محمد عبيد

العقوبات... لبنان والمقاومة

14 أيلول 2020

02 : 00

حلفاء "حزب الله" المكشوفون بفسادهم هم الصيد الأسهل

من البديهي أن يكون الموقف المبدئي لكلّ مقاوم، من العقوبات السياسية أو الإقتصادية التي يُمكن أن تفرضها أي دولة، مهما عَظُمَ سُلطانها وامتدّ نفوذها، ضدّ دولة أخرى أو شعب أو شخص ما، أن يكون الموقف هو الرفض المُطلق، لأنّ في ذلك إكراهاً وطغياناً ومسّاً بحرّية الإنسان وخياراته، كما هو إعتداءٌ على إستقلالية الشعوب وسيادتها في أوطانها.

هذا في العام، أمّا في الخاص كما هو الحال في لبنان، فإنّه من المفارقة أن يجنح جزءٌ كبيرٌ من الشعب اللبناني، ومن ضمنه المقاومون، الى الترحيب علناً وسرّاً بالعقوبات الأميركية التي طالت في الدفعة الأولى منها، الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وهو ترحيب سينسحب على الدفعات اللاحقة، أميركية كانت أم فرنسية.

من المؤكّد أنّ الطبقة السياسية اللبنانية لن تفكّر أبداً بإجراء مراجعة حول ردّات فِعل اللبنانيين تجاه هذه العقوبات، في اعتبار أنّه يمكن إلباسها ثوب الإستهداف السياسي، مع أنّها في شقّ منها، تتعلّق بالفساد أو بالفشل في إدارة الدولة وتدمير بنيانها وإفقار شعبها.

ومن المؤكّد أيضاً أنّ الأميركي، كما منظومة الفاسدين في السلطة، ليس حريصاً على مصالح الشعب اللبناني وعلى مستقبل أجياله، وإنّما إغتنم الفرصة التي وفّرتها له هذه المنظومة، من خلال جرّ لبنان الى الإنهيار الإقتصادي والمالي المريع، ليقلب الطاولة على أركان هذه المنظومة أو على أدواتها من الوزراء والنواب والمتعهّدين وغيرهم، لأن مدّة صلاحيتها، بالنسبة له، قد انتهت، وهو الذي شارك في صناعة بعضها، ورعاية البعض الآخر. وهو سلوك لطالما اعتمده الأميركي مع أقرب حلفائه، بدءاً من الشاه محمد رضا بهلوي، مروراً بحسني مبارك وزين العابدين بن علي، وصولاً الى هذه المنظومة، كما يبدو.

لذلك، استشعر أرباب هؤلاء الوزراء وغيرهم من المنتظرين للعقوبات، الخطر الكامن خلفها، وباتوا أمام خيارين صعبين: إمّا الإنصياع الى تداعيات هذه العقوبات ومحاولة حصر مفاعيلها بالذين طالتهم حتّى الآن أو الذين ستطالهم كما يُشاع، تجنّباً لوصول نارها الى عوائلهم، وإمّا الإندفاع الى الأمام، مُتسلّحين ببيانات إستجدائية أو شعارات واهية يُمكن أن تَشُدّ العصب الطائفي والمذهبي، وبالتالي تؤمّن حماية، ولو موقتة، تَقيهم الهجمات المقبلة.

إنطلاقاً من هذه المقاربة، يبدو حال الشعب اللبناني مُشابهاً تماماً لما كانت عليه أحوال العديد من الشعوب العربية، كالشعبين العراقي والليبي مثلاً اللذين، بسبب ظُلم وطغيان الأنظمة السياسية التي حكمتهما طويلاً، وجدا في المحتلّ أو المحاصِر أو فارض العقوبات، مخرجاً لا مفرّ من القبول به للخلاص من هذه الأنظمة. وكما كانت المسؤولية الأولى والمباشِرة تقع على نظامي صدّام حسين ومعمّر القذافي، فإنّ المسؤولية ذاتها تقع على هذه المنظومة التي لم تشبع نهباً لمقدّرات لبنان وخيراته، ولم ترعَوِ عن ظلم اللبنانيين وتطييفهم وإفساد بنيتهم الإجتماعية والأخلاقية والوطنية.

