جوني كرم

المدارس الخاصة في لبنان: هل العائلة التربوية في مهب الريح؟

11 أيلول 2020

14 : 11

في حين تشخص الأنظار إلى التسوية الفرنسية ونتائجها المرتقبة على المستويات السياسية، الإقتصادية، والأمنية يطل عام دراسي جديد حاملاً معه هموماً ليست كالعادة، هموماً تطال كل العائلة التربوية، تلامذة، معلمون أهل وإدارة. والهموم لا تقتصر على المدى الإجتماعي الإقتصادي وإنما تتخطاه إلى مجال الكفايات التعليمية وصحة كل العائلة التربوية . مما يجعل هم هذا العام الدراسي لا يطال البيئة التربوية فقط وإنما يظلل بتبعاته على المجتمع ككل.

يتكبد جيل بأكمله في هذا المجتمع الخسائر التربوية، هموم الأهل الإقتصادية الإجتماعية، مخاوف الأساتذة من عدم قبض مستحقاتهم،وخطر إعلان بعض إدارات المدارس الخاصة عن عدم قدرتها على إكمال العام الدراسي المقبل نتيجة تدهور سعر الصرف والرفع المرتقب للدعم عن المستلزمات الحيوية كما وأستمرار وباء كوفد-١٩.


القسط المدرسي

بدأت بعض المدارس تحضير الموازنة السنوية للعام ٢٠٢٠ - ٢٠٢١ الموزعة، كمعدل عام، كالتالي: ٧٠ ٪ للرواتب والأجور و-٣٠ ٪ للكلفة التشغيلية. تصطدم الموازنة للعام المقبل بخمس تحديات أساسية: نزوح حوالي ٢٠ % من طلاب المدارس الخاصة نحو المدارس الرسمية، تدهور سعر صرف الليرة، الرفع التدريجي المرتقب للدعم عن المحروقات، حاجات التعقيم الإضافية نظراً للوضع الصحي وعدم قدرة الأهالي عن دفع الأقساط.

تحاول هذه المدارس إليوم, للإجابة على هذه التحديات، تخفيض الكلفة التشغيلية، المستقلة عن سعر الصرف، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الموارد البشرية، محاولات قد لا تكون مجدية عن رفع الأقساط.



مستند 1- الموازنة العامة لمدرسة خاصة متوسطة الحجم عن عام ٢٠١٩ – ٢٠٢٠ الكلفة التشغيلية المرتبطة بسعر الصرف تشمل مواد التنظيف والتعقيم، اللوازم المكتبية، قطع الغير الكهربائية الصحية وغيرها، الإشتراكات الإكترونية لتأمين خدمات التعليم عن بعد، إلخ ...




 في دراسة تفصيلية لإحدى المدارس الخاصة المتوسطة الحجم، أخذت إدارة هذه المدرسة إجراءات عديدة لتخفيض كلفتها التشغيلية الغير مرتبطة بسعر الصرف بنسبة كبيرة تجاوزت ٤٠ ٪ كما حاولت تخفيض عديد العاملين لديها ضمن ضوابط ديمومة خدماتها التربوية.

للأسف، إن التدهور الكبير لسعر الصرف والحاجات المضاعفة لتنظيف وتعقيم المباني المدرسية خلال فترة التعلم المدمج، بالإضافة إلى تسرب ٢٠٪ من طلابها سينتج عن زيادة خيالية، تضاهي ٣٠ ٪ إضافية على القسط المدرسي، مقارنةً بالعام الماضي، في حال استقر سعر الصرف على معدل ٧٬٥٠٠ ليرة للدولار الواحد. من جهة ثانية، سترتفع كلفة النقل عبر باصات المدارس, نتيجة كلفة الصيانة والتعقيم, بما لا يقل عن ٣٠ ٪ مما سيضاعف التحديات في وجه الأهالي.


قدرات الأهالي وتسديد الأقساط

إن تراجع القدرة المالية للمواطن لا تخفى على أحد نظراً للغلاء الفاحش والارتفاع الجنوني لنسبة البطالة. كما أن النمط الجديد في التعليم سيصطدم أيضاً بعدم قناعة الأهالي بجدوى التعلم المدمج أو التعلم عن بعد الذي سيؤثر حكماً على شهيتهم في تسديد الأقساط المدرسية, مما سيؤثر سلباً على قدرة إدارة المدارس الخاصة بالقيم بواجباتها تجاه المعلمين.

