فان "الحكومة مطالبة بالجدية، والانسجام مع نفسها، وإلا فإن الانهيار وشيك، واقرب بكثير مما يظنه البعض".