الآن وقعت الواقعة، وفقدت ما يُسمّى القوى السياسية قدرتها على المبادرة. بالرغم من ذلك، هي ليست في وارد البدء بإصلاح ذاتها، بل إنّها، وبسبب صلفها، ما زالت تعتقد أنّه بمقدورها التشاطر على الراعي الفرنسي المستجدّ، من خلال تجويف أجندته الإصلاحية وإفراغها من مضمونها، وذلك بهدف كسب الوقت بإنتظار متغيّر إقليمي أو دولي يعيد صياغة توازنات متعادلة، ما يعني أنّها لن تستسلم بسهولة ما لم تكن الضربات العقابية على الرأس أو في الصميم.

المشكلة الأهمّ أنّ أجزاء فاعلة في هذه المنظومة الفاسدة تلطّت سابقاً خلف "حزب الله" هرباً من محاولات الشعب اللبناني محاسبتها، وها هي اليوم تختبئ أيضاً في ظلّ "الحزب". والأخطر، أنّها تستعمل عنوان المقاومة لحماية نفسها، مع ما يعنيه ذلك من تلويث لتاريخ المقاومة وسلوكها وسمعتها.

وبموضوعية مطلقة، لا شكّ في أنّ "الحزب" كحالة مقاومة، هو الهدف الأساس للأميركي المُعاقِب الذي يسعى الى عزله لبنانياً. لذلك، من الطبيعي أن يكون ما يسمّى حلفاء "الحزب"، المكشوفون للأميركي بسبب فسادهم وأموالهم وممتلكاتهم في لبنان والخارج، هم الصيد الأسهل. ولكن، ماذا لو كانت الدفعات المقبلة من العقوبات موجّهة ضدّ أخصام "الحزب" التاريخيين في الداخل اللبناني؟ هل سيُصبِغ "الحزب" توصيفات المقاومة والشرف على هؤلاء الأخصام في اعتبار أنّه تمّ إستهدافهم من العدوّ الأميركي نفسه؟

على أنّنا لسنا في القرون الوسطى في أوروبا، بحيث يُمكن لأي جهة سياسية أو دينية منح "صكوك غفران" لمرتكبين عاثوا فساداً وإفساداً وإهمالاً، وكانت نتيجتها أخيراً الجريمة - الإنفجار في مرفأ بيروت. إذ إنّه من المستحيل أن ينام المرء مُتخاذلاً ليصحو في الصباح التالي مقاوماً صنديداً، أو أن يكون قد إحترف طوال حياته إبتداع أساليب الفساد والنهب، ليصير إثر موقف ما، لا فضل له في حصوله، شريفاً نظيفاً!

من حقّ "حزب الله" أن يدافع عن حلفائه الذين اختارهم بمحض الإرادة والمصلحة السياسية أو الطائفية أو المذهبية، ولكن بالتأكيد ليس من حقّه إلباسهم ثوب طهارة المقاومين الزاهدين الشرفاء، أو المنتمين الأوفياء لخطّ المقاومة بالموقف والكلمة والمشاعر، خصوصاً إذا تبادينا على المُعطى الذي يؤكّد عليه سماحة السيّد نصرالله أنّ المقاومة الإسلامية هي فصيل من فصائل المقاومة، بل هي الفصيل الأول والوحيد اليوم الذي يحمل راية المقاومة، والذي ندين له بالعزّة والكرامة والنصر على أعداء لبنان والأمة.

خلال العديد من المحاضرات العاشورائية، كان السيّد نصرالله يركّز على ضرورة إستلهام العِبرة من المدرسة الحسينية، بأنّ نُبل الهدف لا بد أن توازيه طهارة الوسيلة. ولأنّ هذا التلازم كان وما زال قائماً في عمل المقاومة وسلوكها، إنتصرت هذه المقاومة وأسقطت مشاريع أميركية - إسرائيلية عجزت عنها دول وجيوش. ولأنّ هذا التلازم مفقود في الأداء السياسي الداخلي بسبب فساد "عدّة الشغل" الحليفة لـ"الحزب"، يبدو التصدّي للهجمة الأميركية الداخلية ليس سهلاً، بل مرهون بإعادة تموضع "الحزب" الفعلي في مقدّمة جبهة الناس الساعية للخلاص من الفاسدين ومحاسبتهم، وليس بتجميع المستندات وإيداعها ديوان المحاسبة!

MISS 3