في حديث خاص مع رئيس اتحاد لجان أهل كسروان جبيل، قدّر الأستاذ ريشار مرعب التحضيرات التي تقوم بها ادارات المدارس، وزارة التربية، والهيئات الإدارية والتعليمية ولكنه حذر من زيادة الأقساط للعام المقبل. بالنسبة إلى مرعب، "لا يمكن الطلب من الأهالي دفع زيادة اقساط علماً أن المتعلمين لن يكتسبوا كامل الأهداف التعليمية أو المهارات المرجوة. بالإضافة إلى ذلك يطالب مرعب الدولة اللبنانية وإدارات المدارس مراعاة ظروف الأهالي الذين لن يتمكنو من دفع كامل الأقساط خاصةً أن المدارس الرسمية قد لا تتمكن من تسجيل كل النازحين إليها وتحديداً في منطقة جبل لبنان نظراً للاكتظاظ المرتقب ..

على مستوى آخر تتوقع ادارات المدارس تراجع نسبة تحصيل الأقساط واستعدادها لمساندة الأهالي، ولكنها في الوقت ذاته تذكر المعنيين أن الكثير من المدارس الخاصة لم تستطع تحصيل أكثر من ٥٠ ٪, فيما البعض الأخر لم يتخطى ال-٣٠ ٪ , وذلك عن العام المنصرم.

في ضوء كل هذه المعطيات تخشى إدارة المدارس الخاصة من عدم تمكنها من إكمال العام الدراسي المقبل مع حلول قانون الأول ٢٠٢٠ .


الهيئة التعليمية

تقترب الهيئة التعليمية بحذر من موعد عودة المدارس: أكثر من نصف اساتذة لبنان لم يحصلوا على كامل مستحقاتهم عن عام ٢٠١٩ - ٢٠٢٠، كما يتعرضون لضغوط نفسية كبيرة من أجل إدارة فترة التعلم المدمج عبر تحضير محتوى رقمي لمشاركته مع عن عبر المنصات الإلكترونية بالإضافة إلى التحضيرات المتعلقة بدروسهم الصفية.

لذلك، بدأت العديد من روابط الأساتذة تحضير خطوات تصعيدية إبتداءً من شهر تشرين الأول في حال عدم تسديد ادارات المدارس لمستحقاتهم عن عام ٢٠١٩ - ٢٠٢٠.


الوضع الصحي

يزحف لبنان نحو حدود القدرات الإستيعابية للمستشفيات في معالجة المصابين بفيروس الكورونا. إن إعادة فتح المدارس تشكل حاجة ملحة لتعويض الخسارة التربوية ولكنها تنذر بكارثة صحية، آخذين بعين الإعتبار تضرر العديد من المستشفيات الكبرى في بيروت ومحدودية أعداد أجهزة التنفس.

يتجه القسم الأكبر من المدارس الخاصة إلى إعتماد التعلم المدمج، الذي سيحد من سهولة إنتقال الفيروس، ولكن لن يتمكن من إلغاء خطورته. إن هذا المشهد دفع العديد من الأهالي نحو أخذ قرار تسجيل اولادهم في مدارس ستعتمد التعلم عن بعد, حصرياً, في الأسابيع الأربعة المقبلة أو عدم إرسال اولادهم إلى المدرسة في الوضع الحالي.




مستند 2- الموازنة العامة لمدرسة خاصة متوسطة الحجم عن عام ٢٠٢٠ - ٢٠٢١ الكلفة التشغيلية المرتبطة بسعر الصرف تشمل مواد التنظيف والتعقيم، اللوازم المكتبية، قطع الغير الكهربائية الصحية وغيرها، الإشتراكات الإكترونية لتأمين خدمات التعليم عن بعد، إلخ ...




إنفجار بيروت و البنى التحتية

قدرت البيانات المتاحة تضرر ٢٤١ منشأة تعليمية ضمن دائرة قطرها خمسة كيلومترات من موقع الإنفجار في بيروت وجبل لبنان. إن هذه الخسائر الكبيرة، التي قدرها البنك الدولي ب-٧٠ مليون دولار على مستوى القطاع التربوي، ستدفع بإزدياد أعداد المنتقلين من المدارس الخاصة نحو المدارس الرسمية ليتجاوز ال-١٥٠ ألف متعلم.

إلاضافة إلى ذلك، وفضلاً عن تأثيرات إنفجار - مجزرة - بيروت، يعاني اللبنانيون من مغبة الحصول على خدمة جيدة للإنترنت تتلاءم مع حاجيات التعلم المدمج بإلاضافة إلى المعاناة الأكبر للتيار الكهربائي. تقوم وزارة التربية بالتفاوض مع مقدمي خدمات الإنترنت حيث من المتوقع أن تقوم Ogero، مشكورة، بتقديم سعة شهرية إضافية مجانية إبتداءً من الشهر المقبل لجميع مشتركيها الذين لا تتجاوز نسبتهم ال-٢٠ ٪ من طلاب وعاملي القطاع التربوي. لذلك، ونظراً لمحدودية أعداد المشتركين بخدمات Ogero، يبقى الأمل الوحيد معلق على شركتي الخلوي وقدرتيهما على تقديم باقات شهرية مجانية.

العام المدرسي في مهب الريح

تتجه العائلة التربوية نحو مأزق حقيقي في مواجهة التحديات الصحية المرتقبة نتيجة إعادة فتح المدارس، ناهيك عن القدرة الخجولة للبنى التحتية كالكهرباء والإنترنت مقابل كلفتها العالية، بالإضافة إلى عدم توفر الأجهزة الذكية لأكثر من نصف الطلاب.

إن مجمل الحلول تكمن في طريقة إدارة السلطة السياسية لهذا الملف كملفٍ مجتمعي متكامل ولكن للأسف إن فقدان النية الإصلاحية عند السلطة السياسية التي حجبت على مدى السنين الدعم عن طلاب المدارس الخاصة واللذين يشكلون ٧٠% من مجمل طلاب لبنان, وأمعنت في استغلال التوظيف السياسي في المدارس الرسمية، تدفع بالحقل التربوي إلى الهاوية.

إن تشكيل نية حقيقية إصلاحية عند السلطة السياسية يحتم عليها أن تقوم بخطوات عملية سريعة:

▪ دفع الدولة ل ٣٥٠ مليار ليرة, التي اقرتها الحكومة السابقة وىنتظر اقرارها في مجلس النواب, بشكل متساوي على أساس أعداد الطلاب في المدارس الخاصة عن العام ٢٠١٩ – ٢٠٢٠

▪ الترميم السريع للمدارس الخاصة التي تضررت في بيروت

▪ دعم و تأمين الإنترنت لجميع طلّاب و اساتذة لبنان.

▪ دفع مستحقات المدارس النصف المجانية

أما كل ما تقدم فليس إلا معالجة انية للوضع الطارئ. إن الحل المستدام الذي يدعم القطاع التربوي يحتم إعادة هيكلة القطاع التربوي الرسمي وإقرار سياسات جديدة للتوظيف، لإدارة الأداء، لتطوير المناهج، ولإرساء الشفافية والمحاسبة. وحدها إعادة الهيكلة ستسمح في دعم جميع طلاب لبنان دون كلفة إضافية على الخزينة العامة وبذلك لإحترام الدستور عبر إعطائهم حرية اختيار مدارسهم لأن المدرسة ليست خيار تعليمي فحسب, بل خيار ثقافي.

إن الدعم الاني والسريع ضروري للإجابة على التحديات المطروحة أمام الطلاب وأهلهم، وأمام الأساتذة، وأمام ادارات المدارس وذلك للإبقاء على سير المؤسسات التربوية في الأشهر الثلاثة المقبلة ، ولكن هذا الدعم لن يحل المشكلة بل سيؤجلها وصولاً إلى نهاية العام المقبل على أمل إعادة هيكلة بنيوية في النظام التربوي اللبناني.